يوسف العزابي
هو كتاب، لست انا صاحبه، ولاقدرة لى على كتابة مستند كهذا. صاحبه رحمة الله عليه تدرج من مدرس الى استاذ الى باحث والى عضو بالمركز الوطنى لجهاد الليبيين او شىء من هذا القبيل. الفه كبحث قصد به نيل درجة علمية فى التاريخ. وكما يقول من قدم للكتاب واظنه احد ابنائه بارك الله فيه،انه لم يوفق وفضل ان يضعه فى درج خزانته لان الاهواء والاغراض التى كانت تطالبه بالتغيير والحدف فى بعض ماكتب جعلته يصرف النظر عن النشر وعن الشهاده، وتوفى وتركه مخطوطا حتى توفرت لابنه وسيلة لطباعته وهاهو امامنا لمن يريد ان يتتقف فى تاريخ ليبيا وصفحاته المنسيه او المغيبة او التى تم التلاعب بها.
صاحب الكتاب هو المرحوم عمرو سعيد بغنى، ابن مدينة جادو، وابن الحي الذى انا منه فى تركين، منزل والده يقع على الجادة الرئيسية التى توصل الى بيتى والدى بجانب مسجد امى سليمان. بمعنى ان علي ان امر منه اكثر من مرة فى اليوم وخصوصا للذهاب الى بعض الدكاكين او المدرسة او منزل شقيقتى. كنت غالبا مااراه وهو امام “باب المربوعه” فى جرده وبكامل قيافته وبلغة مغربية، قيافة ذلك الزمان. وفى يده كتاب او مجله، نادرا ما لا يكون هكذا ممسكا بشيء يقرأه. كان يسلم علي فهو اكبر منى سنا ويتحدث معى، واذكر اننى فى فترة منا اصبحنا نتبادل بعض المجلات او الكتب وكنت مغرما بقصص شرلوك هولمز وارسين لوبين البوليسيه، كان يزودنى ببعض منها فهو دائما يستطيع بسبب علاقاته وخبرته الحصول عليها، وكنت عندما احصل على قصة لارسين لوبين مثلا اسرع بها الى البيت واستلقى على السرير لااتحرك، ولاالقى بالا الى نداء والدتى بان الغذاء جاهز الا بعد ان اخلص على القصه وهى فى العادة قليلة الصفحات وصغيرة الحجم ايضا.
كان يفهم فى قواعد اللغة العربية ايضا وهى ليست سهلة ولاميسره، واذكر مرة ان التقيته قريبا من جامع امى بيدت حيث جلسنا على سور قليل العلو تبع منزل آل بيالة الكرام، وجرنا الحديث الى المدرسة فاخبرته ان لدينا بعد ايام مسابقة بين الفصول يعدها ويشرف عليها مدير المدرسه المرحوم الشيخ على يحي معمر، وان فصلنا من ضمنها وان المسابقه ستكون بتوجيه سؤال من كل طالب لزميله فى قواعد اللغة العربيه وانا افكر ماذا سأسأل زميلى وكان السيد عبدالله النعام متعه الله بالصحه… قال لى اقترح عليك بيتا من الشعر وفيه جملة يصعب اعرابها لغير المتمرس وكان البيت الذى حفظته حتى الان هو كالآتى: كأنك بعرة فى ذيل كبش… معلقة وذاك الكبش يمشي. والمطلوب اعراب كلمة “معلقة”. وضحك ضحته المميزه وفرحت بالحل… وبالفعل نجحت الفكره لكن السيد النعام سألنى هو الاخر سؤالا فشلت فى الاجابة عليه، كانت واحدة بواحده.
وحتى لانبتعد كثيرا عن موضوع المقال اقول ان الكتاب يحتوى على خمسة فصول ومائتن وخمسة وستين عنوانا جانبيا، بالاضافة الى عدد لابأس به من الوثائق والرسائل المتبادله بين شخصيات وزعماء ذلك الزمان وكذلك بعض التسجيلات الصوتيه لكنه يخلو من الصور.
الكتاب كما اراد له صاحبه يؤرخ لفترة زمنية سيئة من تاريخ ليبيا او عمرها، كانت بعد الاحتلال الايطالى مباشرة واندلاع المقاومة وفرز عدد لابأس به من الزعماء السياسيين والقبليين فى شرق البلاد وغربها وجنوبها. هو يتحدث بتفصيلات غاية فى الدقة للتحركات التى كانت تجرى للرد على العدوان الايطالى ثم فى التعامل معه كأمر واقع، وكيف انقسم الزعماء واصابهم الحقد والحسد ضد بعضهم بعضا لدرجة التفكير فى الاغتيالات واحتلال المناطق. يشير الى الاعلان الجمهورى الذى تاسست بموجبه الجمهورية الطرابلسيه، وكيف انها لم تعمر بسبب الخلاف بين اعضاء مجلسها الرئاسى المكون من اربعة اعضاء، لدرجة انهم لم يعقدوا اجتماعات الا لماما..تمام كما يحدث الان بين المجلس الرئاسى الحالى وتنافر اعضائه لدرجة اقتحام احدهم مكتب رئيس المجلس بسلاحه وهو فى اجتماع مع مبعوث الامم المتحدة كما قالت الاخبار.فى ذلك الزمان كان الاتهام والتآمر أقوى واشد، تحدث ايضا عن العلاقات مع السنوسية فى شرق البلاد ورجالها فى غربها وكيف تتدخل بينهم لافشال الاتفاقات بين زعماء الغرب تماما كماهو الحال الان فللسيد حفتر هو الاخر والمقيم فى شرق البلاد وحاكمه الفعلى رجاله فى غربها ينتظرون تعليماته للاستيلاء على العاصمة. يستطيع المرء ايضا من تفاصيل هذا الكتاب تقييم الزعماء واتساع افاقهم او ضيقها ومن هو الفاهم لالاعيب السياسة الدوليه والاخر الذى لايتجاوز بفكره وشغله منطقته التى هو فيها.اشار الى اجتماعات ومصالحات ومؤتمرات ومواقع حربيه بل والتخطيط للاغتيال والزحف على مناطق الجيران واللاجئين وتدمير المنازل والقرى وقتل النساء والاطفال وتهجير السكان وغير هذا كثير… اقرأوا لتعرفوا ان ما قام ويقوم وقد يقوم به الليبيون هم راضعوه فى الحليب وليس بجديد عليهم.
هو تاريخ لفترة كتب عنها الكثير ليبيا واجنبيا،لكن الروايات الليبيه كانت فى الغالب تتصف بالانحياز وعدم ادراج الحقائق بل واللعب بتفاصيل الاحداث، وكانت الحكومات ملكية او جمهورية او جماهيرية تحول دون نشر الحقائق كما روتها فى كثير من الاحيان الكتب والوثائق الايطاليه، وكما قلت فى المقدمه السيد عمرو بغنى طلب منه اجراء الكثير من التعديلات على ماكتب كما هو مدرج الان ان اراد ان يتحصل على شهادة الماجستير، لكنه رفض ووضع المخطوط فى خزانته حتى قيض الله من يطبعه شخصا ومطبعة وها هو امام القارىء ليتفحص رواية جديدة من تاريخ ليبيا الزاخر.
انا لاعلاقة لى بما فى الكتاب، لذلك من اراد ان يعلق فليعلق على المحتويات ومنطقيا ان يكون قرأ الكتاب اولا وكتب باسمه الحقيقى وليس بالاسماء المستعاره.فالاسم الحقيقى يدل على المعلق وبالتالى على انتمائه وتقييم ماكتب وفقا لهذه المعطيات.
_________________
نشر بموقع ليبيا المستقبل