كانت أوجه الشبه بينهن كبيرة, فالكل تختفي خلف ملحفة بيضاء أو خمار أسود, والكل ترى عبر ثقب صغير أمام عينها, فلا فرق بين هذه وتلك اللهم في طول القامة أو عرض المنكبين.. نساء تدخل ونساء تخرج.. نساء بدينات ونساء نحيفات, نساء ربما بيض ونساء ربما سمر.. نساء زائرات مشفقات ونساء زائرات شامتات.. هكذا وقف خارج باب قسم الولادة ينتظر زوجته التى دخلت لزيارة أختها, وينظر لنساء ونساء ونساء.
وما هي إلا دقائق حتى بانت عليه في آخر القسم.. لم تطل الزيارة كما قالت.. ميزها من بعيد إذ قلة من مثلها تقف على هذا الطول الفاره, وحين اقتربت منه والتقت نظرته بنظرتها وخيل إليه أنها رأته عبر الثقب الصغير والوحيد الذي يصلها بالعالم الخارجي, فترت شفتاه عن بسمة خفيفة لها, وسبقته هي بخطوات على غير عادتها وتبعها هو ليروق له منظر زوجته من الخلف, ربما لأول مرة يمشي خلفها بهذا الشكل.. أبهرته خطواتها الواثقة وقوامها الواقف وطولها من بين كل النساء, حتى أنه في أحدى المرات تقدم منها أكثر وأراد أن يهمس لها في أذنها عن ذلك…! لكن زحمة الناس وأنظارهم وحتى آذانهم منعته من ذلك.
وحين صارا خارج باب المستشفى في الشارع حدثت المفاجأة التي لم ولن يتوقعها أبداً.. حدث ما لم يخطر له على بال.. حدث ما لم ولن يصدقه أبداً حتى لو أنبأه به أقرب وأعز الناس إليه لكنه الآن لن يكذب عينه, إذ بسيارة صغيرة بيضاء تتراجع للخلف فتدلف هي فيها وتنطلق السيارة للأمام.. كاد يجن مما رأى فأسرع وأدار سيارته وطار خلفهما.. مد يده إلى درج سيارته المسرعة والمجنونة خلفهما وصار يفتش فيه حتى تحسس شيء في قاع الدرج فسحبه ليجده مديّة قديمة صدئة لكنها قد تكون كافية في نظره.. كان الغضب يملأه بل يملأ حتى صالون سيارته.
وصلا مكانهما وكان هو أيضاً قد وصل على إثرهما إلى نفس المكان, فأغلق عليهما الطريق, حين وضع سيارته خلف سيارتهم المركونة أسفل العمارة, وبسرعة قبل أن يدخلا من باب العمارة اندفع نحوهما, فالتفت الرجل ليراه قريباً منه يشحذ مديته والشرر يتطاير من عينيه فصاح.!
والتفتت زوجته على إثر تلك الصيحة بوجهها كله لتراه ويراها جيداً..! التفتت نحوه فزعة فانكشفت له ملامح وصورة وجهها تماماً.. التفتت نحوه والتقت نظراته بنظرتها الحارة ووجهها المستدير وأنفها القصير وفمها وحتى صوتها المبحوح وكل شيء فيها, فأدرك أنه ثمة اختلاف كبير بينها وبين زوجته التي تركها خلفه في قسم الولادة.. التفتت نحوه لم يصدق ما رأى فتجمد في مكانه ووقع ما في يده.
بعد دقائق عاد كل شيء إلى طبيعته, وكان هو في طريق عودته إلى المستشفى حين وقع بصره على محل يبيع أشكالاً وألواناً عديدة من الطلاء, فمال نحوه ليشترى منه علبة طلاء صغيرة وفرشاة, وواصل طريقه وإلى قسم الولادة حيث تنتظره زوجته, التي ما إن رأته قادماً حتى مشت وسبقته بخطوات, أو هو مَن تركها تسبقه بخطوات حين غمس فرشاته في علبة الطلاء ومدها إلى ظهر زوجته ليكتب عليه ” مسعــودة “
سمنو: 13/4/2009