ندى محمد
في بيتنا القديم الدافئ، على يسار مدخله كانت هناك شجرة مشمش.. لم تكن شجرة فارعة الطول، لكنها كانت شجرة كثيرة الأوراق، أغصانها كثيفة ومتداخلة، وظلالها ممدودة..
لم تكن كأي شجرة في البيت، رغم وجود بعض من شجيرات النخيل وشجرتي ليمون، إلا أن شجرة المشمش كانت كالأم الرؤوم تظلنا بظلها الممدود في وقت القيلولة، نستنشق الأكسجين من أوراقها، نفترش الأرض ونجلس تحتها، نتبادل الأحاديث ونحتسي الشاهي الأخضر مع بعض الحلويات اللذيذة، بعد وجبة الغذاء الدسمة.
وقد يكون كل منا في شأنه، فهناك من تنام وتأخذ قيلولتها، وأخرى تكتب واجباتها المدرسية.. كل ذلك كان في شهري توت وبرهمات وأحيانا في كهك في بعض من أيامه المعتدلة وشمسه الدافئة.
يقصر اللسان عن حصر تلك السعادة التي كانت تطوف من حولنا، ويعجز عن وصف لواعج نفسي عند تذكر أيام ولّت.
لم نكن ننعم وحدنا بتلك الأوقات السعيدة، فقد كانت تأتي إلى مجلسنا بعض من جويراتنا العزيزات، كل واحدة منهن تحمل صحنا به بعض الطعام الشهي، ولا تحلو تلك الجلسات ولا يطيب فيها الخاطر إلا بوجودهن..
لقد شاخت شجرة المشمش، وذبلت أورقها واصفرت، ولم يبق منها إلا جذعها الذي آل به الأمر في نهاية المطاف إلى القطع.. أما اصحابها فقد تفرقوا وانتشروا، ولم يبقى إلا حنين الذكريات يعبق بين الفينة والأخرى في أنوف اصحاب شجرة المشمش.
إنها نواميس الحياة، وقانونها المجحف، ونهايتها الحزينة..