تندرج الرسائل ضمن ما يعرف بالأدب الشخصي، وهو الأدب القائم على البوح والحديث عن النفس دون حواجز، وعادة ما ينتهك كثيرا من قواعد السلوك الاجتماعي والمستقرات القيمية، وقواعد الكتابة كذلك وتجنيساتها المهووسة بالرتابة والدقة، والسير حسب ما هو مقرر سلفا، ولذلك فإن الأدب الشخصي عموما بكل أنواعه يسعى لرسم صورة صادمة للكاتب أو على الأقل يحاول أن يلفت النظر إليه لطرافة ما يقول أو لغرابة قد تبدو بطريقة الكتابة أو موضوعها أو كلها معاً. من هنا يكتسب هذا النوع من الكتابة أهميته؛ لأنه يحمل بذور التمرد، ويكشف عن الوجه المخفي للكاتب، وكثيرا ما أثار هذا النوع من الأدب إشكاليات سياسية أو دينية أو اجتماعية أو ثقافية.
والرسائل بين الأشخاص تستولدها الحاجة، بحيث لا تكون إلا إياها طريقة وملاذا للطرفين المتكاتبين، المرسل والمستقبل، وهي حاجة غير مرتبطة بظروف معينة، أو مقتصرة على وقت دون آخر، فما زال الناس يحتاجون إلى كتابة الرسائل الطويلة للتعبير عن أفكارهم بحرية وبشكل متواصل، ولن تكون التكنولوجيا عائقا حقيقيا لاستمرار كتابة الرسائل؛ فالناس لا يكونون متاحين طوال الوقت أمام أجهزتهم للرد بشكل سريع على ما يأتيهم من رسائل قصيرة، إضافة إلى أن الحوار البيني على رسائل “التشات” لا تأخذ صفة الرسالة إلا من باب المجاز، فالطرفان يتحاوران عبر نافذة إلكترونية بالكتابة، هذا- في ما أرى- هو التوصيف الحقيقي لذلك، أما الرسائل بمفهومها العام بعد تجريدها من الارتباط بالوسائل القديمة: القلم والورقة والإرسال عبر البريد العادي، تظل محافظة على أهدافها ومبرر وجودها كفنّ مكتوب مرتبط بتلك الحاجة النفسية التي لم تلغِها التكنولوجيا ووسائلها المتطورة؛ لذلك فإن الأدباء لم ينقطعوا عن كتابتها في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي بهذه الكثافة، ولن ينقطعوا كما قد يتوهم بعض الكتّاب، بل ربما كانت هذه الوسائل أكثر تشجيعا لما توفره من رغبة في الحديث بحرية، والتأكد من وصول تلك الرسائل، وعدم ضياعها، لأن هذا العالم “لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها”، وعليه، فإن الكثير من الأدباء وظفوها للتعبير عن أفكارهم، ولم يضعوا في اعتبارهم تكنولوجية اللحظة من عدمها. وأغلب الظن أن من يكتبها وفي ذهنه أن يثبت قدرته على كتابتها رغما عن أنف التكنولوجيا يقع في محظور التصنع، واستغباء القراء، وخديعة النقاد.
ضمن هذه الظروف الموضوعية والوسائل التكنولوجية، ولدت “رسائل” الكاتب جميل السلحوت وصباح بشير المجموعة في كتاب بعنوان “رسائل من القدس وإليها” التي تحمل العديد من الأسئلة والإشكاليات الفنية التي تحيل الدارس إلى هذا النوع من الأدب؛ وأعني بذلك “الأدب الشخصي”، على مستوى تقنيات كتابة الرسالة، كونها فرعا من هذا الأدب. ومعرفية في ما يتصل بهذه الرسائل من أفكار أو معارف، أو ما ترسمه لكلا الكاتبين من صورة ضمنية، وما الذي يتوقعه القارئ من هذه الرسالة بناء على ما استقر من كلاسيكيات كتابة الرسائل بين الأدباء، لاسيما عندما تجمع الرسائل بين كاتب وكاتبة.
يذكّر هذا الكتاب وما فيه من مادة بجملة من كتب الرسائل المتبادلة بين كبار الكتاب كجبران خليل جبران ومي زيادة، وفدوى طوقان وأنور المعداوي، وعالميا رسائل فرانز كافكا إلى ميلينا ورسائل حنة آرندت ومارتين هيدغر، والقائمة تطول في هذا الجانب الكلاسيكي، وإلى حد قريب- زمنيا- تذكر برسائل محمود شقير وحزامة حبايب، وما تبادله إلكترونيا الكاتب نازك ضمرة- رحمه الله- مع الكاتبة المقدسية نزهة الرملاوي عام 2018 من رسائل، ونشرت الكاتبة الرملاوي هذه الرسائل في صفحتها الشخصية الفيسبوكية بتاريخ: 15 يوليو 2018.
هذا الفيض الكتابي الكلاسيكي هو ما صنع تقنيات كتابة الرسائل المتبادلة بين الكتّاب عندما يختلفون جنسا؛ كاتبة وكاتب، عدا الرسائل الجامعة بين كاتبين؛ كسميح القاسم ومحمود درويش، أو كاتبتين كرسائل فدوى طوقان إلى ثريا حداد، وفي كل ذلك ثمة شرعية للاختلاف بين هذه الرسائل؛ تبعاً لاختلاف طرفي العلاقة من حيث الجنس أولا، ومن حيث طبيعة العلاقة، أكانت صداقة أم مجرد معرفة أم علاقة غرامية متطورة عن علاقة الصداقة أم أنها رسائل غرام بين كاتب عاشق وكاتبة معشوقة، وقد تكون عاشقة أيضا كرسائل حنة آرندت وهيدغر على سبيل المثال.
هذه العلاقات هي التي تؤسس لإيجاد المناخ المناسب والطبيعي لولادة هذه الرسائل كلها، وقد يكون التطفل هو الداعي لها كما هو الحال في رسائل ماريو فارغاس يوسا إلى روائي شاب، هذه الرسائل التي يردّ فيها يوسا على “أديب” متطفل باحث عن إجابات أدبية لما يقلقه من أسئلة وهو في بداية طريقه الأدبي، وكما حصل أيضا مع الشاعر النمساوي راينر ماريا ريلكه والشاعر الألماني هرمان هيسة في “رسالة إلى شاعر شاب”، حيث يردّ كلاهما على شاعرين شابّين أرادا الاستيضاح حول قضايا الشعر والأدب.
على أية حال، كل ظروف نشأة الرسائل لا بد لها من مبرر منطقي لإشعال فتيل كتابتها بين طرفيها اللذين سيصبح كلاهما مرسلا ومرسلا إليه، إما أن يكون هذا المبرر وجدانيا أو موضوعيا، هذا الظرف الطبيعي غير موجود في رسائل السلحوت وصباح، إذ افتقرت هذه الرسائل إلى مبرر كتابتها العفوي المنطلق من حاجة حقيقية، وما كتبه الشيخ جميل في رسالته الأولى لا يعد سببا كافيا لاقتحام عالم امرأة هو لا يعرف عنها شيئا حتى لم يكن يرى وجهها بشكل كامل الذي غطته القبعة كما قال، فما الداعي للمبادرة لكتابة رسالة لامرأة لا يعرفها، ولا يعرف اسمها الكامل، ولا من أين هي، ولا إن كانت تكتب أم لا، بل إن ما يسوقه السلحوت من سبب لهو محض تطفّل، واقتحام لعالم امرأة استطاع عن طريقة معارفه وعلاقاته أن يحصل على بريدها الإلكتروني ليكتب لها رسالة ويبادر إلى ذلك.
تبع هذا الاقتحام تردد صباح بشير، في الرد، وتهيبها من هذا التورط في كتابة رد على شخص تقرأ له، ولكن لا داعيَ- كما يفهم من بين السطور- لمراسلته، لكن على ما يبدو أعجبتها الفكرةُ/ اللعبةُ ودخلت في هذه المغامرة التي أنتجت هذه الكتابات.
هذه الكتابات التي تبدو على شكل “رسائل” أيضا بعيدة عن العفوية المطلقة التي تحركها الرغبة النفسية في الكتابة لشخص ترتاح له وتريد أن تفضفض له، إذ إن الرسائل بين الأدباء لها هذا الطابع، الحديث البيني العفوي، والحديث بحرية مطلقة، بعيدا عن التوجسات السياسية كما قال كلاهما. بدت هذه كتابات مصنوعة على شكل رسائل أخضعت لقالب الرسالة ولو أعيد تحرير تلك الكتابات للتخلص من بداياتها المقحمة، ونهاياتها الجاهزة المملة لخرجت تلك الكتابات مقالاتٍ صحفية أو ذاتية لا أكثر ولا أقل، فهذه الكتابات لم تنتجها ذهنية خاضعة في اللاوعي لكتابة رسالة، إنما صنعت وتشكلت في مرحلة ما بعد كتابتها على شكل رسالة، لقد بدت هذه العفوية واضحة تماما على سبيل المثال في رسائل الرملاوي وضمرة حتى في طبيعة اللغة، إذ لم يجد ضمرة غضاضة من استخدام العامية في ثنايا الرسائل، ما أضفى عليها الصدق والعفوية المطلقة.
هذا الأمر جعل رسائل السلحوت وصباح فيها نوع من تضليل القارئ، فهو لم يجد فيها شيئا خاصا وخصوصيا لم يجده إلا في هذه الرسائل، بل على العكس من ذلك، أعاد السلحوت ما كان أنتجه من أفكار في مقالاته وكتبه ورواياته ولم يضف جديدا لقرائه ومتابعيه، فما هذه الكتابات إلا إعادة تدوير معرفي خالٍ من الهدف؛ إلا لتكاثر الكتابات وتراكم عددها؛ ما دام هناك ناشر مستعد ليطبع للكاتب أغلب كتبه كما يلاحظ القارئ في أن أغلبها صادرة عن مكتبة كل شيء في حيفا، إذاً فهي فرصة سانحة لإنتاج كتاب مشترك على شكل رسائل متأثريْن بغيرهما.
ولست أرى المسالة بعيدة عما طرحته ندوة اليوم السابع من مسابقة حول كتابة الرسائل، عام 2017، ونشرت إعلاناً بهذا الخصوص على الصفحة الخاصة بالندوة على الفيسبوك. صحيح أن الرسائل قد بدأت عام 2010 لكنها انتهت بتاريخ: 31/12/2021. إنه لأمر محيّر ويدعو للسؤال، لماذا توقف عند هذا الحد من السنة لتكون آخر رسالة في اليوم الأخير من سنة 2021، هذا يعني في الغالب أن هذه الكتابات خاضعة لعملية ترتيب كتابي مسبق، لتكون نهاية العام نهايتها، وكأن المشروع الكتابي المشترك يجب أن ينتهي عند هذا التاريخ. فليست الحاجة النفسية هي المتحكمة بالكتابة، وإنما قصدية الكتابة كما وضحتها سابقاً. يذكرني هذا التاريخ على نحو شخصي بقصة بعنوان “الفقيد” للكاتب اليمني عبد الله سالم باوزير الذي جعل آخر أيام السنة 31/12/….. نهاية القصة، ولتبدأ الشخصية الرئيسية في القصة مرحلة جديدة من حياته.
ما يشجعني على التركيز على أمر عدم عفوية هذه الكتابات أيضا، غياب اندماج هذه الكتابات بلحم الواقع الحيّ، كما هو معهود الكُتّاب الذين يناقشون أمور الساعة المستجدة، فغابت أحداث كثيرة حدثت في سنوات الكتابة المشتركة عن هذه الرسائل شغلت أفكار الناس العاديين والرأي العام كمقتل إسراء غريّب (2019) مثلا، وقد تحدث السلحوت كثيرا عن النساء والدفاع عنهن وعن قضاياهن والحديث عن القتل على خلفية “شرف العائلة”، وكان الحديث أفكاراً عامة؛ لم تتصل بلحم الواقع، ولم يظهر كلا الكاتبين وجهة نظرهما تجاه هذه القضايا، كما غاب أيضا الحديث عن “المقاومة الشقراء” عهد التميمي (2017)، وما أحدثته من ضجة إعلامية في حينه وأحداث الشيخ جراح، وصعود الأخوين الكرد؛ محمد ومنى إعلاميا، وهما من القدس، مواطنين للكاتبيْن (جميل وصباح)، وغابت معركة بوابات المسجد الأقصى (2017-2018)، ومقتل نزار بنات (2021) وأحداث بيتا وجبل صبيح (2020-2021)، وكذلك أهملا مسألة الضمان الاجتماعي وما جرّته من مشاكل على أرض الواقع في الفترة ذاتها، وإضرابات المعلمين وحراكهم الذي كان مزلزلا، والعمليات البطولية، والأحداث السياسية الكبرى، وحوادث القتل المربكة في مدن الداخل المحتل، كل هذه القضايا يتوقع من كاتب كجميل السلحوت أن يتحدث عنها، لاسيما أنه ينادي بضرورة أن يكون المثقف تغييريا، والسكوت عن الخوض فيها يتنافى والصورة التي يرغب في أن يكون عليها السلحوت، ويدعو إليها في هذه الكتاب.
لقد جاءت كل الأحاديث في هذا الجانب نوعا من التنظير الإنشائي الخالي من ارتباطه بالواقع، حتى جائحة كورونا لم يتم التطرق إليها والعالم يعيش في عز الأزمة، وإنما جاءت عرضا والعالم بدأ يسافر ويتحلل من الإجراءات الوقائية، بل إن من يدقق في مواقع الحديث عن كورونا في هذا الكتاب، في الجزء الأخير منه، لا يعوزه أن يكتشف بسهولة كيف تم إقحام الحديث عن كورونا.
ومن جانب آخر تؤكد طبيعة اللغة المستخدمة وإنشائيتها العالية من الطرفين أنهما يكتبان مقالات، لا يكتبان رسائل، فالتأنق في الكتابة هو المسيطر على كل نصوص الكتاب، وفي العادة تكون لغة الرسائل أكثر حميمية وشخصية ومتحللة من نظاميتها الصارمة، لأن كلا الطرفين يكتب بحرية مطلقة بعيدا عن التفكير بالنشر، أشار إلى هذه النقطة بذكاء شديد الناقد المصري رجاء النقاش عندما قدّم لرسائل أنور المعداوي لفدوى طوقان، مبينا لو أن المعداوي كان يعلم أن هذه الرسائل ستنشر لم يكن ليتحدث بصراحة عن بعض ما تحدث به، وخاصة فيما قدمه من انتقادات على الكتّاب آنذاك. كما تحدث بعض الدارسين أيضا عمّا يكتنف رسائل الأدباء في العادة من أخطاء نحوية وإملائية وتركيبية وبعض العبارات باللغة العامية، ليست الرسائل العربية وحيدة في هذه السمات، بل كذلك رسائل الأدباء في العالم، عدا أن تلك الرسائل لهذين السببين فإنها تثير الكثير من المشاكل والإرباكات وتكشف عن كثير من المستور، لذلك فهي تعد وثائق بالغة القيمة في الكشف عن عوالم الكتّاب المخفية، وعوامل مساعدة في فهم أدبهم، والتعرف على مواقفهم حيال القضايا الكبرى، تلك المواقف التي قد لا تظهر بجلاء كبير في الأدب الإبداعي، كما تظهر في الأدب الشخصي، وخاصة الرسائل.
أما في حالة هذا الكتاب فقد افتقر إلى هذه الحيوية وهذه الأهمية المقصودة من الدارسين الباحثين عنها بشغف. إذ يبدو أن الكتاب كتب على هذه الشاكلة لينشر وليطبع، لذلك استطاع الكاتبان أن يتخلصا من تلك المحاذير، فنزعا روح الكتاب وجرّداه من أهميته المبتغاة والمفترضة لدى النقاد والدارسين، كما كانا حريصين على هذا النوع من اللغة الأدبية.
قد يقول قائل إن الكتاب قد خضع للمراجعة قبل النشر، وهذا- إن حصل- لم يكن قادرا على إعادة قولبة اللغة ضمن هذا النظام اللغوي الصارم الأدبي ليظهر بهذه الصورة، لو كانت نصوصه مكتوبة في أصل نشأتها بذهنية الرسائل المتبادلة بين شخصين بينهما ثقة بدرجة معينة، تؤهلهما ليتحدثا معا ويتبادلا الرسائل فترة طويلة، امتدت أحد عشر عاماً.
يبدو من الكتاب أيضا أن الصورة الضمنية لكل من جميل السلحوت، وصباح بشير غير متكافئة، فبدا السلحوت معلما كبيرا، وأديبا ذا إنجازات مهمة، وحاز على الجوائز والتكريم مرات متعددة، كاتب صنعته المعاناة، وغزير الإنتاج، يتحدث بوثوقية مطلقة، ويمارس دور الإرشاد والتوجيه والرعاية على صباح بشير، وكثيرا ما قدم لها نصائح، كأنه يشعر في اللاوعي لديه أنه مسؤول عنها، كونها “بلدياته” حسب التعبير الشعبي الفلسطيني، ليبدو رجلا عربيا شهما يتمتع بأخلاق الشهامة العربية، كما بدا رجلا كاتبا ذا خبرة عريضة وثقافة ممتدة وتجربة حياتية واسعة، تؤهله للحكم على كل مسائل الحياة، فيلقي أحكامه التقييمية النهائية تجاه كثير من القضايا، بمقابل صورة صباح التي ظهرت امرأة محدودة الوعي، تتلمس طريق الكتابة، إذ ما زالت في بدايته، ضائعة، مبهورة بكل شيء يصادفها في أسفارها أو قراءاتها؛ على عكس السلحوت الذي يقف ويحلل ويصدر أحكاماً، ويلفت نظر صباح إلى عدم الانبهار بكل شيء، وعليها أن تمحص وتدقق في الحقائق، لاسيما عندما تحدثا عن المملكة المتحدة، وتاريخها، وعلاقتها بالفلسطينيين.
كما بدت صباح أيضا كاتبة تبحث عن الوقت لتستطيع الكتابة، سنوات تمر عليها ولا تستطيع إنجاز روايتها الأولى، في حين أن السلحوت يصدر العديد من الروايات والكتب، فينجح السلحوت في تحويل صباح إلى مجرد قارئة لأعماله ومبهورة بعمق فكره وثقافته وتبدي اتفاقها مع آرائه، ولم تعارضه في شيء منها، كأنها بدت دون شخصية مميزة، إذ بقيتْ ظلا تابعاً، والسلحوت في بؤرة الضوء ومحرك للحدث، فتكتب المراجعات الانطباعية عن أعماله لتنشرها في صحف ومواقع إلكترونية، وهذا أقصى ما فعلته من إنجازات أدبية.
وانعكست هذه الصورة في كتابات من كتب عن الكتاب، وقد قرأت معظمه، فاستولى جميل السلحوت على تلك المقالات، وظلت شريكته في الكتاب قابعة في “الذيل والتكملة”، ولم تكن نداً له، لأنها أصلا لم تكن مساوية له في الكتاب، فكانت صورة غائمة في الكتاب وفيما كتب عنه أيضاً.
ومن يقرأ هذا الكتاب بعمق يرى رواسب العقلية الذكورية التي ينتقدها السلحوت معششة في ذهنه، وهذا ليس أمرا بالإمكان التخلص منه بسهولة، وهو ما جعل كل أفكار الكاتب الواردة في الكتاب ما هي إلا تنظير إنشائي لم تستطع التأثير في تغييره من الأعماق ليصبح شخصا آخر، يتوافق في فكره وكتابته مع عمق اللاوعي الذي يوجهه دون أن يعي ذلك وعيا تاماً.
وفي المجمل لقد ابتعد الكتاب عما يجب أن يقترب منه؛ وخاصة عمق الرسائل الإخوانية، وحرارة الكتابة الشخصية، لأنه كما بدا لي، لم تكن “الرسائل” إلا حيلة أدبية لاشتراك الكاتب جميل السلحوت مع صباح بشير لإنتاج كتاب مشترك، دون أن يكون واضحاً الهدف الحقيقي لإنتاج مثل هذا الكتاب، فهل كان مجرد التأثر بمحمود شقير الذي سبقه بتجربة مماثلة مع حزامة حبايب هو الدافع ليقلده في هذا العمل، لاسيما أن محمود شقير حاضر وبكثافة شديدة في كل مفاصل هذا الكتاب؟ يظل الباب مفتوحا للإجابة عن هذا السؤال من باحثين آخرين ونقاد موضوعيين في حال ابتعدوا عن لغة المديح المبالغ فيه للكتاب، وما يقدّمه للأدب الفلسطيني في سياقه الثقافي العامّ.