شعر

التاريخ…

طوافة ميدوسا، 1818-1819، للرسام الفرنسي تيودور جيريكولت (اختيار الشاعر: أحمد بشير العيلة)

كي أفهم معماري المحمول على سطح الريح
والمنحوت بأيدٍ ماهرةٍ في كتلةِ صخرٍ أزرق
كيف يحلّق.. كيف يزقزق.. كيف يصفق
أسقيه لكي يخفق
معماري هذا
طيرٌ فرش جناحين عظيمين
حمل حضارات الإغريق على كتفيه
والأمصار بمنقاره
وبنى عشاً في جوف السحب الأولى
لأساطيرٍ تعلو كبخارٍ بعد هلاك الآلهة الأضعف من دمعة قديس
إني منحوتٌ من إزميل لا يعرفني
منصوبٌ منذ قرونٍ فوق عمودٍ يشبه أبتي المنسيّ
تعرفني كل المدن المكسورة فتناديني أنْ أُكْتُبْ لي شعراً كي أتنفس
أكتبُ شعراً كي أتنفس
إني تاريخُ الأتراح جميعاً
أكسرُ قارورة خزفٍ مطليٍّ بدموع الماضين
أوقظُ في الدمع الغارق جنيّاً متسخاً
لم يعرفني بعد
تاريخي تاريخُ البلدان المهزومة والمقهورة والمكسورة
تاريخي لا ينفذ منه الضوء الآتي من روحي
أكتبُ نفسي فوق جدارٍ
أُعلن أني موجودٌ في هذا الشارع أو ذاك
أنقش نبضي فوق الصخر وأبحث عن من يفهمني
تاريخي صخرٌ منسيٌّ في قاع البحر
تاريخي قهر
تاريخي وجعٌ مبنيٌ في حضن فتاة كادت تعشقني
تاريخي تاريخ البلدان المنهارة فوق هزائمها
متسخٌ جداً تاريخ البلدان
كم نهراً أستنزفُ في كلّ كتابٍ أقرأُهُ كي أغسل ذئباً مذلولاً في وحلِ الواقع
إني أبحثُ عن أجملِ حدثٍ في التاريخ
ناديتُ الأحداثَ كتاباً خلف كتابٍ خلف كتاب
ورفعتُ الأجداث على تلٍّ كان يناديني باسمي منذ اخترع القلبُ حروف العلة
إني أبنِي لغتي من زهرٍ ينبتُ فوق رخام يعرفُ كيف يراود ماءً
كي يغسل هذا التاريخ
أو كيف يُسائل نهرَ دماءٍ جمدَ كزمنٍ خسر معادلة الاستمرار إلى اللاشيء
ما أصعبَ أن تغسلَ مجزرةً في ذاكرتي
أو تُلقي كلّ ركام المدن المهزومة في روحي
إني أبحثُ عن أجملَ حدثٍ في التاريخ
وأدرتُ الأرضَ المفروشة بالشوكِ بكفي
زرتُ العالمَ كلَّ مساءٍ في مقبرة الكتب الصفراء
كلُّ رجال التاريخ ينامون طويلاً، وأنا أحترق من اللوعة وحدي
أسهر وحدي قرب مدافنهم
أسألهم فرداً فرداً عن معنى اسمي
أو اسم بلادي
أو حتى يذكر لي أحدٌ أسماءَ معاركه
ولماذا مات قتيلاً
لا أحدٌ يعرف..
كي أفهم فلسفة وجودي
أنبش قبري
أُخرِجُ تاريخي
أضربه حتى الموت
وأنا أضحكُ أضحكُ أضحك
في لحظة صمت..
1 يوليو 2021

مقالات ذات علاقة

سلالة الماء

رحاب شنيب

من مَلامحِ الطالِع

فريال الدالي

الجدات

سراج الدين الورفلي

اترك تعليق