من أعمال التشكيلي معتوق أبوراوي
قصة

قبر يتوسد المدينة

د. سعد الأريل

من أعمال التشكيلي معتوق أبوراوي
من أعمال التشكيلي معتوق أبوراوي

كانت مدينة ( بنغازى ) كغيرها من المدن الليبية تنام و تصحى على حكايات الخرافات و الأساطير و الغيبات .. وكانت تعج بكثير من الأضرحة المرابطية و كانت الكثير من الجماعات لا تنفك عن زيارة هذه الأضرحة لقضاء حاجات تراودهم فى حياتهم .. و كان فى كل حى تقام أضرحة لما يسمى أولياء الله الصالحين .. سيدى (سالم ) و سيدى ( حسين ) و سيدى ( اخريبيش ) و سيدى ( الشريف ) و هكذا .. كل أضرحتهم تتوسد وسط المدينة ..

و كان من بين هذه الأضرحة ضريح سيدى ( الشريف ) الذى كان قريبا من منزلنا الكائن فى المدينة .. كان قبر ذلك المرابط ينام فى مقبرة صغيرة للموتى و سط المدينة  كان الضريح قبلة لكل الزوار و كان محطة جاذبة لكثير من الناس و قد أقيمت سوقا حوله و ايضا تراصى الكثير مما يطلبون حاجة من مساعدة من الفقراء .. و كان القائم على شئون الضريح رجلا يتلقى الهبات من الزائرين .. فقد كانت تنثر على سطح القبر الكثير من النقود كنذر للمرابط ..

و كانت تقدم القرابين اليه وفاءا بالنذر . وكانت من بين تلك الأساطير أن هذا الشيخ الميت يقوم من قبره و يفى بالوعد المطلوب .. و كان الناس يتوافدون على الشيخ عندما يواجهون مصاعب فى حياتهم يصعب عليهم حلها .. فهو الملجأ الممكن و القادر على حل مشاكل الناس .. كانوا يلجأون اليه حتى فى القضايا التى تنشب بينهم أنهم يفضلون اللجؤ اليه بدلا من اللجؤ للقاضى فى أى نزاع ناشب بينهم ..

فى احد الأيام اصطحبت مع والدتى التى كانت تزاور جدتى التى اصابتها لوثة نفسية على قبر ذلك المرابط لعله يقدم لها الشفاء  الممكن .. كنت صغيرا و كنت اراقب ما يحدث حول ذلك القبر فكان الزوار و هم معظمهم من النسوة يطلبن من الشيخ تلبية طلباتهم التى تتنوع من أنزال العقاب على أعدائهن .. أو تلبية مايدور فى خلدهن للحصول على رجل .. أو الأنتقام مما وقف فى طريقهن .. أو أمانهين ..

كانت أيقونات الحب ترسل ترانيمها فى افواه الناس من بين هذه الترانيم العشقية : ( ياسيدى .. انكنك جارى تعمى لى عيون الحسادى )  .. كانت جدتى قد استعصى علاجها و لم تجد والدتى بدا الا للذهاب الى هذا الشيخ الذى كان ملجا للعلاجات كما يعتقد أنذاك الكثير من سكان الحى .. فهو القادر على شفائها .. و ذكر لنا القائم على الضريح يجب أن تنام جدتى بجوار القبر طول الليل حتى الصباح لينهض الميت من قبره و يهبها الشفاء .. لم انم تلك الليلة لأن الوضع لا يساعد على النوم و كنت مرعوبا بحكاية قيامة الميت كما تذكر الحكايات المسيحية فى قيامة السيد المسيح ..

كنت متوسدا أحد القبور و انا أراقب القمر و هو يسكب ضؤه  على قبور الموتى فى حزن شديد وكأنه يقول لى : أبتعد عن هذا المشهد  .. و غلبنى النعاس و نمت حتى الصباح و هرولت مسرعا لوالدتى متسائلا حول قيامة الميت فأجابتنى بالنفى .. فجدتى ظلت كما كانت على حالتها و لم تحظ بالزيارة حتى تنال الشفاء .. لقد ذكرت لوالدتى أن هذه خرافة لاجدوى منها وقفلنا راجعين الى بيتنا و لم تعاود والدتى الزيارة مرة ثانية .. فى أحد الأيام أزيلت تلك المقبرة و ايضا ذلك المرابط المزعوم و ليجدوا رفات ذلك المرابط لا وجود لجثة .. كان قبرا زائفا.

____________________

نشر بموقع بوابة أفريقيا الإخبارية.

مقالات ذات علاقة

عروس البحر

عوض الشاعري

حكايةٌ من الطوفان

المشرف العام

الحرباء..

أحمد يوسف عقيلة

اترك تعليق