لماذا نقوم نحن – مجلس إدارة مؤسسة برنيق على سبيل المثال- او لماذا نختار ان نقوم بنشاط ثقافي ؟!؛ هل الثقافة شيء مفيد؟! هل لها عوائد مؤكدة تعود بالنفع والفائدة على الانسان والمجتمع؟! أليس من الاصلح والاذكى ان نقضي الوقت فيما ينفعنا ويعود علينا بفوائد محددة وواضحة بدلا عن غموض نتائج النشاط الثقافي؟!
أليست الحوارات والأنشطة الثقافية مجرد لوك لانهائي للكلام دون عمل؟!
هل ثمة فائدة للنشاط الثقافي وهل من المؤكد ان كل فرد سوف يحصل على نصيب واضح من الفائدة؟!
أليست الثقافة مجرد استعراض متطاول للمعلومات دون أي عمل؟!
ام هل ان الثقافة هي شيء اخر؟!
الحقيقة المؤكدة وبالتجربة الشخصية التي ننطلق منها ؛ في موضوع النشاط الثقافي واسئلته الكثيرة واسئلة الشاكين فيه وفي فائدته ؛ انه يصعب تحديد فوائد واضحة سريعة للنشاط الثقافي يمكن التقاطها كالثمر من فوق اغصان الشجر بعد مرور زمن بسيط فالنشاط الثقافي هو الوجه المعقد للنشاط البشري ؛ قد يقال او اننا نحن سبق وقلنا ان النشاط الثقافي وقال بذلك غيرنا كثير؛ ان الثقافة تسهم في تشكيل وعي المجتمع بنفسه ونحن هنا نفضل ان نستخدم تعبيرا بديلا هو انها تسهم في رسم صورة المجتمع عن نفسه امامه ؛ ذلك ان مفهوم الوعي هو مفهوم غامض وجدلي بامتياز ونحن نفضل العدول عنه الى التعبير رسم صورة المجتمع امام نفسه لأنه تعبير اكثر تصويرا للهدف وبالتالي سيكون اقرب في الفهم ؛ فتعبير الرسم اقرب الى مختلف المستويات التفكيرية وابعد عن عقد المثقفين وتعاليهم عن الناس لصالح المجردات …
إن من المؤكد عندنا ان أي نشاط ثقافي قد لا تكون له فوائد واضحة محددة او عوائد مادية ملموسة يمكن تبيانها كدليل في وجه من لا يتحمس لهكذا نوع من النشاط؛ فليس من السهل ان يتحول نشاط ثقافي ما الى مال يدخل خزينة المجتمع بسرعة لكن هذت الحقيقة نفسها سوف تتعرض معنا هنا للاختبار وللنقاش لنكتشف الى أي حد تستطيع الصمود امام الهجمات الفكرية المتكررة وهل هي قادرة على الرجحان؟!
وسوف نبدأ بشي عارض لكنه ظاهر وواضح وهو تطبيقات وبرامج التواصل الاجتماعي نفسها ماهي وما هو العمل المستغل فيها؟!
إن تحقيق الأرباح المادية اليوم يمر عبر هذه التطبيقات ويمر عبر اعداد من الناس بالملايين تتجمع في تطبيق على صفحة فلان او علانة لتشاهده أحيانا وهو يتحدث ويقول لغوا لا فائدة فيه او وهو يرقص في أحيان اخر
اذن فالكلام لم يعد مجرد لوك لسان دون فوائد انه قادر اليوم على تحقيق عوائد مالية حتى او في بعض الحالات على الأقل؛ ولنجتز هذه النقطة ولنقل ان الانسان يحتاج ان يقف امام المرأة ويتأمل جسمه فيعرف عضلاته واي رياضة تناسبه؟! لكنه من ناحية ثانية يحتاج الى فحص طرق تفكيره في الأشياء وهذه لها الية تنشا مع سنوات ما قبل المدرسة منذ تعلم النطق اذ يأخذ الانسان في ترديد الالفاظ حتى يتمكن من قولها وهكذا بالضبط يحصل للمشكلات يكررها الطفل كلاما قبل ان يتمكن من فهمها ونحن نحتاج الى هذه الالية نفسها لرسم صورتنا وفهم طرق تفكيرنا نحتاج ان نسترسل بالحديث حول مشكلاتنا حتى لا تعود كما كانت قبل بدء الحديث أي نحتاج لتكرار اليتنا الطفولية هذه ؛ وهي الية تتحول بمرور الوقت الى سلوك غريزي يجري دمج مراحله فلا تتضح ونمر فيها بسرعة من مجرد الكلام الى الحل في لمح البصر
إن النشاط الثقافي هو عملية إبطاء لهذا التسريع انه يعيد اكتشاف المراحل المدمجة ويعيد تفريقها ليسهل فحصها وبالتالي كل كلام حول مشكلة مهما كانت عويصة لا يعيدها كما كانت بل ينقلنا في تصورها وتخيلها درجة الى الامام فما بالك اذ ازدوجت هذه العملية بعملية ثانية أكثر تعقيدا وبالتالي أكثر فحصا وهي عملية الكتابة؟!!
إن الثقافة تضع امامنا مشاكلنا تحت الضوء ومشاكلنا تكشف لنا تلقائيا طرق تفكيرنا وهذه مليئة بمشكلات اخر تحتاج فحصا بطيئا لا يمكن ان يتحقق الا بالكلام والكلام المكرر مرارا عنها …!
اذن كل حديث عن مشكلاتنا لا يتركها كما كانت بل ينقلها الى الامام خطوة؛ ثم ما بالك إذا كان الحديث محكوما بقواعد سبق لخبرتنا ان اكدت انها قواعد مثمرة لأفكار جديدة وما بالك لو ازدوج الحديث بخطوة أكثر تعقيدا وتقدما هي الكتابة.
ان كل نشاط ثقافي هو محفز للكتابة دافع لها تماما كما ستكون الردود على مقالنا هذا جزءا من تقدمه وتطويره …!
إذن كل نشاط ثقافي هو خطوة أولى في التفكير فهل التفكير زائد عن حاجتنا؟!!
لو كان زائدا عن حاجتنا لما كان حالنا في مثل هذا البؤس الذي نعيشه.