الشاعر نصرالدين القاضي، شاعر الفرح.
المقالة

شاعر الفرح (نصرالدين القاضي)

الشاعر نصرالدين القاضي، شاعر الفرح.
الشاعر نصرالدين القاضي، شاعر الفرح.

حدائق محبة تختزنها نفسه لمباهج الحياة، وتتشبت أحلامه بعزفها الشجي طوال سنوات العمر. غابة ياسمين تستوطن قلبه فيستظل فيها الأصدقاء والعشاق والأحبة وحتى العابرين، وهم يترنمون بقصيدة يمتزج فيها الحنين للفرح والوجع معاً في رحلة عبقة بأصناف المغامرات اللذيذة. سطع قمره في حي “العمروص” البسيط، فتقاسم صنوف العيش المريرة مع “محمد” و”كريم” والمرحوم “عبدالرزاق” و”رضوان”، وتدثر قلبه بأمومة وحنو المرحومة الحاجة “بحرية” التي كانت أما لكل أبناء الجيران القاطنين في ربوع تلك الأزقة الضيقة المسكونة بفيض مشاعر الطيبة والحنان، وحكايات أصحاب الدكاكين البسيطة من أمثال “عمي علي بن حمزة” و”محمد وسالم الميجاني” و”محفوظ جحيدر” و”حبيل” و”الفيزقا” و”امحمد البركي” و”عمر الدرباك” و”بشير علوان” و”عبدالباسط الزغبي” و”ذويب” و”علي وعبدالله وعبدالقادر قدوره” و”علي التواتي” و”عمار الخبولي” و”طلحة وعلي محية” و”بزيك” وغيرهم.

وعلى موسيقى التحيات والابتسامات المتبادلة طوال سيرة الصباح والمساء في الحي استيقظت براعم قلبه في وسط مكلل بزهو وبهجة القلوب، رغم تعاسة الجيوب وخلوها مما يعتبره بعض الناس ضرورياً للحضور في الواجهة الاجتماعية. عشق الكلمة واستهوته تكوينات الحروف والعبارات فأختارت له الحياة صديقين ودودين حلق معهما في سرب المعرفة وهوس النغم والأدب، فكان “محمود البوسيفي” دليلاً لمعزوفة الليل والنهار و”بشير زعبية” دليلاً لمعزوفة النهار والليل. تشاركوا في كل شي حتى صار كل واحد منهم عنواناً للآخر، وتدربوا على مشاكسة القبح وعزف طبول الحب والمرح الذي لقنهم أبجديته وفنونه صديق الجميع “ابن الشمباشي مصطفى بلعيد” في مربوعته الثقافية حين كان يحلم بغد طيب جميل لم يأت بعد.

ورغم أن شاعر الفرح قد توارى حالياً واختار أن يكون سطراً في سفر الابتعاد والغياب، فلقد ظل عند الأحبة الخلص ديواناً في عوالم الحضور البهية الطاهرة، التي لم تدنسها أموال أو تلوثها وعود باهتة مطلية بعذب الكلام. ظل سنديانة لا تنحنى لتيارات هوجاء أو عواصف الشعارات الرنانة، وغاصت ينابيعه في كؤوس الآسى على هذا الزمن الرديء الذي تتقاذفه لعنات عديدة ركلت الورود وأمنيات الطفولة اللذيذة بأحذية العارضات ودعايات العولمة.

وحين حلق في فضاءات التجلي، أهدانا باقات نصوص رقيقة لا يكتبها إلا شاعر مزدحم بالغبطة والفرح والإنتشاء، شاعر يهدهد القلوب ويراقصها بكل شفافية ليهديها حبه وخفقة فؤاده، أو كما يصفه الأستاذ أحمد الفيتوري بقوله (…. ينشد خفقان القلب، ولا يشده شيء عدا أن يقول نفسه، نفس الطفل الذي يخربش بياض الورق ببياض الصبح، كم هو عظيم أن تشرق الشمس كل صباح. لذا فشاعرية القاضي لا تقول شيئاً ولا تخبيء شيئاً ولا تبحث عن إطراء ولا تموه جسدها بالآلآم …)

إليك سلال الفاكهة التي تحب، ومذاقات جرار العسل التي تشتهي، فلعل الفرح يتواصل بك ومعك ذات صباح تتهاطل فيه ابتسامتك المشرقة، ونقرأ شيئاً من فيضك نظل نحبه معاً حتى آخر مدايات العمر. نصر الدين القاضي الإنسان الشاعر الذي لم تنضب بحاره، تنتظرك لغة العشاق في عرس الفرح البهيج الذي نسجته واكتسبت اسمه وصفته … شاعر الفرح … فمتى تشرع نوافذك لتصدح بمعزوفة أشعارك وترانيم قلبك من جديد؟

________________________________

نشر في زاويتي الأسبوعية (مصافحة) بجريدة “أويا” بالعدد رقم 550 الصادر بتاريخ 03 مارس 2009 على الصفحة رقم 24.

مقالات ذات علاقة

أين ليبيا التي عرفت؟ (39)

المشرف العام

19 و19 وبينهما 69: حركة قرن

سالم الكبتي

مسارب أخرى في البحث عن الذات

المشرف العام

اترك تعليق