سرد

رسالة إلى الله

 

 

بداية أعرف تمام المعرفة أنني لن أجد ساعي بريد ليوصل لك هذه الرسالة .. فكل السُعاة الذين أرسلتهم ماتوا .. وآخرهم ترك لنا رسالة أن لا ساعٍ بعده.

لكن هؤلاء السعاة أخبرونا أنك تسمع وتبصر كل شيء .. لذلك أحببت أن أسمعك ما كتبت.

أريد أن أخبرك بحقيقة ربما توقعني في تناقض أمام كل من يسمع أو يقرأ هذه الرسالة .. وهذه الحقيقة هي أنني أحبك.

دعك من كل هذا .. دعك من القارئ ومن ساعي البريد .. ودعك من المحبة التي غالباً ما تكون في خصومة مع العقل .. لكن ثمة أسئلة تراودني وتقض مضجعي لن أدعك منها .. وهذه الأسئلة هي :

من أنت ؟؟

وهل حقاً أنت موجود؟؟

وما دورك في هذه الحياة؟؟

أم أن الحقيقة هي أن الذين سبقونا كذبوا علينا فاتبعناهم بغير هدىً وقلدناهم بغير بصيرة.

هل أنت حقاً من طلب منا إعمال العقل .. ونبذ الإتباع والتقليد .. فأمرت عبادك بالتفكر والتدبر والتعقل والنظر .. وعبت عليهم إتباع آبائهم والسير على نهجهم بغير علم.؟؟

وإذا كنت أمرتنا بالتفكر والتدبر والتعقل والنظر ؛ وكانت نتيجة تفكيرنا خلاف السائد والمشهور والمألوف .. وخلاف ما وجدنا عليه آباءنا الأولين .. فهل حقاً نُقذف في جهنم كما يزعمون..؟؟

إذن .. فكيف بحقك تأمرنا بالمقدمات .. وتُعاقبنا على نتائجها؟؟!!

هل أنت حقاً من أمرتنا بنبذ الشرك والأوثان وعبادة البشر والشجر والحجر .. ثم تأمرنا بعبادة مالك وأبي حنيفة والشافعي وابن حنبل وجعفر وابن حزم وابن تيمية وابن القيم وابن العربي والأشعري والزمخشري والشوكاني والبيضاوي وابن كثير ومحمد بن عبد الوهاب وحسن البنا وابن جماعة وغيرهم كثير..؟؟

فهل حقاً أردتنا عبيداً لهؤلاء؟؟!!

وإلا فكيف تطلب منا أن نعبدك وحدك وهم يُشرعون لنا .. ونحن نعلم أن أعظم أنواع الشرك هو شرك التشريع.؟؟!!

هل حقاً أنت من أمرت بإحراق عجوز أمية من صعيد مصر في نار جهنم وهي لا تعرف القراءة ولا الكتابة لمجرد أنها تعتقد أن المسيح هو ابن الله؟؟

بينما تُدخل الجنة كل الحكام العرب الذين أفسدوا في الأرض وأهلكوا الحرث والنسل ونهبوا أموال شعوبهم وخانوا الأمانة .. لمجرد أنهم قالوا (لا إله إلا الله).؟؟!!

هل أنت حقاً من أباح استرقاق البشر وسماهم ملك يمين .. وقال على لسان أحد رسله : (ما من عبد أبق من سيده إلا لم يقبل الله له صلاة حتى يرجع إلى مواليه)..؟؟

فكيف تُحرم علينا أخذ درهم من أي إنسان بغير وجه حق .. ثم تبيح لنا أخذ هذا الإنسان برمته؟؟!!

يا الله إني أحبك ..

وسأتمسك بهذا الحب لآخر لحظة في حياتي .. لكني أصدقك القول إنني لست مقتنعاً بك .. نعم لست مقتنعاً بك إذا كنت فعلا كما يقولون عنك..!!

أأنت أمرتنا أن نضرب النساء كما نضرب البُهُم ؟؟

أأنت أمرتنا بأن نحبسهن مدى الحياة كما يُحبس من اقترف جرماً عظيماً؟؟

أأنت جعلت وجوههن عورة يُستقبح كشفها .. وهن أجمل خلق الله إنسانا؟؟

يا الله كم أحبك ..

لكنك حيرتنا .. كيف نتعامل مع الآخر هل هم الضالون والمغضوب عليهم وينبغي مقاتلتهم حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون؟؟

أم هم الأقرب مودة فندعوهم إلى كلمةٍ سواء بيننا وبينهم وبالتي هي أحسن؟؟

وهل نعتبر قول رسولك : (لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام ، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه ) .. أم قوله (من آذى ذمياً فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله(..؟؟

يا الله كم أحبك ..

فهل حقاً أمرتنا بأن نستسلم للقضاء والقدر .. ونذعن لثورة الطبيعة كلما ثارت على أنها غضب منك .. في الوقت الذي استطاع غيرنا أن يغير مجرى العواصف وأن يوقف الزلازل وأن يُخمد البراكين.؟؟

وهل حقاً أمرتنا بترك العمل للدنيا .. والأخذ بأسباب الحياة .. حتى فوجئنا بغيرنا وهم يطئون سطح القمر بأقدامهم .. ويقذفوننا بأحدث أنواع الصواريخ.؟؟

وهل حقاً أنت من حرم الفلسفة والمنطق على رأي شيوخ المسلمين : ( من تمنطق فقد تزندق ) .؟؟

وهل حقاً أنت من حرم الرواية والقصة والشعر وجميع أنواع الأدب على اعتبار أنها خيال .. والخيال كذب .. والكذب حرام.؟؟

يا الله كم أحبك ..

فليت شعري هل نحن أحب إليك أم هم .. ؟؟

هل العدل أحب إليك أم الظلم..؟؟

وهل سيادة القانون أحب إليك .. أم الفوضى والفساد الإداري ونهب أموال الدولة وخلط الأمور الاجتماعية بالإدارية ..؟؟

هل احترام الإنسان أحب إليك .. أم أنك مثلنا تعتبر الإنسان كائناً حقيراً يمكن أن يقتل لسبب تافه .. وأن يُسجن لأتفه الأسباب.

يا الله كم أحبك ..

لكنني لا أحب سكوتك..

ألا ترى أننا يقتل بعضنا بعضاً من أجلك .. ويكفر بعضنا بعضاً من أجلك .. ويلعن بعضنا بعضاً من أجلك..؟؟

ألا ترى أن كل منا يدَّعي أنه ينتسب إليك ويتكلم نيابة عنك ؟؟

ألا ترى أن الطغاة يحكمون بإسمك .. وأن الفقهاء يكذبون بإسمك .. وأن الفقراء يموتون بسببك ..؟؟

فلماذا لا تُحرك ساكناً ؟؟

لماذا لا تتكلم وتُنهي المأساة .؟؟

يا الله كم أحبك ..

وكم أكره أن أخسرك  .. أخبرني بحق قدسيتك هل تريدني أن أكون مع الشيعة أم مع السنة أم مع المعتزلة أم مع الخوارج أم مع الأشاعرة أم مع الماتريدية أم الحشوية أم الصفوية أم الجعفرية أم الزيدية أم الاسماعيلية أم العلوية أم الدروز أم القاديانية .

وهل تريدني أن أكون مع السلفية أم مع التبليغ أم مع التحرير أم مع الإخوان المسلمين أم مع الجهاد أم مع التكفير والهجرة .. أم مع .. أم مع .. أم مع .. أم تريدني أن أكون إمعة..؟؟!!

يا الله كم أحبك ..

فهل حقاً أنك تنزل إلى السماء الدنيا وتصعد في كل ليلية .. وأنك تضحك وتهرول كآلهة الإغريق كما يدعي أهل السنة والجماعة .. أم أنها صفات لا تليق بجلالك وعظمتك وقدسيتك.؟؟

وهل حقاً أمرتنا بأن نتيقن بغير اليقين في مسائل كعذاب القبر والمسيح الدجال ونزول عيسى بن مريم والمهدي المنتظر رغم أنها وردت بطرق الآحاد والآحاد غلبة ظن .. فكيف يتوافق هذا مع تعريف الإيمان بأنه الاعتقاد الجازم..؟؟

يا الله هل نعمل بالقياس على رأي أهل السنة والجماعة .. أم نسير على نهج الظاهرية والشيعة بأن من يقيس فهو إبليس..؟؟

يا الله هل حقاً أمرتنا بأن نأخذ شرعك من أحد عشر مصدراً كما يزعم أهل السنة .. أي من الكتاب .. والسنة .. والإجماع .. والقياس .. والمصالح المرسلة .. والاستصحاب .. والعرف .. وشرع من قبلنا .. ومذهب الصحابي .. وعمل أهل المدينة .. وسد الذرائع..؟؟

فالكتاب حمال ذو وجوه .. والسنة اختلط فيها الحابل بالنابل .. وشروط الصحيح منها شروط مقاربة وليست شروط معيارية .. وحتى المتواتر الذي هو أعلاها يعلوه الدوران .. واختلاف المحدثين في حد التواتر .. والإجماع لا يمكن التحقق منه على رأي ابن حنبل (من يدعي الإجماع فهو كاذب) .. والقياس أصل بُني على ظن وهذا مستحيل عقلاً .. والعرف مرجع للشرع وليس شرعاً كما يزعمون .. وشرع من قبلنا يتوقف على موافقة شرعنا .. وسد الذرائع عمل بالأحوط وليس شرعاً والاستصحاب والمصالح المرسلة انعدام للتشريع وليسا تشريعاً .

فانظر يا الله كيف صار دينك أديانا .. وكيف صرنا نشرع نيابة عنك .. وأنت الحاضر الغائب..؟؟

 يا الله كم أحبك ..

فهل تحبني أن أكون يهودياً أم نصرانياً أم مسلماً أم مجوسياً أم بوذياً .. أم أرمي كل ذلك وراء ظهري .. وإذا فعلت ذلك فأخبرني بحق قلبي الذي يخفق بإسمك أين أجدك؟؟

يا الله كم أحبك ..

رغم إنك تتجافى مع المنطق .. وتأباك كل العلوم ورغم عجز أكبر العلماء والفلاسفة عن إثبات وجودك إلا أنك لا زلت تسكن قلبي وتستولي عليه.

يا الله كم أحبك ..

وكم أحب الإيمان بك ..

فإلى متى هذا التيه ..؟؟ فهل ألعن الساعة التي تصفحت فيها كتاباً دينياً .. وهل ألعن الوقت الذي سمعت فيه أحداً يتحدث عنك .. ما كان أجدر بي لو بقيت على حالي أؤمن بك إيمان العجائز .. وأعبدك عبادة الرهبان .. لكني حكمت على نفسي بالفناء .. وأحرقت قلبي بنار المنطق والبرهان .. فما كان أحراني بزاوية صوفية لا أجد فيها سوى حبك والوجد بك.

يا الله كم أحبك ..

وكم أحب أن أحبك .. وكم أنت أهل لهذا الحب .. ؟؟

إذن فبحق قدسيتك .. دلني عليك.

12/01/2010

مقالات ذات علاقة

رواية الحـرز (40)

أبو إسحاق الغدامسي

رواية: اليوم العالمي للكباب – 2

حسن أبوقباعة المجبري

رواية ديجالون – الحلقة 10

المختار الجدال

اترك تعليق