أسماء مصطفى
فتحت سلمى النافذة بسرعة بعد ان سمعت صوت رصاص متلاحق وجلبة كبيرة في الخارج.. وجدت سيارات كثيرة تملأ الشارع وعدد كبير من الناس مجتمعون يهتفون بحماس والأطفال ايضا متهللة أساريرهم ويكبرون أسوة بكبارهم.. لم تعرف ما الذي يجري؟ ولكن كان واضحا ان فرحا عارما يعم الناس المكتظين في الشارع وكل المارة ايضا.. دخل أخوها في تلك اللحظة ونظرت اليه مستفسرة عما يحدث وبدون ان تسأله قال لها بفرح:
– انتصارات كبيرة لمقاتلينا… وتقدم كبير لهم على الارض.
تذكرت سلمى ذلك اليوم الذي تغير فيه مسار حياتها.. وكيف اضطرت ان تلغي كل مواعيدها.. الغت موعدها مع قاعة الأفراح التي كان من المقرر ان تقيم فيها ليلة عرسها المرتقبة.. وألغت اتفاقها مع المزين.. ومع محال الحلويات والإكسسورات وووو.. يوم ان بلغها احمد بقراره الفاجع والحاسم والذي لم يثنيه عنه كل توسلاتها ودموعها ورجائها له بالبقاء.. فكيف يذهب للحرب ولم يتبقى على ليلة زفافهما سوى اسبوعين؟؟ أحمد حبيبها وخطيبها الذي عوضها عن فقد امها الغالية ووعدها بالكثير.. تخلى عنها من اجل هذه الحرب اللعينة.. وتركها تحس باليتم والعجز وكم هائل من الحزن لم تفلح كل رسائله ومحاولاته المتكررة لطمأنتها على ازالته او حتى تخفيفه في أفضل الاحوال…
بعد نصف ساعة من سماعها اصوات ذلك الفرح المدوي بلغها خبر ان احمد جاءوا به الى مستشفى المدينة جريحا…
بعد دقائق قليلة كانت سلمى تحث الخطى في ذلك الممر المظلم الكئيب للوصول الى حجرة العناية المركزة لترى احمد وتطمئن عليه.. نظرت الى نزلاء تلك الغرفة.. لم تعرف ايهم أحمد؟ لم تتعرف عليه الا بوجود اخته الكبرى بجانب سريره تبكي وتدعو له بتمتمة غير مفهومة.. نظرت اليه مذعورة.. كان واضحا انه مصاب في رأسه وعينه ورجله اليسرى لم تكن موجودة…
أحست سلمى ببرد شديد لم تشعر بمثله الا يوم فقد امها.. ارتجفت بشدة من رأسها الى قدميها.. شعرت بغصة في حلقها.. تعثر لسانها.. تحجرت كلماتها.. لم تنطق الا بكلمات بسيطة واست بها اخته همسا.. شعرت انها لم ترى احمد المتدفق بالحياة والحماس والطموح.. بل رأت مجموعة من لفائف لملموا بها اشلائه ورتقوا بها روحه…
لم تستطع البقاء اكثر من ذلك في تلك الحجرة التي تفوح منها رااائحة الموت.. وصوت الاجهزة وان كان منخفضا الا انه مزعجا ومخيفا وكأنه يحذر وينذر بقرب النهاية…
اثناء خروجها من ذلك المكان رأت موكب سيارات وإطلاق رصاص كثيف.. وسمعت احدهم يقول انه موكب جثامين شهداء معركة اليوم.. رأت مجموعة من الشباب يتعانقون ويبكون بحرقة.. رأت امهات يبكين بألم وحسرة والبعض يحاول اقناعهن ان الشهيد يجب توديعه بالزغاريد لا البكاء.. رأت الوجه الآخر للحرب.. الوجه الآخر لذلك الفرح الذي رأته منذ ساعات من نافذة بيتهم…
خرجت تمشي بخطى متثاقلة ودموعها المنهمرة بغزارة تحجب طريقها.. عند دخولها كانت كلها لهفة وشوق لرؤية احمد الحبيب.. وها هي تعود وكأنها تجر ارتالا من الخيبة والحزن بعد ان رأت ما تبقى منه…