النقد

العقيد.. وأسلوب السرد الحكائي

رواية العقيد للكاتبة الليبية كوثر الجهمي
رواية العقيد للكاتبة الليبية كوثر الجهمي

عند قراءة عنوان رواية الروائية كوثر الجهمى “العقيد”،  قد يلوح في ذهن القارئ بأنها رواية  سردية حول شخصية  العقيد معمر القذافي، الحاكم السابق لليبيا ولكن الرواية تروى سيرة ضابط برتبة عقيد  اسمه “على المرابط” ،  شارك في انقلاب عام 69 م حسب قصة الرواية  ثم شارك في  ثمانينيات القرن العشرين في حرب تشاد  ،ووقع في الأسْر ثم انضَمّ للمعارضة الليبية بالخارج بعد رفض القذافي الاعتراف بالأسرى،  من الجنود والضباط الذين أسرتهم تشاد  في نهاية الحرب بعد هزيمة الجيش الليبي، وبعد قرابة سبع  سنوات من انضمامه للمعارضة الليبية قرر “على المرابط”  العودة لليبيا بعد اتفاقه ومصالحته  ،مع نظام القذافي ولكن يتم اغتياله في عام1994م  قبل رجوعه إلى بلاده بأيام، ويعتقد الجميع بأن نظام القذافي هو من قام باغتياله ولكن فصول الرواية تحمل في مضمونها عملية البحث عن القاتل الحقيقي من خلال شخصية الابن الباحث عن الجهة التي قتلت والده إلى أن يخبره صديق والده ” بركة ” في النهاية بأن المعارضة هي التي قامت بقتل والده.

وكأن بخاتمة الرواية تبعث برسالة إلى القارئ ،بأن القذافي لم يكن هو فقط من يقتل معارضيه بل أيضا المعارضة بالخارج كانت تستخدم، أسلوب القذافي بالبطش بكل من يقرر الخروج  من إطارها واستخدمت قاتل مأجور لتنفيذ جريمتها، وهذا مالم تثبته الوقائع التاريخية في تاريخ المعارضة الليبية في الخارج ضد حكم القذافي ،بكل تشكلاتها الإسلامية واليسارية و لعلمانية التي عانت  طيلة عقود من مطاردة  أذرعه الاستخباراتية ، وقيادات لجانه الثورية التي كانت تقوم بعمليات اغتيالات سياسية كثيرة ضد المعارضين بالخارج على الساحة العربية والأوربية والأمريكية تحديدا خلال عقود ثمانينيات وتسعينيات القرن المنصرم . 

الأسلوب السردي للرواية بين تبادل الرسائل والحكي 

في الفصل الأول من الرواية الذى كان بعنوان ” النهاية ” أنبنى  أسلوب السرد على ضمير الغائب لرواية واقعة مقتل الضابط المعارض “على المرابط ، ثم في الفصل الثاني يظهر صوت الشخصية الرئيسية  الساردة بالرواية، وهى شخصية  آدم على المرابط ابن الضابط المقتول  الذى يتحدث بضمير المتكلم  ثم تمضى الرواية، في السرد بأسلوب مبنى على الحكي و تبادل الرسائل ، بين شخصيات الرواية  ومع أن المدة الزمنية التي يتم فيها الحكي عن الأحداث هي مدة طويلة  ممتدة من عام  69 م إلى  عام 94 م إلا إنها اختصرت  في أسلوب السرد الحكائى على ألسنة الشخصيات التي تروى حكاية سيرة حياة ومقتل الضابط العقيد وذلك من خلال  الصوت الحكائى السردي لعمر المرابط أخ القتيل ، والصوت الحكائى السردي لشخصية غزالة زوجة ” على المرابط” الأولى التي يسافر ، الابن “أدم المرابط”  إليها في  تونس للالتقاء بها فتروى له فصول من حياة والده وحياتها معه إلى يوم ذهابه  للاشتراك في حرب تشاد وانقطاع الاتصالات به وعدم معرفة مصيره ثم استقبالها خبر استشهاده في الحرب.

ويظهر الصوت الحكائى الثالث عبر صوت صديق عمر والده “بركة” الذي يقوم بتسجيل شهادته عن شخصية والده ويروى له “بركة” تفاصيل رفقته مع والده في حرب تشاد ثم محاولة الهرب والآسر وبعدها الانضمام للمعارضة الليبية والسفر إلى أمريكا وزواجه للمرة الثانية ثم مقتله وفى نهاية الرواية يصدم” بركة ” الابن   “أدم المرابط” حين يخبره بأن والده لم تغتاله أذرع نظام القذافي بل إن الاغتيال كان بتدبير من زملاؤه بالمعارضة في أمريكا بعد قراره الرجوع إلى الوطن.

ولقد كتبت بعض فصول الرواية بأسلوب فن الرسائل، التي يبعثها بطل الرواية ابن الضابط المغتال إلى صديقه الأمريكي سيمون، التي يروى من خلالها سيرة حياة والده الضابط العقيد المعارض ورغبته في البحث، عن الجهة الحقيقية التي قتلت والده وفى هذه الرسائل يعبر بطل الرواية عن أفكاره ومشاعره حول قضية مقتل والده لصديقه واستخدمت الكاتبة أسلوب الرسائل المتبادلة كمتن سردي أيضا بالرواية.

توثيق الرسائل بين الواقع والخيال

وثقت الكاتبة روايتها بمجموعة صور للرسائل المتبادلة ،بين الضابط على المرابط ووالد زوجته  ” مصطفى الكريتلى الذى يكذب عليه حين يخبره، بزواج ابنته بعد اعتقادهم بوفاته في وادى الدوم خلال حرب تشاد  كي يتخلص من علاقته، بعائلتهم بعد معرفته بانضمامه إلى المعارضة الليبية ولا أعرف ما المغزى من وضع الرسائل المكتوبة بخط اليد والمتبادلة بين “على المرابط”  و”مصطفى الكريتلى ” داخل الرواية إلا إذا كان المقصد من ذلك هو توثيق الرواية، وإظهارها كسردية روائية لشخصيات حقيقية ،وتثبيت ذلك من خلال رسائلها المكتوبة بخط يدها  كما لو أن الكاتبة بأدراجها للرسائل الشخصية تريد التأكيد على أن قصة الرواية ليست متخيلة أو من عالم الافتراض بل هي قصة فعلية عن شخصيات حقيقية تعمل من خلال روايتها على سرد سيرة حياتها.

الأمكنة وتداخل الأزمنة في الرواية

ينتقل السرد الروائي برواية “العقيد” للروائية كوثر الجهمى بين عدة بلدان، منها ليبيا وتونس وأمريكا وفى فلاش باك الحكاية الاسترجاعية ينتقل السرد الروائي إلى تشاد حيث تدور رحى الحرب الليبية التشادية في ثمانينيات القرن الماضي.

الرواية يطغى فيها صوت السارد الرئيسي، الذي يروي للقارئ أحداث الرواية عبر شهادات حكايات الشخصيات ويبدو كالمراسل الصحفي، الذي ينقل ما يجري من أحداث حوله وينقل كلام الشخصيات في الرواية ويقص على القرّاء، أحاديث شخصيات الرواية عن سيرة حياة والده كما أن الرواية اعتمدت على السرد المتقطع فليس هناك تسلسل زمني طبيعي بل هناك تداخل في الأزمنة واستخدمت تقنيات استرجاع الماضي والانتقال بين الأزمنة في فصولها المختلفة.

 تناولت رواية “العقيد” مرحلة من التاريخ الليبي بأسلوبها الحكائى، ورسمت بعض التفاصيل السردية للحرب الليبية التشادية، التي لم تقترب منها الرواية الليبية إلا في مرات قليلة ومنها رواية “التابوت” للروائي عبد الله الغزال، لذا فالرواية تعتبر تجربة مختلفة للروائية  التي عملت على طرح قضية تعتبر أرض بكر في مدونة السرد الليبي من زاوية فكرها وخيالها الذى قد يقبله القارئ الحصيف والملم بالتاريخ السياسي الليبي، أو يرفضه وينتقده  ولكن  لا أحد يملك أن يحجر على حرية أي كاتب في طرح فرضياته  وخياله  في العوالم الأدبية المختلفة وعلى رأسها  عالم الفن الروائي العظيم  الذى يحتاج إلى عقول فكرية مبدعة وخلاقة  تشد القارئ وتلهمه بمضمونها الفني والفكري.

مقالات ذات علاقة

شاعرية حبل الغسيل

ناصر سالم المقرحي

الكوني… رائد أدب الصحراء

ناصر سالم المقرحي

ذاكرة الجدي.. بين دفاتر مانهاتن وغدير الغولة

عبدالسلام الفقهي

اترك تعليق