النقد

الشاعرة الليبية آية الوشيش: معانقة الحلم والسخرية من بشاعة الواقع..

حميد عقبي | اليمن

الشاعرة آية الوشيش توقع عقد مجموعتها الشعرية (زيتونة مجعدة) (الصورة: عن الكاتب معاذ الحمري)
الشاعرة آية الوشيش توقع عقد مجموعتها الشعرية (زيتونة مجعدة) (الصورة: عن الكاتب معاذ الحمري)

المتأمل والمتابع للشاعرة الليبية الشابة آية الوشيش ، سيلاحظ التطورات المستمرة في كتابتها الشعرية وأنها في إطار تكوين تجربتها الشعرية الخاصة لتكون ذات ملامح خاصة أي تعبر عنها أولا، ثم عن واقعها المجتمعي المصاب بالخلل والمضطرب والخيبات والنكسات وأصبح الحل هو الهروب إلى الأحلام والأماني للشعور بالسلامة والأمان وكي يستمر أي إنسان أو كائن بالتنفس وممارسة لعبة الحياة فعليه أن يحلم ويتخيل ويهذي.

لا يستطيع المبدع الهروب النهائي من الواقع ولكن آية الوشيش تبتعد عن الكتل الأكليشية لتصور لنا عالمها من عدة زوايا ويمكن أن توقف في هذه التأملات مع عدة نماذج من ديوانها ”زيتونة مجعدة ”والصادر عن دار شطيرة الكتب للنشر والتوزيع في أغسطس 2022م ولتكن البداية مع قصيدتها زيتونة مجعدة وإليكم النص:

وانتظرتك

حتي جف قلبي

وصار زيتونة

مجعدة

انتظرت المواعيد

التي حلفت بابتسامتك العريضة

أنها حقيقية

خلف تكات الساعة

كان قلبي يركض كل ليلة

أعد الثواني و أراقصها

وأصنع من الصبر حجاباً

لكنك لم تأتي

أردد في محراب شوقي

تنهيدات خلف

صوت “وردة”

“لو الأيام بتتكلم ”

“لو الأيام بتتكلم”

لأخبرتك أن عيناي لهما لون الحزن

ووجهي سيدة في الأربعين

وعمري يفوق سنوات ميلادي

وعاث المشيب في شعري فساداً

لم يضم رحمي جنيناً

وضم حضني كل أطفال الحي

بكت أمي كثيراً قبل المنية

ورحل والدي مبكراً

بسؤال مبهم

ماذا عن مصيري

أذكر يوم أخبرتني

أن “تشاد” قريبة

وأن الحروب لا تقضم

سيقان الشجعان

وأن المحب يعود

تركت خاتمي في يميني

وضعت فوق كفتي القبلات

وقلت انتظريني

وانتظرتك

حتي جف قلبي

وصار

زيتونة مجعدة

نحن هنا مع نص بوح أنثوي، يهمس، يغضب، يعاتب ويرصد ثم يصور، تصف قلبها الجاف ووجهها كأنه يتقدم في الأربعين وتذكر أحزانها وفقدان الأمل في أرض تهتز بالموت والصراعات حيث يولد الضياع والحرمان وهنا رغم كل الصفعات فهي تصبح الأرض والحاضن وتضم الأطفال في حضنها.

قد تبدو نصوص آية لدى البعض تحافظ على توازنها وذات أهداف ورسائل اجتماعية ورمزية و… و…، لكني قد اختلف وأجد أن الشاعرة قد تسعى للتخلص والهروب من الشعرية وأي أثقال تأتي من صنعة الشعر، تتمسك بالسرد وتجدف في متاهاته لتُحدث بعض الارتباكات وهي هنا لا تجلس خلف نافذتها العالية لتحكي شوقها إلى فارس أحلامها الشجاع، هي وربما تحكي عن الآلاف من الفتيات اللاتي ينتظرن الحبيب وقد يكون هذا الحبيب أكلته تلك الحروب المستعرة أو أمتطى قواب الموت أو خلف زنزانة موحشة أو…، حيث تتعدد أساليب الموت أو لنقل الضياع، فهنا انتظارات متعددة وهنا شوق ولهفة وأسئلة عن هذا الواقع والذي يفوق في تفاصيله اللا معقول والفنتازيا، أنا مع أن يرتبك النص ويفقد كل أثقال الصنعة الشعرية ومع أن تتمادى آية في خلق رؤيتها الخاصة وبعدساتها الخاصة وأن تشوه أو تهدم أجزاء أو كل معمارية الرمز والدلالة.

لنأخذ نص محاولات، وكأننا مع أعترافات جريئة وهي في هذا النص لا تدعي المثالية والفوقية وتقف مع نفسها أمام مرآة فاضحة لا تعرف الكذب:

كتبتُ أشياء كثيرة

مشاعري في مسوّدة الهاتف

وقصائدعلى ظهر حوض الاستحمام

كلماتٍ من سبابي الحقيقي

على وجوهِ من أكره

وكثيرًا من الحديث المحبوس

في مخيلتي

كتبت كثيرًا

بطريقة سريعة وبأخطاء إملائية

وبوهمٍ شاعريّ

وبنرجسية مبدع

وبثقة أقل

وبوجع أكبر

كتبت !

أنني غير قادرة على الحديث

وأنني تعيسة ضاحكة

وأنني قوية

وضعيفة

وأفكر في الانتحار

وأنتحر في طريقي إلى

مشنقة الصمت كل يوم

كتبت كثيرًا

على الورق

وعلى بريدي الإلكتروني

وفِي جرائد محليّة

ومواقع لا يقرأها أحد

كتبت دون فائدة

وبلا جدوي

وكلها كانت محاولات

لتفادي الجنون!

ربما في هذا النص، تصوير يمسنا جميعًا ككتاب، لحظة مراجعة لهموم مبدعة، تسأل نفسها لماذا أكتب؟ كلها محاولات لتفادي جنون الواقع، ثمة الشعور بالعزلة والوحدة في بعض اللحظات، تظهر الأناء ونقد الذات، ففي مجتمعات مثل مجتمعاتنا نضطر أن نُخفي مشاعرنا في مسودة الهاتف وما يعج به الواقع من تراجيديا يجعلها كمبدعة تكتب وتكتب، تكتب للحفر في الداخل والذات وهي من الأمور باللغة التعقيد، كأنها هنا تمارس الكتابة الأتوماتيكية لا تأبه أن تفضح ما قد يلتصق بها من مشاعر، هذه النرجسية المتضخمة الزائفة تهددنا جميعًا وقد نقع ضحايا للتفاهة.

تحاول آية الوشيش أن تتجنب التعقيدات والمبالغات وترسم كطفلة، كفتاة وعاشقة وقد تكون بعض نصوصها لقطات من هنا وهناك، تتعمد بعثرتها وقد تخضع لوحدة موضوعية، وتتأمل مجتمعها الذي يعج بالتناقضات وتعترف أنها تأثرت بهذا الواقع المرتبك وأنها متناقضة ومرتبكة كما في نصها متناقضة، اذ تقول:

متناقضة

في بلدٍ متناقض

حدثتني وهي

تعول إثمها وتتأرجح

على حبال الضمير

قالت:

أرقصُ أمام المرايا

وأحشر جسدي في

ملابس

ضيقةٍ في الخفاء

أصنع الحب على سمّاعة الهاتف

وأخشى أن تراني الجارة

لكن كلّ بنات

الحي يفعلن ذلك…

وأنا ألعن ”الحجالة“

وأرتدي ملابس التقوى

وأعير للخطوط الحمراء

اهتماما ومبدأ

أعيش قصص

”الغيّة“

لكني في النهاية

أفضِّل ”تحجري“

ابن عمي

ممتنّة لدستور الحياة

عصفورٌ

في اليد لا عشرة على

الشجرة !

متناقضة في بلد

متناقض

تنام السيجارة

بين شفتيها في ردهة

دورة المياة

وتساوم الشرفَ

فوق منصة الخطابة

تعير للمساء

اهتمامبودفوار

وتكتفي بأن تغدو

كل صباح

ملائكيةً كفيروز

لأنها

متناقضة في بلد متناقض

السارق رجل أعمال

والشريف تحت جناح

الحاجة

والذكيّ

يرتعد من الوحدة

والغبيّ

يشبهها

متناقضة في بلد متناقض !

في ليبيا أو اليمن والكثير من البلدان التي تعيش جحيم الحروب والصراعات، يصبح كل شيء متناقضا، وثمة قوانين وطقوس وعادات جديدة. تتغير الأوضاع بسرعة وهذه التغيرات تؤثر على الرجال والنساء. يتسع الخوف من الحياة ويضطر الناس لارتداء الأقنعة الزائفة التي قد تفقدهم هويتهم الحقيقية. تلقي لعنات الحرب بظلالها على القلوب وتدمر الأرواح. لا يوجد حرية وغالبًا نُحاسب على مظهرنا وطريقة ارتداء الملابس، مما يؤدي إلى انحراف أرواحنا. يخشى الشاعر على روحه ويستنجد بالأماني، يتمنى أن يأتي حلم جديد ليبدد هذه الفوضى. تتذبذب الشاعرة بين الأحلام، تتمسك بالأحلام الصغيرة والبسيطة ولكنها غير ممكنة ولا تنفذ حاليًا. تهذي وتتلهف لرؤية غدٍ أجمل وتتمنى أن يصبح الحياة مشروعًا قابلاً للتحقيق.

مقالات ذات علاقة

ميلاد وخبزه ينتصران للذكورية في ليبيا

رأفت بالخير

الواقعية في (بلادُ الكوميكون)

يونس شعبان الفنادي

تهاني دربي توقد شمعتها ”شعر يعربد بك“

المشرف العام

اترك تعليق