الطيوب : متابعة وتصوير / مهنّد سليمان
انطلاقا من الإعلان عن موسمها الثقافي والعلمي نظّمت مؤسسة حلقة للتنمية الثقافية بطرابلس مساء يوم الثلاثاء 11 من الشهر الجاري بدار حسن الفقيه حسن للفنون بالمدينة القديمة محاضرة بعنوان (رجال الإفتاء في ليبيا) ألقاها الباحث “خالد بن سعيدان”، وقدمها وأدارها “علي يونس” حيث أشار في مستهل تقديمه إلى التعريف بالمؤسسة وأهدافها ومراميها لافتا أن أنشطة شهر يوليو الجاري ستركز على مسائل الهُوية التي تتصل بالجوانب الثقافية لهُوية الليبيين وتاريخهم الفاعل في مسار الأحداث التاريخية، وذلك في ضوء محاضرتين وندوة ومعرض فني من جانبه تناول الباحث المُحاضر عدة محاور نقاشية موضحا بالقول : إنني أرى عناوين الكتب التي كانت المفاتي بطرابلس وفي غريان وبني وليد ومسلاتة ومصراتة نجد أمهات الكتب في علم العقيدة في علم الكلام وعلم الأصول، وفي علم الحديث بجميع أنواعه، وأردف قائلا : ما يجعلنا نستغرب ممن يقولون أن بلادنا لا يتوفر فيها أحد من أهل العلم يتقن هذه الصنعة برغم وقوفنا إزاء حقيقة مؤادها أننا أمام العجز مع الكم فكان لدينا نخبة صغيرة من العلماء لا يتجاوزن الثلاثة ربما بخلاف المدارس الفقهية الأخرى في تونس أو مصر وسواها، وعلل الباحث بن سعيدان هذا الأمر قائلا : إن عنصر المدرسة هو ما كان ينقصنا لكن لا يصح القول بكوننا لا نملك علماء في الحديث والأصول، وقد استقينا هذه الملاحظة من مكتبات المُفتين ومن فتاويهم.
أشياء فُقدت وحُرقت
فيما أكد الباحث بن سعيدان أن مجموعة من الأدلة أثبتت وجود الكثير من المؤلفات والمخطوطات والفتاوى والتواريخ والتراجم لهؤلاء العلماء مازالت مركونة في المكتبات الخاصة في البيوت وأصحاب هذه البيوت يتحفظون عن الافراج عنها والمساعدة في نشرها، وتابع قائلا : كانت هنالك بعض الأشياء الملموسة قبل عام 2011م بيد أنها لاحقا فُقدت وحُرقت ولم نلقى لها أثر، ودعا الباحث سعيدان أبناء وأحفاد العلماء إلى نشر جهود آبائهم وأجدادهم العلمية والتنبه لأهميتها، وأضاف بأن مكتبات المفتين بها ما يسترعي الغرابة والانتباه ليصل بنا إلى آخر ثلاث مفتين، نحن هنا نتساءل أين مكتبات آخر ثلاث مفتين ؟ فمكتبة من المكتبات الشهيرة هُدمت وأزيحت بداعي توسعة الطريق والأخرى تبرع بها أحد أحفاد المفتي لجهة ما وعُثرعليها تُباع على إحدى البسطات في الشارع، والثالثة نُقلت خارج البلاد، وبالتالي على البُحّاث الاهتمام بهذا الموضوع، وأوضح الباحث بن سعيدان قائلا : نحن بصدد تناول موضوع كبير ومتشعب وحسّاس لكن ما يهمنا هو الحديث عن المفتين بشكل رسمي، والتطرق لسير المفتين اللذين أسندت إليهم الدولة بمهام الإفتاء فالمفتين تطوعا وحسبة موجودين إنما تركيزنا سيكون على ما كلفته الدولة رسميا يستقبل الأسئلة من الوالي أو الحاكم أو القاضي الشرعي.
توارث العائلات لمهنة الإفتاء
مشيرا إلى أنه يوجود نوعان من المفتين مفتين رسميين ومفتين في المجلس الشرعي تابع للدولة استمر من أوائل العهد العثماني الأول وعهد حكم الأسرة القرمانلية، وصولا للعهد العثماني الثاني، وكان يترأس المجلس آنذاك والي البلاد وأعضائه مفتين من السادة المالكية والسادة الحنفية، وأشهر من تولى عضوية المجلس المفتي الشيخ “عمر السوداني”، والشيخ محمد موسى بن حجر” والشيخ التوغار والخازني، والشيخ “إبراهيم باكير” الجد وغيرهم ولازالت أسماؤهم موثقة في سجلات المحكمة الشرعية بمركز المخطوطات، في المقابل تطرق الباحث إلى مسألة العائلات والأسر اللذين ورثوا مهنة الإفتاء كعائلة المُكني ومنهم الشيخ “عبد الله المُكني” خلفه ابنه ثم حفيده ليمتد توريث المهنة من الجد والأبناء والأحفاد، كذلك توارثت عائلة ابن مقيل مهنة الإفتاء فكان منهم الشيخ “محمد ابن مقيل” الجد وله الكثير من الفتاوى في تذييل المعيار، وجُمعت هذه الفتاوى بين دفتيّ كتاب جمعها واستخلصها الدكتور “جمعة زريقي”، وعائلة باكير وهي عائلة مفاتيها حنفية ومنهم الشيخ “محمد باكير”، وعائلة بادي من مصراتة ومنهم الشيخ “عثمان بادي” وعائلة الفطيسي، وعائلة بن بركة، كما بيّن الباحث سعيدان أن هُوية الإفتاء في ليبيا تقتضي سرد من هم المفتين، والمدة الزمنية الواضحة في ثبوت هذه الوظيفة هي في العهد العثماني.