الكاتب الصادق النيهوم (تصوير: فتحي العريبي).
طيوب المراجعات

الصادق النيهوم.. مثقّفٌ على يسار السّلطة

عشرون سنة مرّت على رحيل الصادق النيهوم (1937 – 1994) وما يزال اسمه راهناً، خصوصاً في سياقه الليبي. إذ طالما جرت عادة العودة إلى تجربته بوصفه أحد أعمدة الأدب الليبي ومناجم البحث والتنقيب الثقافي في بلد مقل بتقديم الأسماء الأدبية وتعاني فيه الكتابة والثقافة هشاشة ظاهرة هذه الأيام.

الكاتب الصادق النيهوم
الكاتب الصادق النيهوم1

النيهوم الذي ودُفن في بنغازي لمع في ميادين أدبية وفكرية مختلفة، كالنقد والمقالة والقصة القصيرة والرواية ومقارنة الأديان، إلى جانب تجربته الصحافية. وإن كان قد أصدر أعمالاً أدبية مختلفة من بينها مجموعة من الروايات: “من مكة إلى هنا” (1970)، “من قصص الأطفال” (1972) “الحيوانات” (1984)، “القرود” (1975)؛ إلا أن أعماله الفكرية هي من منحه المكانة التي أخذها. قوس من المؤلفات الجدلية: “تحية طيبة وبعد” (1972)، “فرسان بلا معركة” (1973)، “الرمز في القرآن”، “صوت الناس” (1990)، “الإسلام في الأسر” (1991)، “إسلام ضد الإسلام” (1995)، “محنة ثقافة مزورة”، “طرق مغطاة بالثلج” (2001). من قرأ النيهوم بتمعّن، يعرف أنه رقم صعب ومهم ليس في إطاره الليبي فقط، بل في الثقافة العربية أيضاً. ودوره اللافت في مجلة “الناقد”، خلال تسعينيات القرن المنصرم، خير دليل على ذلك. إذ نجحت المجلة التي أشرف عليها، بالتعاون مع أسماء أدبية عربية ذات قيمة عالية، كالشاعر الراحل أنسي الحاج، في بلورة خطاب ثقافي تنويري وحداثوي، تأثّر به عدد كبير من الكتاب والشعراء المعروفين. لمناسبة ذكرى رحيله، صدر للنيهوم كتاب جديد أخيراً، حمل عنوان “الدلّال” (دار “برينتشي”، 2014) ، ويضم مقالات كان نشرها صاحب “الحيوانات” بين عامي 1966 – 1974 في صحيفتي “الحقيقة” و”الشورى” في بنغازي ومجلة “الأسبوع العربي” في بيروت. وقد قام بجمع المقالات وقدم لها المؤرّخ سالم الكبتي المعروف بحماسه الشديد للنيهوم والدفاع عنه أمام خصومه. 

وبدت مقدمة الكبتي ناريةً، يدحض فيها كل التهم التي كالها الخصوم لكاتب بنغازي المدلّل، خصوصاً في ما يتعلّق بارتباطه بالسلطة، وبالقذافي شخصياً. وقد احتلت هذه الإشكاليات مساحة واسعة من المقدمة التي يبتعد فيها الكبتي، عن مقالات الكتاب ليركز على مقارعة خصوم النيهوم من كتاب يساريين وسلفيين وسجناء سياسيين، اتهموه بعدم استخدام علاقاته الجيدة مع القيادات السياسية آنذاك لمساعدتهم. يقول الكبتي: “تلك مشكلة النيهوم بوضوح، لأن السلطة اقتربت منه، صُنف أنه في ركابها، أو من رجالها، وأنه أحد عملائها وأبواقها، في محاولة أكثر تفاهة لعزله خارج الإطار الذي سيظل رغماً عنهم داخله، وتشويهه بطريقة لئيمة وغير أخلاقية، وجعله بين الناس في الجانب الأضعف”. وحول عدم تدخل النيهوم لدى السلطة لصالح مضطهدي رأي، يقول الكبتي إن الرجل، مع ارتفاع حدّة القمع، لم يكن قادراً، مثل كثيرين سواه، على تغيير نظامٍ متعسّف أو مواجهة الدكتاتورية بمفرده، لكنه حاول و”محاولاته، حتى وإن كانت غير ظاهرة للناس وبدت مهادنة أو ضعيفة، تظل تحسب له”. ويضيف الكبتي: “لم تثبت الوقائع والأحداث، على الأقل حتى الآن، أنه أسس لظلم أو ظلامية، أو شارك في إعدامات أو تصفيات أو عمليات قذرة، أو وشى أو أضر بأحد”. وعن عدم معاناة النيهوم أو خوضه تجربة الاعتقال مثل الكثير من كتّاب وشعراء وصحافيي ليبيا إبان حكم القذافي، يقول الكبتي: “ليس شرطاً أساسياً، لكي يكون الكاتب أو المثقف أو حتى المواطن العادي “وطنياً حتى النخاع”، أن يُسجَن أو يعذَّب أو ينفى، ليس شرطاً أن يُعدَم بالمقصلة أو يقتل بالرصاص”. وفي سؤال وجهه إليه “العربي الجديد” حول ظروف صدور الكتاب ومضمونه، يقول ناشره وصاحب دار “برينتشي” جمال المحيشي: “جرت طباعته في بيروت ليظهر في شكل جيد، وذلك بالاتفاق مع محقّقه ومقدّمه. معظم المقالات تناقش الحياة في ليبيا والوطن العربي وأوروبا بأسلوب أدبي سلس عُرف به النيهوم، ويرتكز على السخرية والمفارقة وطرح الأسئلة، ويعتمد في بعض الأحيان على الأحداث السياسية الهامة في تلك الفترة، مع وجود بُعد مستقبلي رؤيوي”. وفيما عدا هذا الكتاب الصادر أخيراً وبعض المقالات التي تتناول تجربته، فإن من الملاحَظ تضاؤل الأنشطة الثقافية التي يشكّل إنتاج الصادق النيهوم محورها. وعلى سبيل المثال، لم تُدرج أي ندوة حوله في فعاليات “بنغازي عاصمة للثقافة الليبية 2013″، وآخر نشاط رسمي حول أدبه نظمته “دار الكتب الوطنية” في بنغازي قبل نحو ست سنوات. لكن سيرة النيهوم وأصداء اشتغالاته تبدو أكثر حضوراً في أعمال السيرة الذاتية لمجايليه من كتّاب، وكذلك في الدراسات الجامعية. وآخرها ما ورد في سيرة إبراهيم الكوني، “عدوس السرى”، الذي تطرّق إلى ما قاله النيهوم له حول السلطة. يكتب الكوني عن ذكرياته مع النيهوم: “في بداية التسعينيات، عندما جاورته في رحاب الألب، كنا نتسكع في الأمسيات، في حديقة الزهور في جنيف، ليروي لي الطرائف بأسلوبه الممتع، المستعار من روحه النقية، إلى أن جاء اليوم الذي أدلى لي فيه باعتراف لم أقرأ له حساباً، اعتراف أدهشني، ربما بسبب فكرتي الرومانسية القديمة عن الإبداع كقدس أقداس. قال لي يومها إن غايته كانت دوماً السلطة، كل ما هنالك أن العسكر ذهبوا إليها من أقصر طريق، وخسرها هو لأنه سعى إليها من أبعد طريق! لقد استنكرتُ أن يسعى مبدع في حجم صادق يومها إلى ما اعتبرته عملاً لا أخلاقياً”.

__________________________________

نشر بموقع العربي الجديد

مقالات ذات علاقة

كتاب (لمحاتٌ من تاريخ بنغازي).. الوفاء للمدينة وتاريخها

المشرف العام

بين الفن المسرحي والقانون

المشرف العام

إطلالة على كتاب “إطلاق طاقات الحياة” للدكتور مصطفى حجازي (1)

علي عبدالله

اترك تعليق