طيوب النص

صَّمْتُ اَلْغَّمَامْ

من أعمال التشكيلي عمر جهان
من أعمال التشكيلي عمر جهان

فطِنْتُ لَهَا تَخْتَلِسُ اَلنَّظَرَ إِلَى اَلْكُتُبِ اَلَّتِي اِحْمِلْهَا فِي يَدِي. اِبْتَسَمَتُ لَهَا. بَادَلَتْنِي اَلِابْتِسَامَةُ. أَعْرِفُ هَذَا اَلشُّعُورِ جَيِّدًا. أَن تَكُون وَحِيدًا تَغْزُوكَ اَلْوَحْدَةُ مِنْ مَفْرِقِ شَعْرُكَ حَتَّى أَخْمَصِ وِجْدَانِكَ. أَن تَتَحَيَّنُ فُرْصَةً لِحَدِيثٍ عَابِرٍ مَعَ غَرِيبٍ يُزِيلُ وَحْشَتَكَ وَيَسْتَمِعُ اَلِيكْ….

أَدْرَكَتُ هَذَا فِي عَيْنَيْهَا. سَادَ صَّمْتُ اَلْغَمَامَ قَبْلَ اَلْمَطَرِ وَنَحْنُ نَنْتَظِرُ دَوْرُنَا فِي اِتِّجَاهِ اَلْبَائِعَةِ. تَنَحْنَحَتْ وَقَالَتْ : أَتَحَبِينْ أَدَبُ أُورْهَانْ بَامُوقْ*؟ شَرَّدَتُ قَلِيلاً ثُمَّ فَهِمَتُ قَصَدَهَا. قَلَبَِتُ (ثَلْجٌ)* بَيْنَ يَدِي وَتَأَمَّلَتْ اَلْغِلَافَ اَلْأَزْرَقَ وَتَذَكَّرْتُ كَمْ نَوَيْتُ قِرَاءَتُهَا مُذْ جَمَعَتْنِي وَأُورْهَانْ قَبِيلَةُ اَلزَّمَالَةِ فِي اَلْكِتَابَةِ – بِفَارِقِ سَنَوَاتِ اَلْحُضُورِ – فِي بَرْنَامَجِ اَلْكُتَّابِ اَلْعَالَمِيُّونَ بِجَامِعَةِ أَيْوَا اَلْأَمْرِيكِيَّةِ*. أَجَبْتُهَا: أَحَبَّ إِبْدَاعُهُ.

وَقَدْ قَرَأَتْ مُعْظَمَ أعْمَالهِ تقريباً. رَغِبَتُ اِقْتِنَاءَ هَذِهِ اَلنُّسْخَةِ اَلْمُسْتَعْمَلَةِ لِأَنَّنى لاحَظّتُ بِهَا هَوَامِش وَشُرُوحَات وَآثَارُ لقَارِئٍ شَغُوفٍ اِقْتَنَاهَا ذَاتَ يَوْمٍ. أُحَبَّ تَتَبُّعُ أَفْكَارِ غَيْرِي وَتَفَاعُلُهُمْ مَعَ اَلْكُتُبِ اَلَّتِي تُلَامِسُ وِجْدَانَهُمْ هذا الأمرُ يَجْعَلُنِي أَتَعَامَلُ مَعَ ثَلَاثِ مُسْتَوَيَاتٍ لِلْقِرَاءَةِ. وَأَتَعَامَلُ مَعَ مُخَيِّلَتِي وَهِيَ تَنْتَقِلُ مِنْ مُسْتَوًى لِآخَر. لَعَلَّ رَدِّي مَسَّ وَتَرِ مَا لَدَيْهَا. لَعَلَّهَا قَارِئَةُ شَغُوفٍ مِنْ عُضْوَاتِ نَوَادِي اَلْقِرَاءَةِ اَلْمُنْتَشِرَةِ بِالْمَدِينَةِ. أَوْ بِالْأَحْرَى – بِالنَّظَرِ إِلَى مُسْتَوَى اَلرِّوَايَةِ – لَعَلَّنِي صَادَفَتُ كَاتِبَةَ مَا أَوْ نَاقِدَةٍ أَوْ أُسْتَاذَةِ أَدَبِ مِنْ جَامِعَةٍ فِرْزَنُو اَلْقَرِيبَةَ. لَا يَسْتَطِيعُ اَلْمَرْءُ اَلتَّعَرُّفُ عَلَيْهِمْ أَوْ تَمْيِيزِهِمْ. إِلَّا إِذَا كَانَ يَعْرِفُهُمْ شَخْصِيًّا أَوْ رَأْيِ صُوَرِهِمْ. جُميعَهُم مُتَوَاضِعون فِي لِبَاسِهِم وَفِي مَعَاشِهِم. وَلَا يُعْلِنُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ. عَادَتْ وَسَأَلَتْنِي وَكَأَنَّهَا اُلْتُقِطَتْ فِي أُذُنٍ صَاغِيَةٍ: و(أُسَمِّي اِحْمَرَّ؟)* اِلْتَفَتَ إِلَيْهَا بِسُرْعَةِ وَقَلَّتْ لَهَا وَكُلِّي إِقْبَالٌ: أُصَنِّفُهَا أَعْظَمَ مَا كَتَبَ. قَرَأَتْهَا مُنْذُ زَمَنٍ بَعِيدٍ فِي بِلَادٍ بَعِيدَةٍ. وَلَازَالَ صَدَاهَا وَظَلَامُهَا يُرْبِكَانِنِي.

مَدَّتْ يَدُهَا اَلْمَعَرُورْقَة ذَاتِ اَلْبُقَعِ اَلْكَبِدِيَّةِ وَفَرَكَتْ سَبَّابَتُهَا وَشَاهِدُهَا مَعًا بِرَهَافَةٍ لِتُعَزِّزَ كَلَامَهَا وَنَظَرَتْ إِلَى بِعَيْنِي مِنْ يَسْتَرْجِعُ ذِكْرَى حَفرَتْ نَقْشًا ذَهَبِيًّا فِي قَلْبِهَا: كَانَ يَحْكِي عَنْ رَسْمِ اَلْمُنَمْنَمَاتِ أَلَيْسَ كَذَلِكَ ! وَكَانَ يَكْتَنِفُ بَطَلَ اَلرِّوَايَةِ غُمُوضَ وَهَالَة مِنْ اَلصُّوفِيَّةِ اَلْغَرِيبَةِ. تخونني الذاكرة ولكن هذه الصورة راسخٌة في ذهني هَزَزْتُ رَأْسِي موافقةٌ وَهَمَمْتُ أَنَّ أُضِيفَ اَلْمَزِيدُ إِلَى مَاقَالَتَهْ.

فَجْأَةُ رَفَعَتْ اَلْبَائِعَةَ عَقِيرَتُهَا بِصَوْتٍ حَادٍّ مُتَبَرِّمٍ: اَلتَّالِي ! لَمْلَمَتُ نَفْسِي وَاعْتَذَرَتْ مِنْ مُحْدِثَتي اَلثَّمَانِينِيَّة الضئيلةُ البدنِ بيضاءُ اَلشّعْرِ. دَفَعَتُ لِلبَائِعَةِ ثَمَنَ مُشْتَرَيَاتِي وَاسْتَدَرَّتُ اِبْحَثْ عَنْ مُحْدِثَتي  فلَمْ أَجِدْهَا وَرَائِي. خمنَتُ إنها لم تكن في الصف خلفي الا بسبب ان رأت ثلجٌ في يدي. وأنا أَرَدْتُ فقط أَنَّ أَزْيَدَ وَانْ أَدُلُّهَا عَلَى أَسْمَاءِ كُتَابِ مشرقيين لَهُمْ أَهَمِّيَّةٌ أَدَبِيَّةٌ طَالَمَا هِيَ مُهْتَمَّةٌ هكذا. بَحَثَتُ عَنْهَا بَيْنَ أَرْفُفِ اَلْكُتُبِ وَلَمْ أَجِدْهَا. مضيتُ نحو المخرج و بي اسفٌ وَانَا اِغْلِقْ نُقَالِيَ عَنْ صَفْحَةِ مُفَكِّرَتِي حَيْثُ أُدَوِّنُ أَسْمَاءُ كِتَابِيٍّ اَلْمُفَضَّلِينَ مِمَّنْ أَرَى أَهَمِّيَّتُهُمْ فِي عَالَمِ اَلرِّوَايَةِ اَلْأَحْدَثِ. عَقّمْتُ يَدَايَ وَ دفعتُ ضِلفَّةُ اَلْبَابِ وَأَنَا أحُكَمُ قِنَاعِي عَلَى أَنْفِيَ فَوَجَدْتَهَا تَفْتَحه من الخارجِ عَائِدَةً مِنْ عَرَبَتِهَا نَحْوِي وَهِيَ تَهْتِفُ بِي: أخبريني هَلْ أَنْتِ مِنْ تُرْكِيَا ؟ أَجَبْتُهَا: لَا ! بل مِنْ لِيبْيَا. شَمَالَ أَفْرِيقْيَا إِلَى جِوَارِ مِصْرَ. اِعْتَدَتْ قَوْلَ هَذَا لِلْأَمْرِيكِيِّينَ إِذْ كَثِيرًا مَا ظَنُّوا أَنَّنِي أَقُولُ: بولِيڤيَا. رَدَّتْ وَهِيَ تَهُزُّ رَأْسَهَا هَزَّ اَلْعَارِفْ : سَعِدْتُ بِالْحَدِيثِ مَعَكِ. أَجَبْتُهَا وَأَنَا أَيْضًا وَأَوَدّ أَنْ أُشِيرَ عَلَيْكَ بِرِوَايَةٍ رَائِعَةٍ مِنْ اَلضَّرُورِيِّ اَلِاطِّلَاعِ عَلَيْهَا طَالَمَا يُعْجِبُكَ هَذَا اَلنَّوْعَ مِنْ اَلْأَدَبِ. قَالَتْ لِي -وَهِيَ تَلْتَقِطُ اِقتّراحي : سَأَبْحَثُ عَنْهَا. أَشْكُرُكُ كَثِيرًا.

مَرَّتْ لَحْظَةَ صَمْتٍ بَيْنَنَا. كَانَتْ تَتَمَاوَجُ فِيهَا عَوَالِمُ مُخْتَلِفَةٌ وَزَمَنٌ غَرِيبٌ وَبَعْضُ اَلْقَلَقِ، كَأَنَّمَا اِلْتَقَيْنَا عَلَى حَافَّةِ اَلْعَالَمِ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَ كُرَوِيَّتُهُ. كَأَنَّنَا كُنَّا نَقِفُ عَلَى حَافَّةِ بَحْرِ اَلظُّلُمَاتِ. وَنَخْشَى اَلسُّقُوطَ. لَا أَدْرِي مَا هُوَ حِمْلُهَا وَلَكِنَّنِي أَدْرَكَ جَيِّدًا حِمْلِي وَكَاهِلِي اَلْمُتَقَوِّسَ تَحْتَهُ. اِكْتَفَيْنَا بِمَا تَبَادَلْنَاهُ فِي لَحْظَةِ اَلتَّمَاسِّ اَلْجَمِيلَةِ هَذِهِ فِي عُمْرَيْنَا. مَضَتْ هِيَ إِلَى عَرَبَتِهَا وَمَضَيْتُ إِلَى عَرَبَتَيْ. لَوَّحَتْ لِي مُودَعَةً وَرَدَّدَتْ بِالْمَثَلِ. وَاِنْطَلقّنا إِلَى سُبُلِنَا وفيما بْقَيتْ اِبْتِسَامَاتُنَا وَلَحْظَةِ اَلتَّمَاسِّ مُعَلَّقَةً فِي اَلْجِوَارِ نَرَاهَا فِي مَرَايَا عَرَبَتَيْنَا، هُنَاكَ بِمُنْعَطَفٍ مِنْ شَارِعِ كَرَزِ* اَلْمُتَفَرِّعِ مِنْ شَاوْ*، قُرْبَ أَجْمَلِ شَجَرَةِ صَنَوْبَرْ وَحِيدَةً فِي اَلْمِنْطَقَةِ مِنْ صَنَوْبَرْ مُونْتِيرِي* اَلْبَحْرِيِّ.


(كلوڤيس في 2021/6/9)

* Snow
* My Name Is Red
* Orhan Pamuk من روايات
* Iowa International Writing Program
* Cherry Avenue
* Shaw Avenue
* Monterey Pine

مقالات ذات علاقة

رندا

المشرف العام

الموسيقارُ… المطرب (2/4)

يونس شعبان الفنادي

من داخل المقهى وخارجهِ : رسائل

المشرف العام

اترك تعليق