الجمعة, 14 مارس 2025
طيوب النص

أسماء منسية

كاريمان صقر

كاترين هوغارث - Catherine Hogarth
كاترين هوغارث – Catherine Hogarth

أحد الأسماء التي أنصفها البحث والتقصي مؤخرا بعد طول تهميش وتغييب. ليس فقط من باب أنها كانت تمتلك مواهب وإمكانيات عدة بل وأيضا مما لحق بها وألصق من ادعاءات غير صحيحة ….

تلك هي “كاترين هوغارث – Catherine Hogarth “والتي حملت فيما بعد اسم ” كاترين ديكنز ” أو ” كيث “.. زوجة الاديب البريطاني الشهير ” تشارلز ديكنز – Charles Dickens….وقد عاشت ما بين (19 مايو 1815 – وتوفيت 22 نوفمبر 1879)

” لوسيندا هوكسليى – Lucinda Hawksley.. صحفية اخذت على عاتقها البحث في حياة “كاترين هوغارث “زوجة” تشارلز ديكنز” السابقة أي في حياة اجدادها إذ أن ” لوسيندا ” هي الحفيدة من الجيل الخامس لكاترين ولتكتب حقيقة من تكون “كاترين هوغارث”…

. ومما اوردته لوسيندا عن البدايات لحياة كاترين وتشارلز.. أنه وأثناء احتفال كاترين بفبراير عام 1835 بعيد ميلادها (كانت ” كاترين هوغارث” ابنة رئيس تحرير الجريدة التي يعمل بها تشارلز ديكنز) والذي كان من بين الحضور ولم يكن وقتها معروفا وانما كان صحفيا مغمورا.. وبعد انتهاء الحفل كتبت كاترين لاحقا لابنة عمها تقول: –

 ” السيد ديكنز يتحسن بشكل كبير فيما يخص التعارف “..

وعلى ما بدا فقد استحسن كل منهما الآخر اذ وافقت على الزواج من تشارلز لاحقا بفترة قصيرة واقيم حفل الزواج بلندن في 2 ابريل 1836.. وكان زواجا ناجحا سعيدا ببداياته ولكنه انتهى نهاية مؤسفة..

بالبدايات كان زواجهما سعيدا حتى ان البعض يرى ان ذلك انعكس في رواياته وخاصة روايته ” Nicholas Nickleby ” التي تنتهي نهاية سعيدة بالزواج السعيد وقدوم عدة اطفال وقد كتب تشارلز هذه الرواية بعد سنتين من زواجه.. وكانت سعادتهما وحبهما مضرب الامثال في وسطهم وكانا يطلق عليهما اوصاف تعكس ذلك ….

كانا يقيمان الحفلات ببيتهما مع أصدقائهما ويستمتعان بالعطلات معا. ومع مرور السنوات اخذت الامور بالتبدل…أنجبت كاترين خلال الخمسة عشر سنة الاولى من عمر زواجها عشر أطفال إضافة إلى حالتي إجهاض على أقل تقدير. …ورغم ذلك كانت حياتهما سعيدة ولكن تلك العلاقة الجميلة اخذت طريقها الى الانتكاس وتحولا من زوجين منسجمين متحابين إلى زوجين غير قادرين على العيش معا ببيت واحد. لينتهي بانفصال قانونيا ومدوى عام 1858..

ولأنه أصبح وقتها كاتبا مشهورا فقد كان غالبية الرأي العام الذي انقسم على ضوء هذا الانفصال الى فريقين كانت الغالبية الى جانب تشارلز ديكنز في حين وجه النقد واللوم لزوجته كاترين.. اما الفريق الاخر فكان يرى ان كاترين ظلمت وان تشارلز لم يسمح لزوجته ان تبرز او تكون بالواجهة حتى لا تؤثر على مكانته وشهرته نظرا لما كانت تتمتع به من مواهب …

مالم يكن معلوما للغالبية ان “كاترين هوغارث” كانت قبل زواجها كاتبة ومؤلفة وممثلة مسرحية موهوبة جدا قدمت العديد من العروض ببريطانيا وخارجها على مسارح الولايات المتحدة وايضا كندا إلى ما بعد زواجها بقليل.. الى جانب انها طاهية ماهرة. كما انها كانت بحسب تعبير زوجها نفسه رفيقة سفر رائعة. . إلا أن كل هذه القدرات حجبت وهمشت مع الوقت لأنها زوجة رجل مشهور فمع تنامى شهرة زوجها بدأ نجمه بالصعود وبدأ نجمها هي في الانطفاء الى أن حجب اسمها تماما..

تستمر الحفيدة في الحديث عن اسرة جديها وانهيار وانتهاء زواجهما بالانفصال عام 1858.. فتقول..

” ظهر العديد من الشائعات عن سبب انفصالهما وساد الاعتقاد وقتها والى الآن مازال من يردد ذلك ان السبب هو ان كاترين كانت مدمنة كحول في حين ان الحقيقة غير ذلك تماما فلم تكن كاترين مدمنة كحول …

عندما تعارف الاثنان وضع تشارلز كاترين في مكانة معينة وكأنها على قاعدة تمثال واهتم بها كثيرا ..كان تشارلز من اسرة فقيرة وعاش طفولة قاسية خيم عليها الفقر وظل سجن الدائنين  بينما كانت كاترين من أسرة سعيدة من الطبقة الوسطى ميسورة الحال وربما كان شبح الماضي أحد الأسباب التي جعلته  عندما تزوج من كاترين أن يرغب أن لا تكون إلا زوجة وأم تعطى الاستقرار لأطفاله وتهتم بالبيت  ..وكان له ذلك فأصبحت كاترين بداية زواجهما المرأة المثالية ..كانت عونا له ومستشاره الاجتماعي والمالي ..وبوقت وجيز تحول تشارلز من صحفي يعمل لدى والد زوجته الى رجل وكاتب  مشهور تقرأ اعماله من قبل الملكة فيكتوريا نفسها . وخلال عامين من زواجهما بدأت آراء تشارلز تؤثر على التوجهات والآراء السياسية في بلده.. وكانت كاترين سعيدة بذلك وأنها زوجة شخص مشهور ولأنها زوجة لنجم مشهور بدأت مرحلة الخسوف لكاترين.. ومع حملها المتكرر كانت بالكاد ترتاح من ولادة قبل أن تحمل ثانية بدأت تضعف صحتها وطاقتها مما أثر على زواجها وبدأت تعيش في الظل رويدا رويدا.. (كانت أما لعشرة أطفال)

وإلى الآن ولأكثر من قرن من الزمان جرى تهميش كاترين ويأتون على وصفها بالزوجة ” البليدة بثياب رثة” والمرأة المملة المحبطة وان تأثيرها كان يأتي سلبا على الكاتب الشهير واعماله وحتى الفيلم الوحيد الذي أنتج سينمائيا لا يركز على كاترين رغم دورها في الحقيقة بحياة زوجها بل ركز الفيلم على “ايلين تيرنان ” عشيقة تشارلز ديكنز وهي العلاقة التي أدت بالنهاية لإنهاء زواجهما وانفصال تشارلز وكاترين (دام زواجهما من 1836 حتى 1858).

كتب الكثير عن حياة الزوجين وانفصالهما عام 1858 كما ذكرت وفى بدايات القرن العشرين بعد مرور عقود على وفاة الزوجين خلص الجدال ليميل بحزم لصالح تشارلز واثيرت اشاعات عن أسباب الانفصال كما أشرت أعلاه.

واتفق المؤرخون ان كاترين عانت بالفعل من الاكتئاب الا انه كان اكتئاب ما بعد الولادة او ما يعرف ب ” Postpartum ” بسبب كثرة الولادات إضافة الى مرورها بظروف محزنة ومنها فقد ابنتها ” دورا ” ذات 8 أشهر.. يضاف الى ذلك التغيرات المستمرة في الإقامة لكثرة اسفار زوجها وضغط الرحلات الطويلة والتي لم تعد للاستمتاع بل اصبحت مسؤوليات لعمل زوجها فكانت تضطر للسفر معه رغم انها لا تريد ذلك وكان عليها ان تكون مضيفة لحفلات عشاء لا تنتهي والتي عليها ان تتكفل بتنظيمها. أي عليها ان تتكيف ان تكون زوجة رجل مشهور بكل ما يتطلبه ذلك وبما يترتب عليه من تداعيات واثار …وهذا ما ذكره بعض اصدقاء تشارلز في رسائلهم التي اشادوا فيها وشكروا كاترين لدورها في اسفار زوجها …!

ومن الطبيعي من وجهة المؤرخين ان يؤدى ذلك لخلق احواء بالمنزل اقل من المثالية …

وقل من كتب عن تشارلز بشكل حيادي ليبدو على ما هو عليه كرجل حقيقي له عيوبه وبدلا من ذلك كتب عنه اما باعتباره شيطان أو نصف إله اعتمادا على ولاء الكاتب.

تقول الحفيدة ايضا ” اثناء كتابتي للسيرة الذاتية لحياة ابنتهم ” كيتى” توصلت لقناعة بأن حياتهما الزوجية انتهت لأسباب مفهومة ومنطقية فقد وقعا تحت وطأة ضغط مفرط وغير متوقع نتيجة لتسارع صعود نجم تشارلز ووصل لحدود من الشهرة والمجد لم يكن يتوقعها…بقدر ما كانت كاترين تتراجع الى الظل..

لم تكن كاترين كما اشيع عنها.. بل كانت امرأة شابة تحب المرح موهوبة ولكونها زوجة شخصية مشهورة عالميا فقد كانت تسافر باستمرار وعايشت أمورا كثيرة خلال ذلك لم تتح لغيرها من النساء بذلك الوقت وتلك الحالة الاجتماعية..

كانت هي وتشارلز من الممثلين الهواة التواقين لممارسة هوايتهما ولم تكن كاترين تقدم عروضا ببلدها بريطانيا وحسب بل قدمت عروضا على مسارح الولايات المتحدة وكندا على السواء.. ومن اعمالها أيضا انها ألفت وانجزت كتابا كان بعنوان ” ماذا ينبغي ان نتناول اليوم على العشاء؟! – What shall we have for dinner?!  ” تقول الحفيدة: – ” لقد اكتشفت حول هذا الكتاب أن الكثيرين بما فيهم أكاديميون مرموقين ينسبون هذا الكتاب إلى أنه كتب من قبل تشارلز ولا ذكر لاسم كاترين!! وفى هذا الرأي المتعال عن الاعتراف بنسبة الكتاب إليها ايحاء ضمني بأن كاترين لا تملك الذكاء الكافي لتأليف كتاب. ولكن من الشاذ أيضا الادعاء بأن تشارلز ألف الى جانب مؤلفاته كتابا كهذا باسم “مستعار لامرأة ” في وقت أجبرت فيه المؤلفات والكاتبات من النساء ان يكتبن بأسماء مستعارة رجالية لضمان نشر اعمالهن الأدبية.

كتاب ” كاترين – ماذا ينبغي ان تتناول اليوم على العشاء ” هو بمثابة دليل طبخ وفن الاتيكيت أكثر منه كتاب لوصفات طعام، اذ يقدم نصائح تتعلق بالمهمات المنزلية وتحضير قوائم طعام للعشاء تكفي من 2 حتى 20 شخص. وبالأساس كانت كاترين أول من يستحق لقب ” سيدة بيتون ” قبل عقد ونصف من نشر السيدة بيتون الحقيقية كتابها الشهير لوصفات الطعام والذي يعتبر في يومنا هذا رمزا مميزا في حد ذاته..

والمشاهير كغيرهم من البشر قد يحملون الجانب الطيب والعكس صحيح.. وقد لا نصدق احيانا قصص ومواقف قاسية أو معيبة يرتكبونها ولنتخيل انهم يقومون بها لكنهم يقومون بها بالفعل.. وهذا ما كان ايضا مع تشارلز ديكنز. . والوجه الآخر له …!

مما لا يعرف عن ” تشارلز ديكنز ” انه كان مهتما بإحدى اخوات كاترين -الصغرى وتدعى “مارى ” وقد دعاها للعيش معهم لفترة قصيرة بعد زواجه بفترة قصيرة ويعزى البعض ان ذلك ما لهمه لكتابه قصته ” The battle of life ” وقد ماتت ماري بعد اقامتها معهم بفترة قصيرة وحزن عليها تشارلز جدا ولسنوات طويلة وسميت احدى بناته على اسمها وقيل انه كان يرتدى خاتما يعود لها .وتعايشت كاترين مع طيف اختها والتي لم ترها انها كانت علاقة رومانسية او لم تشأ ان تراها مذلك …كما يرى البعض ..خلافا لعلاقته اللاحقة مع احدى النساء والتي قضت على زواجهما اذ كثرت مع نشوء تلك العلاقة المشاكل بينهما وبدت اكثر من واضحة في الرسائل التي كان يتبادلها كاترين وديكنز كل مع اسرته وأصدقائه الشخصيين

ومن الحقائق التي كشفت حديثا عن حقيقة الحياة بين تشارلز ديكنز وكاترين ما كشفته رسائل عثر عليها وموجودة حاليا ” محفوظة ” …من محاولة قيام تشارلز الزج وإدخال زوجته كاترين لمصح عقلي والادعاء بأنها مريضة ومختلة عقليا وذلك بالفترة التي  بدء فيها علاقته مع احدى الممثلات ..وقد وجدت هذه  الرسائل معروضة بأحد المزادات عام 2014 والتي عثر عليها البروفسور ” جون بوين ” -جامعة يورك وهو أكاديمي متخصص في قصص القرن التاسع عشر وبحسب تحليله لهذه الرسائل بحسب تسلسلها الزمنى  وجد انها كانت متداولة بين جار وصديق عائلة ديكنز  ويدعى ” Edward Dutton Cook وبين صحفي والتي استكشف فيها الاثنان علاقة ديكنز وانفصالهما من خلال مراسلات ” Cook ” مع كاترين وذلك بالسنة التي توفيت فيها أي عام 1897…

وبعد فرز الرسائل في ” Harvard theatre collection ” بكامبريدج وجد البروفسور ” Bowen ” الدليل الذي ينصف كاترين ويكون في صالحها ولتبديل الصورة المأخوذة عنها وهو

ما بينته الرسائل من ان تشارلز ديكنز اراد الزج بزوجته وادخالها مصح عقلي ” ليخلوا له الجو مع علاقته الجديدة وحاول اقناع طبيب كاترين على ان يشخص حالتها على انها غير سليمة عقليا الا ان ذلك لم ينجح وتم رفض طلبه …وكان ذلك بالفترة التي كانت له علاقة مع عشيقته الممثلة الشابة (كانت كما ذكر تصغره بعشرين عاما) وتدعى “ايلين تيرنان ” تلك العلاقة التي كانت السبب في انهاء زواجهما الذي دام 22 سنة …

بحسب الكاتبة ” Gladys Storey ” وكانت صديقة لابنة ديكنز الثالثة – kate -كيت ” فقد اخبرتها انها رات والدتها تبكي ذات مرة كما انه تم إرسال أسوارة خاصة لبيرنان على عنوان بيت كاترين بالخطأ. .لذلك اتهمت كاترين زوجها بانه على علاقة بتلك المرأة الممثلة ..وانكر تشارلز بانه على علاقة غير شرعية بتلك المرأة وانه معتاد دائما على ارسال هذا الى ممثليه وممثلاته المفضلين ( وكانت العلاقات خارج الزواج وقتها  فقا للقانون البريطاني الذى كان جديدا وقتها عام 1856 سببا موجبا للطلاق )..كما انه استخدم تلك الاتهامات كحجة لعدم قدرته على الاستمرار بالعيش مع زوجته ببيت واحد فاكتفى بالانفصال عنها داخل البيت اذ كان الطلاق  بتلك الفترة الفيكتورية غير مقبول اجتماعيا خصوصا انه شخصية عامة فلم يكن بوسعه ان يسمح لما يؤثر على سمعته اذ كان الطلاق وقتها بمثابة امر معيب او مهين ..الى ان حدث الطلاق قانونيا بالنهاية

وضمن مجموعة الرسائل التي كشف عنها مؤخرا والتي تم نشرها رسالة كتبها تشارلز إلى ” عميله-Agent ” وقت انفصاله عن زوجته ” بأن كاترين هي من اقترحت الانفصال وكتب أيضا انها تعاني من خلل عقلي يتملكها أحيانا “

تشارلز كان معروفا باهتمامه الكبير بزوجته بداية حياتهما وباستعمال عبارات محببة في مخاطبتها او عند تبادلهما الرسائل الا ان كل ذلك تغير عندما بدأت علاقته مع عشيقته آنذاك الممثلة ” Ellen Ternan ” لينفصل عن زوجته رسميا بنهاية المطاف..

وبموجب الطلاق والتوصل الى اتفاق مالي وقانوني بينهما أبقي ديكنز على حضانة اطفاله ” والتي تولت رعايتهم خالتهم” جورجينا ” اخت كاترين “عدا ابنته الكبرى التي بقيت مع والدتها….

عادت كاترين هوغارث بعد ذلك لحضور المسرح والعروض ولكن ليس بصفة زوجة الكاتب الشهير كما كانت.. ورغم ان اطفالها لم يمنعوا من زيارتها الا انهم كانوا يرونها قليلا حتى وفاة والدهم..

عند وفاة كاترين عام 1879 بسبب السرطان اعطت لابنتها “كيت ” عدة رسائل كان قد كتبها لها تشارلز في زمن سابق وذلك لكي تهبهم للمتحف البريطاني وليعلم العالم ان تشالز قد أحبها فعلا بفترة من الفترات.. حاليا تلك الرسائل مقسمة بين المتحف البريطاني والمكتبة العامة بنيويورك

اليوم يوجد بمتحف تشارلز ديكنز جزء واسمه ” ديكنز الاخر ” يعرض فيه صور ومقتنيات وأحد النسخ من كتاب كاترين هوغارث.. ومتاحة لزوار متحف تشارلز ديكنز في لندن -بريطانيا في يومنا هذا فرصة اكتشاف كل هذه الحقائق ومعرفة الكثير حول هذه المرأة النابضة بالحياة السريعة البديهة والمثيرة للاهتمام والتي تعبر عن (ديكنز الاخر).. وليست كما ظلت لعقود طويلة توصف بعكس ذلك..


مترجم بتصرف عن /

*- www.History uncovered. Com ..

*- Aleteia – English

*- ati.com

*- BBC .com

مقالات ذات علاقة

أنـفـاسـي

ميسون صالح

النُغّار

سعاد سالم

نور تروي لوعة الحياة ما قبل الرحيل

منى بن هيبة

اترك تعليق