طيوب عربية

بدايات كل شيء ونهاية الإنسان!.. قراءة في رواية مدن الملح

*شيء من النّقد خارج النّقد*

إبراهيم خيراني | الجزائر

رواية مدن الملح - التيه
رواية مدن الملح – التيه

«تشيّؤ الإنسان بدأ حين خاف من السّلطة»

السلطة التي وعدت شعبها بأنّه سيرى جنة الله في الحياة الدنيا إذا ما استمع لتعليماتها وسلّمها زمام نفسه، كانت تدرك أنّ خضوعه هو أوّل العقبات.

كيف يسلّم الإنسان في أرضه؟

وكيف تتشتّت عائلته أمام عينيه وهو سعيد؟

لكن السلطة تستطيع أن تجعل الإنسان سعيدا حين تموت عائلته أمامه.

التخويف وحده سلاح السلطة.

كان منيف على علم بأنّ السلطة سترمي بكل حججها من أجل أن تستخرج النفط، تبدأ بخطابات لطيفة ثم سرعان ما تنقلب إلى الخطاب الخشن.

من يرفض يلقى الجزاء.

تلك حكاية مدن النفط…المدن التي بنيت في ظاهرها لتسهّل عيش الإنسان؛ لكنّ باطنها خبيث؛ فالنفط سلاح تتحكم بموجبه السلطة بسلطتها، وتحكم قبضتها على شعوبها لتستعبدها.

واستعباد الإنسان بدأ حين بدأت معه المدن (حران نموذجا)… فبعد اختراع المذياع، والمنظار، والهاتف، واختراع الحافلة وتنظيم المدينة، وإنشاء شركة النفط وغيرها، كان ذلك إيذانا بموت الإنسان؛ الذي أضحى بلا قيمة…لاحقّ له في الحياة.

يأكل بأمر السلطة وينام بأمرها، ويفكّر بأمرها. اذا احتاجته قرّبته منها، وإن لم تحتجه تركته في المرعى.

المهم أن تغلق كل المنافذ التي من شأنها أن تزعزع استقرارها أو أن تهدد قيامها.

فالسلطة تعتبر الشعب عدوّها الأوّل والأخير. وعليها أن تقتله دون أن تثير الشكوك.

منيف لم يكن همّه الحديث عن النفط والمدن التي قامت من خلاله، وأنّها زائلة بزوال النفط؛ كالملح حين يطوف به السيل من كل جانب؛ بل عمد إلى ثنائية (السلطة/ الشعب) القائمة على تخويف الشعوب واعتبارها عدوّا يهدّد كلّ مُلك.

فمتعب الهذال الذي لم يرضخ لقرارات السلطة أصبح هاجسا للأمير خالد، ولقيادة جوهر العسكرية التي ناصبته العداء. ليغلف منيف متعب الهذال بغلاف الثائر الذي يأبى الضيم، ويختصر الجزء الأول من الرواية مسهبا في الحديث عن النفط، وفي الحقيقة أنّ كل تفكيره كان منصبا على متعب الهذال.

ما نفع أن يكتب منيف عن مدن الملح التي تتآكل حين ينفد النفط ويخصّص لها خمسة أجزاء في شكل ملحمة؟!

إنّ الكتابة عن النفط تبدو قضية ساذجة…لكنّ جعل النفط مدارا لخلاف السلطة مع الشعب وسعي السلطة لجعل الإنسان شيئا للتحكم فيه أكثر وضمان كتم صوته هو الموضوع الذي من خلاله فقد الجنسية.

منيف كان بارعا في رصد الصراع بين سلطة عربية تحاول بسط هيمنتها، وإنسان عربي فقد مقومات الحضارة فلم يعد يفهم شيئا من الحاضر، بل لم يعد قادرا على استحضار الماضي الذي فقده.

مقالات ذات علاقة

ارتباك..

حسين عبروس (الجزائر)

تعبت وأنا أبحث عنك

المشرف العام

الثقافة والموضة

المشرف العام

اترك تعليق