ليلى النيهوم
استحق ذلك الصباح الجميل في لندن و عن جدارة الذهاب بحماس لزيارة معرض البورتريه الوطني الشهير في وسط لندن حيث تُجمع و تُعرض لوحات بورتريه عن فترة ستة قرون مضت و حتى يومنا المعاصر هذا. بدأ التخطيط للزيارة في الخيال كأمنية منذ تتبعي لبرنامج مسابقة البورتريه السنوية الانجليزي الذي كنت اتابعه بشغف لسنوات. جاء في النبذة التعريفية في كتيب المعرض ان : “لدى المتحف أعظم مجموعة من البورتريهات التاريخية لشخصيات ُملهمة شكلت في وقت ما و لازالت في تشكيل أمة ، بدء من الرموز العالمية إلى الأبطال المحليين، و القامات الوطنية إلى الأبطال المجهولين. يتخصص المتحف في فن البورتريه و يعمل على تطويره بالإضافة الى الوقوف الى جانب فناني البورتريه و تشجيعهم على الإبداع و منحهم فرص عرض لوحاتهم “
تنقلتُ بين قاعات المتحف و أزمان اللوحات. منذ كانت الوجوه مسطحة والعيون طفولية. و منذ كانت الملابس مخملية والياقات مُنشاة ناصعة البياض و المجوهرات فخيمة من مناجم بعيدة و ثروات لا تحصى وصولاً الى زمننا هذا وقد تغيرت المفاهيم و المعايير و تطور الفن وأدواته و خرجت مدارس فنية بعضها طُور الفن و بعضها اطاح به و البعض ذهب به الى مناحي جديدة استساغها العصر و معاصريه. فقد أضحت الوجوه واقعية المقاييس فيما أصبح اللباس يشكو انعدام الذوق أو ترديه او بساطته لملائمة الواقع الجديد مقارنة بالعصر الذهبي . و تداخلت الموضوعات بين المتوهم و السُريالي و الإنطباعي والتجريدي والواقعي و ماوراء كل ذلك. الا قليلاً.
التاريخ متغير وإن لبث متريثاً في الأزمان القديمة و من ثم تسارع في هذا الزمن. هذه ملاحظتي على عصور اللوحات حتى زمننا هذا. بدت واضحة الطفرة التي إنقلب فيها الفن الحديث على سابقه و انتحى وجهات ماكانت لتخطر على من سبقوهم. فهل كان للأفضل؟ سؤال يحاول النقاد إجابته و لن تُجيب عليه جولتي في هذا المتحف بكل تأكيد .
في التفاصيل يجد الرسام دروساً و في التدقيق يتسع إُفقه الفني. يقف منذهلاً أمام اللوحات الضخمة و مقدرة الفنان على إنجازها على ارتفاعها و عظمة مقاسها . ففي تلك الأزمان وقبل التصوير الفوتوغرافي قام الرسامون بدور كبير في توثيق زمنهم عبر البورتريه. حفظوا الوجوه واللباس والحلي و تسريحات الشعر و غيرها . و من ثم ايصالها الينا كما كانت. و بإمكان الدارسون وفقاً لذلك الوصول الى مفاهيم كبيرة و إضاءات مُفعمة بالوضوح والفهم عن كل ذلك.
شغفت ببعض اللوحات. و انذهلت أمام عظمة بعضها. و أكدت لي بعضها ما أمتلكه من قدرات فنية. كنت أتتبع خطو فرشاة الرسام على اللوحة. نعومتها و خشونتها. ثقتها والتفضيلات التي جعلت الرسام يقدم اللوحة بالصورة التي عليها. الصنعة والموهبة. الرسم حسب الطلب و الرسم حسب الرؤية والطموح الفني. الرسم كوظيفة والقصص التي تختبيء وراء كل لوحة.
المتحف مبهر و الزائرون يمشون فيه على اطراف استمتاعهم و الهمس سيد الكلام إلا من ضجة طلبة يزورون المتحف و قد كلفهم أُستاذهم مهمة الإجابة على أسئلة سيعرف من خلال إجاباتهم مدى استيعابهم لما شاهدوه من لوحات. يجمع اختبارهم التاريخ و الرسم معاً . هكذا فهمت مما رأيت منهم. سيكون لوقع زيارتهم هذه اثر كبير على احدهم أو اكثر. مستقبلاً.
المعرض مُقسم حسب المراحل الزمنية من تيودورية و كولونيالية و معاصرة وغيرها . و حسب الادوار. اضافة الى معرض نسوي فوتوغرافي و معارض معاصرة لفنان او اثنين من وقتنا هذا والدخول اليها ليس مجانياً . فيما كان الدخول الى المتحف مجانياً فيما عدا صندوق صغير للتبرعات في مدخله.
في بوست أخر سأعرض تفاصيل التفاصيل لشغل بعض كبار الفنانين و لعبة الوانهم و لمسات فرشاتهم .
لندن: 21 نوفمبر 2023