المقالة

شيطان السياسة في الوثيقة

 

كلام كثير قيل عن الوثيقة المثيرة للجدل التي أقرها وزراء الإعلام العرب قبل ستة أشهر واجتمعوا مجددا في القاهرة كي يبحثوا عن (آلية) يحولون بها مضمون الوثيقة من بنود على الورق الى فعل على الأرض بل وفي الفضاء ..

وثيقة “«مبادئ تنظيم البث والاستقبال الفضائي الإذاعي والتلفزيوني في المنطقة العربية» كما أسماها الوزراء وقبلهم الخبراء أيدها بعض العرب مضمنين مقدماتها إطلالة ملائكية تبشر بتطهير فضاء العرب الإعلامي من تلوث ينبعث من هذا الفلتان الفضائي الذي أفرخ قنوات تلفزيونية عربية للسحر والشعوذة واللعب بالعقول والغرائز، لكن عربا آخرين أيقظوا شيطان السياسة الذي كان ينام في تفاصيلها فتصدوا لها مطالبين بقتل ذلك الشيطان وهو ما سيتحقق بتحويل الوثيقة من (إلزامية) إلى (استرشادية) أولا، وثانيا بالاتفاق على العمل بها بما لا يتناقض مع التشريعات المحلية للدول، ورأى الفريق الأول في هذين الشرطين تفريغا لمحتوى الوثيقة وتحويلها الى مجرد ميثاق شرف يستنسخ روحه من مواثيق مشابهة نسيها حتى معدّوها، بينما أصر الفريق الثاني على شروطه مطالبا بعدم القفز إلى اقتراح (آلية) التنفيذ قبل الاتفاق على نزع روح الشيطان في الوثيقة .. ولم يكن صعبا على من تابع مسار الجدل والخلاف بين الفريقين رصد تلك الروح في مرافعات الفريقين،المدافعين عن الوثيقة والمشككين في نوايا واضعيها، وقد تحددت في سياق الجدل أسماء وانكشفت نوايا، إلى الحد الذي اعتبر فيه أحدهم أنه المستهدف بالوثيقة وأن وراءها يقف طرفا بعينه أو طرفين . ولم يكن صعبا أيضا على من تابع المشهد أن يكتشف أن ما أوصل الأمور الى هذا الحد لم يكن سوءا في الفهم كما رآه البعض بقدر ما هو سوء في النوايا، وكان لابد أن يصار الى موقف ثالث ينتهي عنده مسار الجدل أو يؤجل، اذ أن هناك جدولا للأعمال انعقدت لمناقشته دورة لمجلس وزراء الأعلام العرب ولا بد من الانتهاء منه ..

من هنا جاءت فكرة قرار تكليف الأمين العم لجامعة الدول العربية إنشاء مفوضية عامة للإعلام العربي يكون من بين مهامها العمل من أجل تنفيذ ما ورد في تلك الوثيقة التي صاحبتها لعنة التسييس منذ ولادتها، وهو قرار أراح من رأى فيه ضمنا وضع (الوثيقة) في ثلاجة الأمانة العامة للجامعة العربية حيث ترقد تحت طائلة التجميد عشرات القرارات التي سلكت مسارا مشابها قبل أن تلقى المصير نفسه، وأراح أيضا من رأوا فيه انجازا لـ (آلية) المنشودة التي أخذت اسم (المفوضية العامة للأعلام) والتي أصبحت الآن في عهدة الأمين العام للجامعة العربية شخصيا.

لقد أتيح لي أن أتابع كثيرا من تفاصيل هذه الولادة وما صاحبها من تأييد وتشكيك، ويمكنني القول أن شيئا ما صحيح في مبررات المؤيدين وشيئا ما صحيح أيضا في ردود المشكيين، ثمة فلتان إعلامي فضائي بما يحمل من محاسن ومساوئ وهو نتاج طبيعي للتطور النوعي الكبير الذي يشهده مجال الإعلام والاتصال وتعدد وسائطه، وثمة قلق من تداعيات هذا الفلتان وتأثيراته السلبية على شرائح واسعة في المجتمعات العربية، وثمة في المقابل مخاوف من أن يختفي خلف هذا القلق متضررون يسعون إلى تصفية حسابات إعلامية خاصة ليست بعيدة عن السياسة ان لم تكن ضمنها أو محركة لها .

ثمة لا شك نوايا حسنة لكن السياسة سرعان ما تلحق بها الشك وتلوثها حينما تحضر، والسياسة بهذا المعنى تعني الأداء السياسي عند العرب وهو أداء كثيرا ما ارتبط بفساد النوايا وان بدت في ظاهرها حسنة

مقالات ذات علاقة

الثيوقراطية والعلمانية وجهان للراديكالية

علي بوخريص

“المَسْدة”: بيت العفة ..ومنتهي الحكايات !!!

زكريا العنقودي

عندما ضجت الأعماق ذات ليلة …

المشرف العام

اترك تعليق