سيرة

محاولة القبض على سيرتي الأدبية!؟ (57)

أن أضيع في (قروز) الذكرى..

الشاعرة حواء القمودي
الشاعرة حواء القمودي

سأستدعي من الذاكرة حكاية، ولكن أيّ حكاية يمكنها أن (تُقيم أودي)؟ وكيف السبيل للخروج من هذا المأزق الذي اسمه (العيش)؛ أحاول جادّة ولكن ذات حين يباغتني الحزن، فلا أجد إلاّ هذا الركام يحيط بي.

الجمعة الأخيرة من العام الهجري 1441، واليوم الرابع عشر من أغسطس 2020، كنت أحاول (الفرح) وأنا أجهز ديواني الثالث لكي يصدر قبل نهاية هذا العام، ولكن ها أنا أشعر بتواطؤ الحزن وشعور اللا جدوى.

إذا كيف أخرج من هذا المأزق؛ مأزق التكرار والبلادة والإحساس باللا جدوى؛ حين يخلو العيش من قيمة العطاء، تصير الايام مجرد دورة ايام، مجرد مضغ ساعات تتهرأ من نسيج الزمن؛ ولكن أحاول الخروج من قبضة هذي اللحظة، أن أواصل هذه المحاولة، ولا بأس حين يفيض كأس الوجع فأسكب بعض قطراته، وسأواصل الأمل.

وربما ما ملأ هذي الساعات جدوى هو قراءتي لروايتي الكاتبة “عائشة ابراهيم”؛ (قصيل وحرب الغزالة) والبارحة وعلى ضوء مصباح هاتفي قرأت رواية (سد هارتا / هيرمان هسه)؛ احببت كثيرا تلك الرحلة واعادت لنفسي انتعاشا افتقدته؛ ولكن كيف السبيل للتخلص من وسوسة (الوعي) والإحساس بكّم التفاهة المحيطة بنا؛ وهذا الشعور بالقرف من (هؤلاء) هؤلاء الذين لا يخجلون…؟؟؟

لن أعتذر عن هذي البداية الثقيلة لحلقة السيرة 57؛ وربما هي مجرد نفثة غضب أوجهها (لحواء)؛ ورغم هذا الغضب منها، هي تواصل البحث في (قرابيجها)، فتجد في حضن كراساتها ذكريات من لقاءات وحوارات ومتابعات؛ تجد بداية بعض قصائد وقصاصات جرائد لمواضيع شغفتها فاحتفظت بها؛ مراسلات رسمية أيضا ودعوات؛ إذا سأحاول اللحاق بهذه السيرة لعلّ وعسى.

حكاية صورة …

لست في مزاج الكتابة؛ بكيت كثيرا و قرأت رواية (الرجل الثرثار) لكاتب هندي اسمه “ر .ك. نارايان” تشاغلت وحاولت ولم تزدد الحالة إلاّ إرباكا وارتباكا؛ لو يا صديقاتي التقط صورة لفوضى تحيط بي….؛ ولكن وجدت صورا كنت احتجت لها في حلقات سابقة، وصورا من رحلة مدرسية وصورة السنة ثانية معهد مع صديقة، صورة وصورة وهكذا فكرت؛ لماذا لا أخرج من هذا المزاج العكر لأحكي حكاية هذه الصور، وخاصة إنها جميعا في عشرية الثمانينات؛ إذا لتكن محاولة للقبض على لحظة زمن التقطته (عين كاميرا).

الأستاذ حسني – الطالبة حواء القمودي

مثلا: هذه الصورة مع الأستاذ “حسني” والذي لم أكن طالبة عنده؛ فهو استاذ اللغة الانجليزية لقسم الأدبي، ولكن يحدث موقف ما فيتم التعارف؛ وهكذا في وجود (كاميرا) طلبت من صديقة التقاط هذه الصورة في ساحة المعهد، هو بكامل أناقته مع سيجارة في فمه، و”حواء” في نهاية العام الدراسي، والبنت “حواء” في الصورة تصلب يديها على صدرها وتنظر باتجاه من تلتقط الصورة، هل هي (هدى أم نجمية ام فوزية أو نعيمة ربما)؟ نسيت ولكن ظلت الصورة طوال عقود ثلاث في (البوم)؛ من عام لعام لأعوام وها أنا أنظر إليها وأبحث في تلك الظلال التي ظهرت على وجهي وفي تلك الحركة؛ يدان متصالبتان ونظرة، وأستاذ كريم هو الاستاذ “حسني” من مصر الشقيقة.

الصورة الثانية كانت في رحلة مدرسية؛ لا أتذكر المكان ولكن يبدو في الصورة مكتظا بأشجاره، والصورة ملتقطة بشكل غير متقن، فراغ كان يمكن استغلاله لتكون الصورة أوضح، واستاذي الرائع “محمد نصر” استاذ الرياضيات، وطبعا التفاضل والتكامل، الاحصاء والديناميكا، وسنوات ضاجة ورحلة للترويح، “فاطمة” وابنة استاذ كريم كان معنا في الرحلة، شقيقتي صديقتنا “نجمية” ثم محاولتي ان أظهر برأسي بينهما، وأتذكر شقيقتي وهي تجيء وتحاول ان تظهر في الصورة، حتما أنا الآن اضحك وأتساءل؛ لو وقفت يمينا وقدامي أختي الوحيدة (حيث ذاك الفراغ) ربما من التقطت صورتنا وجدت (كادرا) يظهرنا جميعنا، ثم الصورة كانت لأستاذنا فلماذا هذا الاكتظاظ، ولكن تظل ذكرى تجمعنا وتضحكنا و تحيلني إلى ذاك الزمن، حواء طالبة وهذا معلمها واستاذها وذكريات سنوات دراسية، وتعرفها على زوجته وابنته (دينا) في احتفال آخر عام دراسي، استاذها الذي حين سفره ولمعرفته بعلاقتها بالكتاب، أراد ان يهديها أعداد مجلة العربي التي بحوزته، بل وكل المكتبة؛ ولكن وكما تقول اغنية “مارسيل خليفة”:

في الأفق عصافير معادية
في الأفق طيور سود ….

اعتذرت من استاذها والذي جلب لها كتابا عن تاريخ الدولة الإسلامية، وظلت هذه الصورة (العجيبة) التي يظهر على يسارها ناظرا لأحد طالباته تلتقط هذه الذكرى.

وفي ذات الرحلة…

كانت هذه الصورة مع استاذي في الصف (الثاني إعدادي) في مادة الجغرافيا، والذي من الحصة الأولى واجهته بسؤال عن (لماذا لا نستفيد من ثروة النفط؟) بعد أن شرح لنا درسا عن هذه (الذهب الأسود)؛ لماذا نبدأ من اول الخطوات لنستفيد من منجزات الحضارة التي سبقونا إليها فاخترعوا ومهدوا الطريق للبشرية؟ وأشهد كيف ظلّ يشرح بتمهل، وانا اناقشه مناقضة: علاش نطولوا الطريق؟ كل شي جاهز، وهو يفهمني إن الثروة الحقيقية هي (البشر) ويجب أن نعد الكوادر وووو، ياااااه يا “حواء”، في هذه الرحلة التي شارك بها هذا الأستاذ الكريم “محمد العالم” رحمه الله، طلبت من صديقتي أن تلتقط لنا هذه الصورة مع ابنته الجميلة، أمّا الطفلة التي معنا فقد نسيت من هي؟ ولكن تظل هذه الذكرى التي هي لحظة زمن.

وأستاذ “وليم” أيضا … استاذ مادة الكيمياء، يشرح درسا على السبورة في المعمل ونحن متحلقات ومنكبات نسجل في كراساتنا ما يكتب.

أمّا هذه الصورة؛ فهي تظهرني مع صديقتي الأثيرة (فوزية …) في الصف (الثاني معهد) وقد سمحت لنفسي بنشر هذه الصورة لأنها لا تظهر وجهها، هي في ساحة معهدنا قبل فرض (العسكرية) وأنا في معطفي الأكحل الطويل، وهي في معطفها (البيج) اقدم لها وردة (ربما البقرعون) ونتظاهر بالانهماك في حديث وصديقة لنا تلتقط هذه الصورة؛ والملاحظة التي انتبهت لها، هو سور المعهد الذي قاموا بإعلائه. كي لا يتمكن (الأولاد المشاغبون) من تسلقه والنظر إلى طالبات المعهد؛ كان هذا في عام 1980م، وسأفارق صديقاتي في العام التالي حين فرضت الإدارة العسكرية و توقفت عن الدراسة، وهكذا حين اعود بعد عام تكون زميلاتي بالسنة النهائية، وستدرس معي شقيقة صديقتي واسمها “الزهراء” وسأحظى بصداقات ونعيش تلك السنوات بشغف، وتظل الذكريات مفعمة والصورة ذكرى تخبرني عن ذاك الزمن

وجدتها …وأيضا وجدتها …

هكذا تفاجأت بظهور صورتي مع الشاعر التونسي “آدم فتحي”، والذي تحدثت عن تعرفي عليه من خلال برنامج (من البريد إلى الأثير) حيث كان المذيع المتميز “عبد الكريم قطاطة” معدّ ومقدم هذا البرنامج من إذاعة صفاقس، كان عالما يفيض بالشعر والنغم والتجوال عبر رسائل صديقات البرنامج، وسأسمع “الزين الصافي” وهو يتغني بكلمات الشاعر “آدم فتحي”، وووو تمر السنوات حتى عام 1988، ليكون الشاعر “آدم فتحي” في طرابلس وليحدثني الشاعر “احمد الشريف”، الذي تعرفت عليه في رحاب قسم اللغة العربية بكلية التربية، يحدثني عن نشاط ثقافي ويذكر اسم هذا الشاعر فأكتب رسالة له ليأخذها إليه، وأظنني أرسلت معه مذكرة صغيرة نالت حظوة الكتابة بها، وأمّا اللقاء به فكان في شهر أكتوبر من ذات العام 88، وكانت هذه الصورة، اتذكر الشاعر “أحمد الشريف” ولكن …، هل التقيت الشاعرة “خديجة” في هذا النشاط والذي نسيت ما هو، …. غريب جدا كيف غابت هذه التفاصيل.

ما اتذكره هو حظوة تلك المذكرة بكتابة اخرى بخط الشاعر “آدم فتحي” خطه الجميل، وهذه الصورة التي كانت (عين كاميرا) صديقتي جميلة هي للتي التقطتها واحتفظت بها كي تظل (ذكرى تدق) ولكن تدق في ذاكرتي محاولة البحث عن تفاصيل أكثر وثوقية… ولكن لأبتهج بهذه الذكريات التي مثل النص الإبداعي (يقبض) على مشاعر وتفاصيل إنسانية، تنتهي المشاعر وتغيب التفاصيل ولكن يظل النص الإبداعي شاهدا عليها ومؤبدا لها … كما هذه الصور شاهدة على لحظات مفعمة وتلك البنت (حواء) تحاول أن (تقبض) على تلك (الحرية).

الشاعر باوول شاول في طرابلس..

هذه الصورة من جعبة العام المتميز 1988م؛ وتحديدا في شهر نوفمبر و المؤتمر السادس عشر (كتبت عنه سابقا) لاتحاد الكتاب العرب كما أظن؛ ومن الضيوف كان الشاعر اللبناني “بول شاول” و هذه الصورة اثناء جلسة في (فندق باب البحر) حيث مكان إقامة الضيوف، مع صديقنا أحمد الفيتوري وآخرين، شاعر حداثوي فلن تكون اللقطة إلا تعبيرا عنه حيث (السيجارة) في الفم وجزء من (الجاكيت) بإهمال على الكتف ونظرة مفعمة بالثقة، بينما كنت وصديقتي “جميلة” كما يبدو نتجهز للقطة فكان أن ظهرنا بعينين مغمضتين؛ ولكن المهم أن ثمة صورة جمعتني مع الشاعر في طرابلس ليبيا عام الحرية 1988م.

مقالات ذات علاقة

من امي احببت القراءة…

ليلى النيهوم

للتاريخ فقط (20)

عبدالحميد بطاو

للتاريخ فقط (10)

عبدالحميد بطاو

اترك تعليق