استطلاعات

الرواية الليبية أسيرة بيئتها الجغرافية

أنجبت الرواية الليبية أسماء قليلة بارزة، وظلّت محصورة بها، مما دفع بعضهم إلى القول إن الرواية في ليبيا لم تنضج بعد. وفي ظلّ دخول بعض الأسماء معترك الرواية، بقيت الأعمال الروائية أقرب إلى محاولات خجولة، تُنشر من فترة إلى أخرى. هكذا، أصبح لدينا عدد كبير من الروائيين يقابله عدد قليل من الأعمال المطبوعة التي لم تحقق كلّها نجاحاً في الوصول إلى القارئ الليبي. من هنا، نجد أننا أمام أسئلة عدّة تفرض نفسها في هذا الاستطلاع: هل تعاني الرواية الليبية من غياب القارئ؟ أم أن موضوعاتها ذات حدود جغرافية ضيقة جداً؟ ما هي أبرز الصعوبات التي تواجهها؟ ولماذا هي بعيدة من الجوائز الخاصة بالرواية العربية؟…

الكاتب الليبي .. عمر الكدي
الكاتب الليبي .. عمر الكدي

يقول الروائي عمر الكدي في شأن مشكلات الرواية الليبية: «انتعشت الرواية في ليبيا خلال السنوات العشر الأخيرة، ودخل معتركها الكثير من الروائيين والروائيات الجدد، علماً أنّ بعضهم وفد إلى الرواية من حقول ابداعية أخرى مثل الشعر والقصة القصيرة. لكنّ هذا لا يمنعنا من القول إنّ الإقبال على الكتاب قلّ خلال هذه الفترة، أو هذا العقد تحديداً. والأسباب كثيرة أولها انتشار الانترنت، وشغف الأجيال الجديدة بما يكتب على الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي أكثر مما ينشر في الكتب». وأضاف الكدي: «مشكلة الرواية الليبية لا تكمن في التركيز على البيئة الليبية، بل قد يكون هذا سرّ قوة بعض الروايات الناجحة، لأنّ العالم يريد معرفة الكثير عن هذه المنطقة الغامضة، والتي ظلّت فترة طويلة معزولة عن العالم». أمّا غياب الروايات الليبية عن أهمّ الجوائز العربية فيرى الكدّي: «إن الجوائز تحتاج إلى علاقات عامة، وحملات دعائية وهو فن لا يجيده الليبيون في طبيعتهم، ومع ذلك فاز إبراهيم الكوني بمعظم الجوائز العربية، وأتوقع فوز آخرين في السنوات الآتية».

الروائي يوسف إبراهيم يؤكد أنّ القارئ لم يغب عن الرواية الليبية، إنما الغائب الفعلي هو التسويق بما يتطلّبه من دعاية للكتاب وتعريف بالكاتب وتوزيع مدروس للروايات. ويقول ابراهيم في هذا السياق: «يساهم غياب نصوص الكاتب الليبي عن مناهج التعليم في تعزيز الهوة بين الأدب الليبي والقارئ الليبي. أما الموضوعات فلا أعتقد أنها عائق أمام انتشار الرواية الليبية، لأنها موضوعات إنسانية عامة، والإنسان هو الإنسان مهما اختلفت البيئات. بل إنّ المجتمعات التي يجهلها القارئ قد تجذبه أكثر من غيرها، لا سيما حين تُقدّم ضمن بناء فني ممتع، وهو ما لا ينقص الروائي الليبي». وفي ما يخصّ مكانة الرواية الليبية في الجوائز العربية، يقول يوسف ابراهيم: «إنّ روايات أحمد الفقيه وعبدالله الغزال وإبراهيم الكوني حازت جوائز عربية، وترشحت رواية رزان المغربي إلى جائزة البوكر العربية واختيرت ضمن القائمة الطويلة، بينما حلّت روايتي «الغرقى» في الترتيب الخامس في مسابقة «دبي الثقافية». وإذا أدخلنا الروايات التي كتبها ليبيون، خارج ليبيا، بغير اللغة العربية، سنجد أن إنجازات هشام مطر كثيرة ومشرّفة».

الناقد: محمد الترهوني
الناقد محمد الترهوني

يعتقد الناقد محمد الترهوني أنّ الرواية في ليبيا لا تعاني من غياب القارئ، بل إنّها تعاني بسبب غياب كاتب مكتمل الثقافة، ويقول: «إنّ افتقار الرواية الليبية إلى الكاتب بالدرجة الأولى هو ما يجعلها صامتة في حين تظن أنها تتكلم. وأنا لا أرى أنّ ثمة علاقة بين الأدب والجدية أو المهابة والوقار أو حتى الفائدة، فالأدب هو أولاً متعة، لكنّها متعة لها استراتيجية بلاغية. لذا أجد أنّ كل الإبداع الذي يكتب تحت عيون مجتمع محافظ غالباً ما يكون أدباً بائساً، لأن الاختيار اللفظي يكون فريسة رقابة هذا المجتمع. فالرواية ليست سرداً فقط، وليست أبطالاً وأحداثاً فقط، بل إنها وجهة نظر. وحين تعمل وجهة النظر هذه على أن تكون متعايشة مع وجهة النظر السائدة، فهذا ينتقص حتماً من المتعة الفنية، ويعني أنها رواية مولودة بعمر الشيخوخة ومقبلة على موت محتّم». ويوضح الترهوني أنّ الرواية في ليبيا لا خصوصيات لها ولا بروز للفردية فيها، علماً أنّ التنويه ضروري في الرواية بغية قول ما يحدث في هذه الحياة، حتى لو كان هذا التنويه عنيفاً ووقحاً، فإنّ الجغرافيا لا علاقة لها بضيق الحدود الجغرافية أو اتساعها، بل لها علاقة بنمط الحياة الموجود في هذه الحدود. فالروائي كما يراه الترهوني هو كاتب متنقل من مكان إلى آخر وهو جالس على كرسيه وبين اوراقه، الروائي رحالة يصنع برحيله من شخصيته شيء آخر، لا يهتم الروائي بالصواب، يهتم فقط بالخطأ، لكنّ هذا لا يعني أن ينزوي بهذا الخطأ في ركن صغير ويغيب عن الساحة. ويُضيف في هذا السياق: «يعتقد الروائي في ليبيا أن القارئ متسامح في الخطأ إذا كان في رواية لكونديرا أو يوسا، أي في مكان آخر، لكنّ هذا بعيد كل البعد عن الحقيقة، فالمشكلة ليست في ضيق الحدود أو اتساعها، بل إنها تكمن في عدم القدرة على التحديق، وفي عدم القدرة على الاعتداء على المجتمع والتوقف عن التزلف له. لا ينبغي الحديث عن ضيق المكان واتساعه، بل عن ضيق افق الكاتب واتساعه.

وعن رأيه في إقصاء الرواية الليبية عن الجوائز، يقول الترهوني: «نعم هي بعيدة من أجواء الجوائز، ولكن هذا ليس بسبب ضعف الرواية الليبية فقط، بل لأن الإعلام عندنا لا يتقن تلك اللغة المستعملة في وسائل إعلام أخرى للترويج لروايات لا تستحق أن تكون على رفّ في مكتبة وليس الحصول على جائزة. ولأنّ الروائي الليبي لا يدرك جيداً المفعول الإيجابي والمنتج للعلاقات المؤسسة على الكثير من التملق والكذب والتواطؤ على الضحك فوق ضريح الأدب، يجب أن يكون لدينا إعلام يتخلى عن الحرج من تلميع صورة الروائي الليبي، وأن يعمل بكل جهد لأن تحتلّ عناوين الروايات الليبية صدر الصحف الكبرى، وأن يصبح الروائي الليبي الشخصية الرئيسة في الأحداث الثقافية، والأهم من ذلك أن تقدم روايات لا تجرفها أول موجة في بحر أسرار الجوائز العربية الرفيعة».

الروائي أحمد إبراهيم الفقيه
الروائي أحمد إبراهيم الفقيه

أمّا الروائي أحمد إبراهيم الفقيه فيرفض تصنيف الرواية إلى رواية ليبية وأخرى يمنية أو تونسية، ويضيف الفقيه: «ثمّة دول معروفة بتراكم تجاربها الروائية كمصر على سبيل المثل، لكنّ الجائز قطعاً هو الحديث عن رواية عربية باعتبار ان الادب لغة. ومن هنا، فإن آداب اللغة العربية (قصة وشعراً ومسرحية ورواية) يمكن ان تنسب إلى ما نسميه الأدب العربي. ان الابداع الأدبي شيء فردي وشخصي، لذا لا يمكن وضعه تحت مسطرة واحدة، وهو ينطبق طبعاً على كل الفنون. وهو ما تخطئ فيه بعض المجتمعات وتحسب ان هذا التصنيف جائز. وقد حدث فعلاً ان مسؤولاً كان وكيل وزارة الاعلام والثقافة، جاء من خلفية لها علاقة بوزارة العمل في ذلك الوقت، فكان اقتراحه هو ضرورة تنظيم الناس، فجعل فئة الموسيقيين على حدة ثم الشعراء ثم أهل الزجل ثم أهل المسرح والقصة وغيرهم… فقلت له إنّ هذا التوزيع يمكن تنفيذه على عمال البترول أو عمال الشحن أو الطرق او عمال البناء، لكنّ الفنون والآداب عالم آخر. ففي الموسيقى، هل يعقل جمع عبدالوهاب مثلاً مع حسب الله الذي يستخدم العزف في التسول، لمجرّد أنهما موسيقيان؟».

ويُرجع الروائي صلاح الحداد غياب الرواية الليبية إلى ثلاثة اسباب: «قراء، سوق، منافسة». وهو يقول في هذا السياق: «في حديث عابر مع وزير الثقافة الحبيب الأمين عام 2013، اقترحت عليه مشروع تأسيس جائزة سنوية للرواية الليبية تقوم على ترشيح مرتادي المكتبات العامة وليس النخبة المستعلية؛ سعياً الى خلق بنية تحتية متينة وبيئة نقية صديقة للطبيعة، وتشجيعاً لممارسة القراءة والكتابة معاً؛ فعلق قائلاً: نحن لسنا في صدد الأحلام. إذا كان هذا رد وزير الثقافة، فجدير بنا أن نحتفل براوي فرسان الأحلام القتيلة الأوحد إلى الأبد».

ويوضح القاص جمعة بوكليب أن الرواية العربية وليس الليبية فقط بل كافة أشكال الكتابة الإبداعية الأخرى تعاني ضعفاً في العلاقة مع القارئ. ويُعدّ غياب القارئ المتابع والحريص بمثابة اشكالية جاءت نتيجة ظروف أخرى، ومنها تحوّل المجتمعات العربية إلى مجتمعات استهلاكية، وبالتالي انكماش الهامش الثقافي الصغير أصلاً والذي كان موجوداً. ويضاف بوكليب قائلاً: «موضوعات الرواية الليبية تكاد تدور في المناحي نفسها التي تتناولها الرواية العربية في كل مكان. وبالتالي، فإن محليتها أو الطابع المحلي لموضوعاتها هو الملح الذي تتميز به الأعمال الابداعية وبخاصة الرواية. والخروج إلى نطاق أكبر من المحيط الجغرافي الليبي أو العربي سيفقد الرواية الليبية طابعها المحلي المتشكل داخل جغرافية معروفة يقطنها الشعب الليبي بتقاليده وعاداته وإشكالاته وطموحاته». وحول غياب الرواية الليبية عن الجوائز العربية يقول: «تفتخر الرواية الليبية بأنها تحظى بكتاب مبدعين في عالم السرد الروائي تمكنوا من وضع اسم ليبيا على خريطة الابداع العربي والعالمي، ومنهم على سبيل المثل ابراهيم الكوني وأحمد ابراهيم الفقيه وعبدالله الغزال… هؤلاء هم فرسان ضمن كوكبة فرسان الرواية العربية. الرواية الليبية بخير والروائيون الليبيون من أجود الاصوات الروائية العربية».

مقالات ذات علاقة

العمل الإبداعي بين إعادة التدوير وخصوصية الرؤية

مهند سليمان

استطلاع.. ماذا يقرأ ويشاهد الليبيون في رمضان؟

المشرف العام

التدوين الليبي كإعلام بديل – 8 (المدون عبدالله الوشيش)

رامز رمضان النويصري

اترك تعليق