رمضان كرنفوده
تمضي الأيام وفي ليلة شتوية قارصة وأثناء جلوس صالح كعادته بين أفراد أسرته في (دار الشتاء) حول طابونة النار وعلى ملامح والده يظهر التوتر الذي حاول إخفاءه وهو يقلب الجمرات قبل أن يقول:
– اسمع يا صالح عليك أن تترك الدراسة وتذهب إلى مدينة سبها وتبحث عن عمل من أجل أن تساعدني في توفير حاجيات البيت وإخوتك.
مضيفاً بتنهيدة عميقة:
– أنا تعبت جدا من عمل المزرعة.
تغيرت ملامح صالح فجأة! تهشمت كل الأحلام في مواصلة الدراسة والتخرج، كان حلم صالح أن يكون معلماً. لم يعلق بشيء ظل صامتاً للحظات بل لساعات في سرعة البرق تمكن والد صالح من الحصول على وسيلة لنقله من قريته إلى المدينة (سبها) وهي سيارة حكومية تتبع لوزارة الصحة تحمل الأدوية إلى بعض العيادات في القرى.
جلس صالح حزين في سيارة اللاندروفر من الخلف أعطاه والده 5 دنانير مشددا عليه حافظ عليها جيدا. ولم ينس أن يوصي السائق بابنه خيراً. وصل صالح إلى مدينة سبها لبيت ابن عمه المتكون من غرفة واحدة مبنية من الصخور محاط بها سور من الطوب الطيني.
حاول صالح الحصول على عمل في ظرف أسبوع لكن الحظ لم يحالفه. وكان يلتقي يومياً بشباب مثله من مختلف قرى فزان يبحثون عن عمل وفي أحد الأيام كانوا جالسين قرب محطة للحافلات عرض عليهم أحد الأشخاص فكرة السفر إلى طرابلس وأن العمل هناك متوفر في شركات النفط وغيرها. أخذت الفكرة تدور في رأس صالح ورفاقه واتفقوا في اليوم الثاني على السفر إلى طرابلس، صعدوا الحافلة منهم من هو جالس على كرسي وآخر يقف على قدميه وجرت العادة في تلك الحقبة من الزمن أن يكون السفر من سبها إلى طرابلس عبر الحافلة، وبالطبع تختلف أسعار التذاكر فسعر المقعد أغلى من سعر الوقوف. انطلقت بهم الحافلة في ذلك المساء الغائم ووصلوا إلى مدينة هون في الليل وكان بها مطعم الزرب (أي مطعم مشيد من جريد وسعف النخيل).
وترجل الجميع من الحافلة طالبين وجبة العشاء التي يبلغ سعرها 250درهم متكونة من صحن طبيخ وقطعة خبز فقط تناول صالح وجبة العشاء في ذلك المطعم. بينما أخرج بعض رفاقه (الزاد) وهو عبارة عن تمر معجون مضاف إليه الزيت. وجلس الرفقة أمام الحافلة تناولوا ما كتب لهم الله من رزق.