حوارات

القاص والروائي محمد مفتاح الزروق : الليبي عاش أسوأ التجارب في التاريخ

الطيوب : حاوره / مهنّد سليمان

القاص والروائي الليبي “محمد مفتاح الزروق”

لا غرو إن جنس الرواية بدأ فعليا لاسيما خلال العقد الأخير من الزمن يحقق قفزات معقولة وتطورا ملموسا على صعيد التقنيات السردية والسبك الفني لبناء الأحداث وترابط شخوصها، ولدى الروائي والقاص “محمد الزروق” أدواته الإبداعية في التعبير وإعادة نحت الواقع فهو لا يقدمه كوجبة جاهزة معلبة بل يذهب بنصه إلى أغوار التاريخ كي يحصل ربما على فهم يُعين تأويله ويبرر بساطة اللغة في التواصل مع القارئ كما قرأنا في أحدث إصدارته الروائية الممثلة في رواية (بر الحبش) المتحصلة على جائزة الطيوب التشجيعية في أغسطس المنصرم، ضيفنا عبر هذه السانحة كاتب مخلص لقلمه أعماله الروائية والقصصية تفتح شهية الاكتشاف أمام القارئ، سبق وأن صدرت له عدة مجموعات قصصية من أبرزها (وجهان في الصقيع) عام 2007م ورواية (جزيرة الأميرات) عام 2013م، ويفتح عمله الأخير بر الحبش الأفق للخوض في تجربة السؤال عن الهُوية والتاريخ ودلالة الرمزية.

لقد لعبت على ثيمة المقاربة بين تعددية زمنية قوامها تجنيد الليبيين للقتال خارج بلدهم فعبد الرازق أمضي بقية حياته بمصر هل هنالك إشارة ضمنية لوجود أزمة انتماء لدى الليبي؟
فيما يتعلق بهذا الأمر حقيقة نستطيع وبكل وضوح القول أننا في ليبيا لا نملك هوية واضحة لليبيا فنحن لدينا سوء فهم وكذلك أزمة ثقة بين مكونات الليبيين بمجرد التحدث أو التواصل مع فئات لا تتكلم اللغة العربية كالأمازيغ والطوارق والتبو نلقى ما يشيه الإستهجان لهم من الأغلبية الناطقة للعربية، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على وجود قصور كبير الفهم لديهم حتى حول علم الحركة السنوسية (الأسود) وهو العلم الذي جمع الليبين لأول مرة منذ سقوط الدولة القرمانلية تلقى الكثيرون يصفونه بالإنفصالية جاهلين أنه في يوم ما شكل حصنا للحركات المسيحية التبشيرية في ليبيا، وبذا ملامح الهوية الليبية لم تتبلور بعد، وحاول السيد عبد الحميد البكوش في عام 1968م من خلال مشروعه وضع أسس وملامح للهوية الليبية لكن مع الأسف هذا المشروع وئد عقب إنقلاب سبتمبر 69 .

إذن أزمة الهُوية لدى الليبي أفرزت نوع من الشيفونية ؟

ثمة فكرة سبق وأن تناولتها في أحد المنشورات على صفحتي بالفيسبوك وهي أن أغلب الليبيين يعتقدون أنهم إستثناء في العالم بينما أحداث العالم التاريخية هي المحرّك الأساس لهم وبالتالي هم جزء من منظومة عالمية كاملة سواء في المرحلة الراهن أم في الحقب والمراحل الماضية، وفترة الصراع ما بين السنوسيون وفرنسا تحديدا وتضامنهم أيضا مع الإنجليز وتحالفهم معهم يبقى ظل من الأحداث التي كانت سارية أوان ذاك الزمن وهو جزء من الصراع الإقليمي إن صح القول لتتغيّر لاحقا مستجدات الأحداث وتدخل إيطاليا في حلبة هذا الصراع ووجود إيطاليا في منطقة القرن الإفريقي بالإضافة لإحتلالها لليبيا يبيّن لنا أننا بالفعل لم نكن بمنأى عن الصراع العالمي ومشاكلنا إذا أردنا حلحلتها لابد لنا أن نفهم ماذا يجري من حولنا في العالم بشكل عام وبالأخص محيطنا الإقليمي والجغرافي، وشخصيا أجدني أعول كثيرا على الدور المصري ليس من منطلق عاطفي بل لأن مفتاح الحل والأزمة لطالما كان يأتينا من مصر، ولو شئنا التوسع سنرى بأن مشكلة أوغندا متأتية من إعتقاد صانع القرار السياسي الممثل في العقيد القذافي وقتذاك إن النيل في خطر والقومية العربية في خطر وما كان يدور في هذا الفلك من شعارات براقة كان يتبناها النظام السابق، وبذا نجد إن أسباب الحرب مردها لهذا الصراع الإقليمي المحصور في الهيمنة الاستعمارية والاستفادة الاقتصادية من موارد المنطقة إلى جانب الصراع الديني المُستغّل في هذه الأحداث كونه أداة توظف لصالح المشروع السياسي وحاولت قدر المستطاع في هذه الرواية التركيز على هذه الموضوع،

هل وجدت بأن التفاصيل وتعدد الشخوص داخل رواية بر الحبش رفدت المتن؟
بالنسبة لتعدد الشخوص والفضاء المكاني والزماني للرواية واختلاف الأصوات وكل التباين في ملامح الأسلوب كانت لهدف وخلقت من أجل مسايرة ثيم الرواية القائم بالأساس على نبذ الحرب والتركيز على استجلاب أسبابها إلى ذهن المتلقي لتكوين أفكار كاملة عن خبث الساسة وتجار الدماء.. فمهما كانت المبررات المسوقة التي تتشابه رغم اختلاف الظروف نصل إلى حقيقة أن الخاسر في الحروب هم الشعوب فالساسة والمجرمون يتصافحون في نهاية المطاف..
حاولت أن أستخدم الحبكة واللعب على عناصر المباغتة واستخدام المناجاة بنص نثري به نوع من لغة lyric وكذلك الحوار الذي يثري الأحداث الأحداث ويتقدم بها إلى الأمام ويكشف الخبايا النفسانية للشحصيات، ومسألة نجاحي في جعل هذه التفاصيل ترفد النص من عدمها هو أمر متروك للناقد والمتلقي.

القاص والروائي “محمد مفتاح الزروق” أثناء استلامه لجائزة الطيوب التشجيعية 16 أغسطس 2022م

الرمزية تحضر وتغيب في بر الحبش لماذا؟
الرمزية تحضر وتغيب فعلا لأسباب كثيرةأولها أن تعدد استخدام الأصوات يعرضنل لاختبار وتوقيته هل هو reliable.. في مناجاة المكان من الصعب أن تستخدم المباشرة لأن المناجاة حالة وجدانية تتعمق بالرمزية.. بينما في مشهد ضياع الجنود في الصحراء أو في اشتباكهم مع العدو تصبح الرمزية ترفا.. نحن هنا نهتم بالأمور الأهم وهي النجاة ثم الماء والغذاء ثم المأوى وأخيرا العودة إلى الوطن.. كل وضع يستلزم استخدام نمط أسلوبي لعرضه.

يبدو بأن الكاتب العربي والليبي تحديدا يتحايل بالرمزية ؟
نعم إننا لا نزال نعاني من غياب الشجاعة في عرض كثير من أفكارنا.. بعضها غير مستساغ لدى العامة وبعضها غير متفق عليه لدى الرقابة ولهذا نلجأ إلى الرمزية أحيانا لإخفاء بعض توجهاتنا.. أن تكتب يعني أن تفضح مكنونك، ثم أنني لم أعتد أن أرمز عندما يتعلق الإمر بالشخصيات السطحية أو غير ذات الأبعاد الثلاثة.. هكذا دأبي.. ولهذا تجد الرمزية حاضرة في عرضي للشخصيات round characters أو ثلاثية الأبعاد.. وهناك أسباب أخرى منها أن الدماء لم تجف بعد.. وهناك حساسية حيال موضوع حربنا في تشاد.. فعلينا أن نكون حذرين في تناوله.
..
أضاءت الرواية على آواصر دافئة توطدت بين الصبي عبد الرازق والإيطالية فسكونتي، ماذا تبق لنا من قيم هذا التعايش؟
ربما وضعت يدك على جرح نازف في خاصرة الوطن يعانيه كل من يمتلك قليلا من الوعي. حاولت في هذه الرواية أن أنسج خيوط المجتمع المثالي في نظري والذي يقوم على التعايش والحب بين مكوناته وليس فقط مجرد القبول.. وأن أبين أن الطيف الواحد توأم الانغلاق والكراهية.. في هذه الرواية إشارات غير مباشرة إلى ذلك.. مثل كره عبد الرازق في طفولته للبشرة السمراء لأسبابه التي يراها صحيحة والتي نبذها لاحقا إلى حد الاقتران بزوجة منهم، إن غياب التعايش والحرب متلازمتان وقد عشناها بالتفصيل في أيامنا هذه.الحديث في هذا الموضوع طويل وشائك.

غلاف رواية (بر الحبش) الفائزة بجائزة الطيوب التشجيعية الصادرة عن منشورات الطيوب الثقافية

حاولت في هذا العمل رصد التحولات الاجتماعية تمثلت بحي السلماني ببنغازي أين يقف المجتمع الليبي اليوم وإلى أين وصل؟
المجتمع الآن وصل إلى مرحلة انغلاق واحتقان ثم انفجار.. ننتظر قادم الأيام علها تأتي بجديد.. لكنني أعترف لك أننا عشنا أسوأ تجارب يمكن أن يعيشها إنسان من 2006- 2011 يمكن أن نعدها فترة انفراج اقتصادي وانفتاح سياسي إلى حد ما وكانت 2011- 2012 فترة الحلم الأفلاطوني الميلودرامي الذي لا يصدق.. ولا أعلم كيف كانت وردية هكذا في نظرنا، بعد 2012 بدأنا نرى الجثث في الشوارع ورخصت أرواحنا وهان كل شيء وعلت نبرة الكراهية وفي 2014 بدأت الحرب في حينا، لقد تعمدت إنهاء الرواية قبل 2004 تحديدا عام 2003 وهو عام الاجتياح الأمريكي لبغداد.. تعمدته.

مقالات ذات علاقة

محمد الترهوني للـ(طيوب): عروضنا السينمائية للحريصين على اكتساب مناعة ضد القبح.

رامز رمضان النويصري

حوار مع الأديب الليبي المبدع منصور بوشناف حول روايته (العلكة)… المرشحة لجوائز عالمية

يونس شعبان الفنادي

حوار مع الكاتب الليبي فتحي نصيب

المشرف العام

اترك تعليق