المقالة

هل لدينا تاريخ للشعر؟

 

سؤال يطرح نفسه من جديد، هل لدينا تاريخ للشعر ؟ إذا ما افترضنا مبدئياً أن التاريخ يعني الوقائع والصراع والحراك ضمن تغيرات زمنية يؤكدها الاكتشاف، أن للرواية الغربية وللموسيقى وللمسرح والرسم والشعر أيضاً تاريخاً، استطاعت الحركة النقدية المواكبة لكل هذه الفنون أن تكتبه بشكل تراكمي وتحدد مفاصله، ولحظات تطوره، والأهم من ذلك أن هذا التاريخ ارتبطت كتابته إلى حد كبير بالاكتشاف والذي يعني جوهر الثيمات الإنسانية التي تم طرحها تباعاً، وبمعنى الآخر رصد الإضافات الجمالية والخطابية التي انبثقت من خلال حراك التجربة الإبداعية، وفي الغالب مثل هذه الإضافات مجموعة محدودة من المبدعين الذين من خلالهم استطاع النقد أن يرصد الانعطافات الهامة في تاريخ كل فن، فأين نحن من هذا؟ وما مدى إمكانية تلمس تاريخ من هذا القبيل للشعر خصوصاً بإعتباره حقل إبداع متجذر وطويل المدى، هل غاب في هذه التجربة الملمح التاريخي الذي جعلها ولفترة طويلة تجربة أفقية تكرر نفسها على مدى مئات السنين؟، أم أن غياب الحركة النقدية الموازية هو السبب في عدم إنجاز سرد تاريخي لهذا الابداع، رغم وجود منظومة نقدية تراثية مبكرة، ولكنها كانت من السطحية بالدرجة التي لم تحدد مراحل التطور والاكتشافات في داخل هذه التجربة، بل وكثيراً ما اعتبرت أي محاولة للاكتشاف والخروج عن النمط السائد نوعاً من الردة والخروج عما تعارفت عليه العرب، وهو النقد نفسه الذي اعتبر شاعراً مثل المعري وفيلسوفاً ومفكراً أكثر منه شاعراً، رغم ثيماته الإنسانية العميقة التي طرحها مبكراً، والتي كان لابد أن تجعل القصيدة فقيرة في الجزالة والطراوة التي يعتبرها النقد العربي من ركائز الشعر، وحتى نقدنا العربي الحديث أدار ظهره لشاعر مثل المعري مركزاً على المتنبي وأبي تمام والشريف الرضي وغيرهم، لأنهم مازالوا تحت ضفط الذائقة التقليدية والتركيز على جزالة اللغة والبلاغة على حساب المحتوى المعرفي وعمق الثيمة والثورات الشكلانية التي أعتبرت في نقدنا مرحلة الانحطاط الشعري، ومن خلال هذا أحب أن أطرح سؤالاً يتعلق بتجربتنا الشعرية الراهنة التائهة والمشوشة، هذا التيه والتشويش المتأتي من الافتقار إلى تاريخ شعري عربي، يراكم إنجازاته ومنعطفاته عبر سير نقدي منهجي وحاذق، ومن خلال الرؤية الواضحة لهذا الماضي يمكن للشاعر العربي الراهن أن يعرف أين يضع قدمه، وأن يطور أويكتشف أية ثيمة مسكوت عنها، وبالتالي يذهب بالنقلات الشكلية في الشعر عبر دروب يضيئها الماضي، ويحددها البعد الزماني، ولا تسقي أوهامها من تجارب مكانية مبعثرة جعلت تجربتنا الحديثة مغرقة في تجريب الاشكال دون أن تخلق أصالتها الحداثية، ومن ثم أسئلتها الجوهرية ولغتها اللائقة باللحظة والعصر، ومن ثم وهذا هو الأهم تحديد حداثة خطابها في اللحظة الراهنة لتكون لحظة مفارقة بل وناقدة للخطابات الاجتماعية والسياسية السائدة، وهو المنحى الذي سينقلنا إلى أزمة الشعر الليبيي والتي سأحاول الاجتهاد فيها في المقالة القادمة.

مقالات ذات علاقة

بولمن البوسطا

ناجي الحربي

القرآن بين الإيمان والإسلام

المشرف العام

تحية للموسيقار الأستاذ علي ماهر

علي عبدالله

اترك تعليق