قصة

وخز الضمير

Elgeddafi_Alfakhri_01

كانت نظراته الزائغة تبحث بنهم وتتفرس في تلك الوجوه المارة والقادمة من آخر الرواق ، وهو جالس بالمقهى الذي إعتاد الركون به ، على ذات الطاولة القديمة قدم المقهى نفسه ، وقد حطت بها أفواج من أُناس اختلفت أسباب جلوسهم بها ، فمنهم من تبسمت له الحياة فذاق بتلذذ أكواب الشاي وفناجين القهوة مرسلاً ضحكاته عالياً ، ومنهم من عبست له فجلس بها شارداً مهموماً لا يجد مذاقاً لما يتناوله سوى المرارة ، فأحس بهامشيته في عالم يعج بالناس ويموج بالحركة والحيوية .

* * *

نظر الى ساعته القديمة في معصمه بتأفف ، فوجد أن الوقت قد مضى على موعد مرورها بالرواق ، فزاد تشاؤمه وتطير شراً فلم يجد بداً من سؤال صبي المقهى ذلك الفتى الهزيل والنشيط في ذات الوقت والعارف بأمور الرواق بل لا تفوته شاردة ولا واردة وما من أمر يخفى عليه الذي قال وهو يجمع اكواب الشاي الفارغة من على أحد الطاولات : لم تمر اليوم كعادتها واستطرد : ويُقال أنها متوعكة فشعر بقلبه ينقبض من جديد متسائلاً عن مدى توعكها ، وقرر أن يتبين الأمر ويمر بحيّها حيث تقطن ، فنهض من جلسته مسرعاً دون أن يسدد ثمن الشاي الأخضر الذي كان قد طلبه ، وعند وصوله تبين له وجود مظاهر عزاء ، فسأل أحد المارة : ماذا هناك ؟ فقال له أن امرأة تدعى ” الغريبة ” قد وافاها الأجل ، فأحس بسكين ينغرس في صدره وألم حاد يكاد يُزهق روحه ، فمادت الأرض من تحت قدميه فلم يجد بداً من الجلوس على حجر صادف وجوده هناك ، ووضع رأسه بين يديه شاعراً بالأسف على وفاتها .

* * *

توفيت ” الغريبة ” زوجته الأولى بعد حياة ضنكة ذاقت فيها الأمرين لأنه بعيد شهور فقط من زواجهما قام بتطليقها لأسباب واهية ، وحاول أن يتدارك الخطأ الذي ارتكبه إلا أن اهلها سارعوا الى تزويجها لأول رجل جاء يطلب يدها ، خوفاً على سمعتهم من القيل والقال ، فالمطلقة في ذلك الوقت كانت تحمل أكثر من علامة إستفهام ، فكان حظها العاثر أن زوجوها من رجل سكير عربيد عاطل عن العمل ، وكثيراً ما كان يبرحها ضرباً لضيق ذات اليد ، فلم تجد المسكينة بداً من العمل كعاملة نظافة بأحد المستشفيات حتى تعيل أطفالها ، ولكنه كثيراً وبصلف يستولي على نقودها على قلتها ليقامر بها مع رفاق السوء ، ولولا مساعدة الجيران واهل البر لعجزت عن سد افواه اطفالها ، وهو الآن يشعر بوخز الضمير وبالأسف الشديد لما آل له حالها ، وقد حاول كثيراً وعبر وسطاء أن يمد لها يد العون ، الا أنها وبكرامة رفضت عروضه بشدة ، بل طالبته بأن لا يريها وجهه ثانية ، ولهذا ظل يترقبها في ذهابها وايابها من أمام المقهى بالرواق وكأنه يعاقب نفسه ويستمرأ ذلك الشعور الغريب بتأنيب الضمير والإحساس بالذنب الذي يلازمه وادرك أن ذكراها ستبقى سياطاً تجلده بقسوة مادام فيه عرق ينبض .

مقالات ذات علاقة

شبشب زيكو

عائشة إبراهيم

جدي

عزة المقهور

الغروب

المشرف العام

اترك تعليق