شعوب الجبوري
نتواصل ثانية بالإجابة عن السؤال الماضي: ماذا لو وضع هذا السياق فرض إسقاط لدى المتلقي، فهم جوهر الوحدات الدلالية محض افتراضات لفظية تأويلية؟
ومن هذا المسار أيضا تحدث البعض عن معطى تخيلي مستحدث، متعلق بنظرة استحواذ المتلقي على إسقاطات لديه تولد احتمالية تأويلية، تتعايش معه على شكل أسئلة عن المنظومات المعرفية الدلالية للمعنى؛ يتعلق الأمر في هذه الحالة بمطلب لمنهج يجليه المتلقي، ويتدبره تلقي دلالات الابداع. بمعنى: إن المرتكز الابداعي ليس في التفاصيل أو المحتوى، كما حملتها البنيوية ذلك، فهذا يجعل منه كيان جامدا، إنه في فعل التخلف ذاته، لذلك كان الابداع دائما متعدد الاهداف والاغراض والسبل. إنه معطى إلى الفاعل المحتمل، أمر تخصيب بعض من صفاته، أي محاولة العمل بدمج بين أنمودجين لا يستويان أحدهما دون حضورالآخر.
إن المنظومة المعرفية الدلالية في المناهج، متفاعلة، إدراك الفاعل بمهام تلقيه، لا في تحيين ذاكرة الابداع المرجئ. ومع ذلك، فإن السياق الذي اصطفاه لا يقصي لما لا يوحي عن خلاصة المنظومات المعرفية من نتائج، ولا يعطلها، بل إنه يلهيها ويشاغلها فقط، وبذلك فهي قابلة للانبعاث من جديد مع كل تنشيط لمكوناته، ومراقبة مصادر تفاصيل ما لبث قبليتها. وهذا ما يجعل أن الأبداع يتمتع بمعان، لا يستكين في سياقات حافظة، ويعني ذلك إن الأبداع يدل على ما يحتاج الفاعل أن يعني إليه، إنه يحدد الاتمام لا يلتفت متبعثرا في المبثوث خارجه، فبضا، حتى يكون دالا، منبها وعي من يتلقيه ويصدمه بأستقباله. إن الابداعات تيقظ إمكانات تجاه الفاعل، تطلعت، تفتح آفاقا واسعة، لكن ضمن اطر تخصصية محددة بعينها. ذلك تؤكده المنظومة المعرفية الدلالية في الفاصل بين؛ وحدة منهج الأبتكار و وحدة منهج المنهج:
ـ وحدة منهج الابتكار، مجهول مفصول ذاته عن معني، تشغلها تموضع التأمل في الوصفيات، أما
ـ وحدة منهج الابداع، معلوم متصل ذاته عن معنى، تبحث فتدل وتبلغ، أنها تصميم عملية خطوات تترحل في التصنيف لسيناريوهات تنتقل من خلالها إلى استراتيجية تمكنها التحقق، إنها فوائض القيم في ريادة معانيها.
بعبارة أخرى: إن خزين المنظومة المعرفية الشاملة لوحدة منهج الابتكار مودعة في ذاتها، أما معطيات انفعالاتها الوصفية فمعينها وحدة منهج الابداع وحدها للتحقق، أي لا وجود لابتكارات، هناك مهارات فقط في الاستخدام، وما يعتقد بأن هناك مزايا متفردة من وظيفتها، هذا خلاف ملفوظات فيها، عنه مأخذ، بآسر الإشارات من العام نحو الخاص والعكس، في تشابه الصور، لا في انفعالات الصفات. وهذا معناه أن اصول المنظومة المعرفية الشاملة ليس مجرد تعدد المعارف التي يتعاطى بها الناس فعلا، أو تلك الآسرة مكنوناتها في المخزون لحالها فقط، بل المنظومات المنهجية الابداعية الساعية داخلها. وهذا معناه أن مراحل عملية التوليد الدلالي ليس متتالية “تلقائية” بدون تأثير خارجي مكتسب، تنجز متخفية من وراء كل تصنيفات النماذج ومقياس المعايير وتقييم الاستخدامات المسبقة. بل إنه مقييد بأحكام جلية ومسبرات أغوار وطبائع وصياغات استعمالات محددة، هي تقييم العناصر التداوية التي تفصل الفيض المتجلي الظاهر في البناء حقا، عن المعطى التنظيمي الدلالي الاصلي للمعني.
لذلك كانت المنظومة المعرفية شاملة للمجال وللمراحل وموضع انتقال الهدف المشييد من صياغة المقدمات ولطبيعة العلاقات بين الوحدات التنظيمية، وغيرها من عناصر المقامات عن بيئتها الخارجية، التي تؤثر كليا أو جزئيا في بناء المحتوى. وهذا معناه؛ أن الابداع حين يؤلخقه المعنى يسري في مراحل حاصلها نتاج لمنظومات معرفية دلالية قبلية في التصميم مقيمة، قبل الحقل المتخيل للتدلال المطلق. وهذا التدلال مهما بالغ بتأمله ووصف لجمعه من تفاصيل ابداعية، إلا إذا جعل من المعنى ضمن محدد ابداعي أو محددات ابداعية. وعليه، بما أنه لا يوجد ابداع بدون معمارية للتصميم، إذا فلا يوجد أبداع إلا ويؤخلقه المعنى.
لكن كيف إذا اقامت مصفوفة استراتيجية للمتخيل التأويلي بالفصل بين المفهومين التناظري والافتراضي التأويلي، مرسلة من المتلقي فعلا؟ سنلاحق بالجواب لاحقا.