طيوب المراجعات

رحلة احمد الشريف بين اْرسلان وبن على

رحلة احمد الشريف بين اْرسلان وبن على
(الخلاصة والفوائد)

إلتحق عبد المالك بن علي (1) بمعية أحمد الشريف في إسطنبول عام 1923، ولازمه حتى وفاته فترة عشر سنوات، وكان في خدمته مخلصاً: ترجماناً وكاتباً وسكرتيراً له. ولم يتعرف عليه في ليبيا قبل ذلك.

في العام 1966، أصدر كتابه “الفوائد الجليّة في تاريخ العائلة السنوسية الحاكمة بليبيا في جزئين: الأول إحتوى (107) صفحة وهو يتعلّق بترجمة وسيرة حياة مؤسس العائلة محمد بن علي السنوسي وكل ما يتصل بأعماله وبولديه المهدي والشريف، فيما جاء الثاني في (144) صفحة وجعله خاصاً بأحمد الشريف، وتميز بأنه في قسم كبير منه ورد من شاهد عيان ومعاصر ومرافق لأحمد الشريف وسمع منه ما يتصل بحياته وسيرته، وشاركه مع آخرين في جزء منها.

رحلة احمد الشريف بين اْرسلان وبن على2

لقد تناول بن علي بتوسع في هذا الجزء تنقل أحمد الشريف وجولاته داخل ليبيا وخارجها ووصوله إلى تركيا وإقامته فيها وعلاقاته وسرد تفاصيل قدومه إلى الحجاز، وفي كل ذلك كان معه بن علي ليس راوياً فقط وإنما أحد المشاركين في هذه المشاهد والصور، وفي مقدمته للجزء الثاني أكد بأنه رأى الحاجة ماسّة إلى تدوين ما لا بد منه من سيرة أحمد الشريف بعد أن (رأى غيره ممن وجب عليهم حقه وربوا في أسعد أيامه وفضله غفلوا أو تغافلوا عن أداء ما وجب عليهم نحوه)(2).

وللقيام بهذا الواجب الإنساني خامرته: (فكرة إصدار ما يمكنني جمعه من سيرة بطلنا العظيم، إلاّ أن هذه الفكرة بقيت تتردد في مخيّلتي من حين إلى آخر مدة من الزمن فكنتُ ما بين إحجام وإقدام لعلمي بقصوري عمّا أفكر فيه غير أن الرسالة التي في عنقي والأمانة التي أصبحت أحملها قضت عليّ بالتشمير عن الساعد لإظهار ما تيسر لي في هذا الكتيّب المختصر..)(3)

لم يتعرض بن علي في مقدمته أو داخل الكتاب أيضاً إلى ما يشير إلى أنه كتب ما يتصل بسيرة أحمد الشريف أو رحلته وأرسل به إلى أحد آخر، أو سبق أن طلب منه أي شخص موافاته بما كتب خاصة الأمير شكيب أرسلان، وآثر غض الطرف عن ذلك ونكران ذاته! ولم يذكر أرسلان أيضاً سوى في سطر عابر من الكتاب كله أشار فيه إلى أنه وفد إلى أحمد الشريف: (صديقه الحميم أمير البيان شكيب أرسلان رحمه الله وبقي في ضيافته تقريباً مدة شهر ونصف)(4 ).فقط هذا كل ما ذكره بن علي عن أرسلان.

رحلة احمد الشريف بين اْرسلان وبن على3

رحلة احمد الشريف بين اْرسلان وبن على4

رحلة احمد الشريف بين اْرسلان وبن على5

والحاصل أن كتاب بن علي (الفوائد)، على الأخص فيما يتصل بأحمد الشريف، ظل على مدى سنوات منذ نشره مرجعاً رئيساً لكثير من الدارسين والباحثين في تاريخ الرجل، وظل أيضاً نادراً لعدم إعادة طباعته بعد صدور الطبعة الأولى والوحيدة( 5)، وهو قام بتغطية سنوات مهمة من حياة أحمد الشريف بكل دقة وشملها بالوصف ووضّح أموراً كثيرة تعزّز جهود بن علي وتكسبها مصداقية وأمانة لقربه من أحمد الشريف واطلاعه على العديد من الأمور، بل وإسهامه فيها، والمعروف أن بن علي أرسل بمهام مكلفاً منه بها إلى مصر وليبيا، وبجهوده تلك يكون قد نقل إلى الأجيال اللاحقة تفاصيل علاقته بأحمد الشريف وحفظ جانباً من تاريخه لكي لا يطاله الضياع.

في العام 2010. بعد نشر الفوائد بحوالي أربع وأربعين سنة. صدر كتاب صغير عنوانه (خلاصة رحلة المرحوم السيد أحمد الشريف السنوسي) للأمير شكيب أرسلان في طبعة أولى من (63) صفحة(6). والملاحظ له منذ الوهلة الأولى يقف على حقيقة لا تخطئها العين مفادها أن هذه (الخلاصة) هي نسخة مختصرة للفوائد، ويشعر أنها كتاب بن علي لا غيره، لكنه للأسف الشديد نُسب، دون وجه حق، لأرسلان!

رحلة احمد الشريف بين اْرسلان وبن على1

قدّم أرسلان الخلاصة قائلاً في سطور قليلة: (في الثالث عشر من ذي القعدة 1351، عندما جاءنا خبر إنتقال السيد إلى جوار ربه، كتبنا إلى من نعلمه أميناً لسره، وملازماً لخدمته، ورفيقاً له في سفره وحضره، نقترح عليه أن يبعث إلينا بخلاصة رحلة السيد رحمه الله، منذ فارقناه في مرسين، إلى أن أتمَّ أنفاسه الأخيرة، فجاءتنا من هذا الرفيق الأمين الخلاصة التي إقترحناها عليه، والتي تشتمل على حياة السيد بدقائقها في هذه السنوات التسع الأخيرة (7)، ولا يمكن أن يعرفها أحد غير من أشرنا إليه، لأنه كان ملازماً لصاحب هذه الترجمة من الأوّل إلى الآخر، ولقد وجدنا فيها بعض التطويل فآثرنا الاختصار فيما لم نجد الاختصار فيه مخلاًّ بالمعنى، قال: كان خروج السيد من مرسين في أواخر ربيع الأول 1343(8)…إلخ) وحتى وفاته، وفي الختام يقول (إنتهى ببعض إختصار)؟!

وهذا إعتراف وتوكيد واضح بأن الكتابة ليست له ولا تعود إليه وإنما طلبها من أقرب الناس إلى أحمد الشريف وكل ما فعله بعد إستلامها (بخطّ بن علي) الكاتب الأصلي أنه قام باختصارها (إختصاراً لا يخلّ بالمعنى)، وأسند الكلام في نصه بالكامل إلى (الرفيق الأمين) حتى نهاية ما أسماه الخلاصة، لكنه في حقيقة الأمر لم يبيّن الرجل ولم يذكره وهو صاحب الترجمة الذي إستجاب لدعوته وأرسل إليه بما طلب تلبية للدعوة، وأغمط حقه (دون وجه حق).

وهذا الرجل، والرفيق الأمين، وصاحب الترجمة لم يكن سوى عبد المالك بن علي، بخطّه ولحمه ودمه، وما لخّصه الأمير في (الخلاصة) هو طبق الأصل في العموم لما ورد في (الفوائد) كتاب بن علي الذي صدر قبل صدور تلك الخلاصة بأربعة عقود، وعزّز ذلك، سواء عن عمد أو سهو، في نهاية الخلاصة بمختارات مصوّرة من المخطوط الذي أرسل به بن علي بخطة جاءت في أربع صفحات كاملة!

ومع تقديرنا لجهود الأمير شكيب لتآليفه وكتاباته ونشاطاته الفكرية والأدبية وبأنه صاحب لقب (أمير البيان)، فإن ثمة سؤال ينهض ملحاً: لماذا لم يذكر أرسلان إسم بن علي وأنه صاحب الفضل بالدرجة الأولى؟ أم أنه ذكره وأُزيل لاحقاً. لماذا يطمس جهد بن علي ويُعتدى على جهده وعمله ولا يذكر إطلاقاً؟ لماذا يتم تجاهله ويُقابل إحسانه بالجحود والإهمال؟ وعلى فرض أن ذلك تمّ في سنوات بعيدة وبحُسن نية فإن على الناشر أو المحقق تقع في مرحلة أخرى، حتى وإن لم يكن يقصد ذلك، مسؤولية التجاهل والطمس أيضاً. إن المسؤولية هنا مشتركة ولقد كان بمقدوره البحث عن هذا (الرفيق الأمين) والاستفسار عنه، وتتبّع أثره عن طريق أهله أو من يمت إليه بصلة، ثم ألا توجد في مخلفات الأمير أرسلان المهيب السمعة أصول الرسائل المتبادلة بينه وبين الكاتب الأصلي أو نسخ منها. وإذا كان ذلك موجوداً، وهو أمر مؤكد، وإلاّ لما صدرت الخلاصة بشكلها الذي تمت عليه إذ لا يمكن وجود نار بدون دخان. فإنه كان من الواجب العودة إليها والتأكد منها قبل الطباعة!

وقد ورد في مقدمة الناشر المؤرخة في 21 مارس – آذار – 2010، بالصفحتين السابعة والثامنة من (الخلاصة) ما نصّه: (.. ولقد تأثر الأمير شكيب حينها، بمسيرة السيد أحمد الشريف السنوسي، وتابع رحلته النضالية، من ليبيا إلى بلاد الحجاز، وقد جعل ذلك خلاصة مخطوطة سجّل فيها الحقبة الأخيرة من حياة ذلك السيد، وهي عبارة عن كتيّب صغير خُطَّ بيد الأمير “المخطوط هو من محفوظات معالي الأستاذ وليد جنبلاط”(9 ) راعى فيه الأمير سرد بعض التفاصيل التي تدل على عظيم ما كان يمثّله أشهر السادة السنوسيين… إلخ).

وما في المقدمة شيء يخالف ما قاله الأمير أرسلان نفسه وقيّده بيده، واعتداء في وضح النهار على حق فكري وأدبـي لعبد المالك بن علي. إن المقدمة تمضي في إتجاه عكس إتجاه الأمير الذي أكد بأمانة ظلت تنقصها ذكر إسم بن علي، أن الخلاصة جاءته من هذا الرفيق الأمين بناء على طلبه فيما يأتي الناشر بعد هذه الأعوام ليُدلى برأي مخالف يدعونا إلى سوء الظن بمجرد تأكيده عن عدم دراية بأن الأمير هو من (سجّل تلك الخلاصة). تناقض واضح وصريح يبين الخلل والافتئات على الحق ويدلنا على ضياع جهد بن علي بين الأمير والناشر، وأن الظلم والإجحاف لم يلحقه فقط من طرف واحد.. بل من إثنين!

رحلة احمد الشريف بين اْرسلان وبن على6

ووفقاً لهذه الأسباب المنطقية من التاريخ والواقع فإن تصحيح الأمور ووضعها في نصابها المعقول يُعد واجباً وضرورة ولا بد للناشر أو من يقوم مقامه بتدارك الموضوع وإحقاق الحق في طبعة ثانية. لا بد من إسناد الفضل لأهله، وعدم بخس الناس أشياءهم وإن طال الزمن(10 )!

__________________________

الهوامش والاحالات

1- عبدالمالك عبدالقادر بن على الدرسى. ولد فى تلغزه قرب البيضاء عام 1900. كانت عائلته تقيم فى درنة وبها تعلم ثم حفظ القران الكريم فى زاوية مارة على يد الشيخ احمد الدغبارى. فى عام 1911 اْرسل مع مجموعة من الطلبة بلغ عددهم (450) طالبا الى تركيا للدراسة. وعقب الحرب العالمية الاولى تفرق العديد منهم اما بالعودة الى البلاد او الذهاب الى اماكن اخرى فيما ظل هناك ولازم احمد الشريف وكان سكرتيرا له اعتبارا من العام 1923. بقى فى الحجاز بعد وفاة احمد الشريف عام 1933 وعمل معلما وامينا لمكتبة مكة المكرمة. توفى ودفن بمكة فى 27. 6. 1996.

2- عبدالمالك بن على. مرجع سابق (الفوائد الجلية)
3-  بن على. مرجع سابق.
4- ورد ذلك فى الصفحة (69) من كتاب بن على
5- عام 1966 فى دمشق.
6- صدر عن الدار التقدمية. المختارة. الشوف. لبنان. الطبعة الاولى. نيسان _ ابريل 2010. اشراف وتحرير د. سوسن النجار نصر.
7- يقصد من 1924 _ 1933.
8- صفحة (21) من الكتاب ومابعدها الى صفحة (54)
9- حفيد شكيب ارسلان (جده لوالدته) وابن كمال جنبلاط.
10- يتساهل الكثير من المؤلفين الليبيين فى حقوقهم المشروعة كثيرا (للاْسف) خاصة المتصلة بحقوق الملكية الفكرية والادبية التى تكاد تشعل حروبا فى العالم. ومثل ذلك مما وقع لعبدالمالك بن على حوادث مشابهه عديدة.. لكن نبش القبور امرا غير جائز شرعا !!

مقالات ذات علاقة

مقدمة كتاب: التعابير الشعبية الليبية

إبتسام صفر

كتاب جديد: فتنة الأدب وغواية النقد للكاتب حسن المغربي

المشرف العام

مراجعة لرواية “ناقة الله”

المشرف العام

اترك تعليق