في أحد أيام يونيو منذ عشرين عام، كانت كنيسة نوتردام هي أول ما رغبت في زيارته عند وصولي إلى باريس ليس لشيء وإنما لاقترانها في ذاكرتي بروايات هوغو التي كان لها الأثر على هشاشة إحساسي وثراء مخيلتي؛ فقد رافقتني شخوص رواياته طويلًا حتى شعرت بهم وحفظت كلماتهم وشاركتهم حياتهم….
عندما دخلت إلى هناك شعرت بعبق المكان والزمان، رأيت وجوهم وكأنهم أحياء يتجولون في أركانها بأزياء تلك العصور الباروكية؛ ورغم الزحام الشديد لم أكن أرى سوى أبطال الرواية يتحركون على الجدران الصامتة المثقلة بالتاريخ، دخلت في ممر طويل أخذني إلى فناء الكنيسة وهناك رأيت الأزميرالدا وهي ترقص بفستانها الغجري الفضفاض ذو الألوان الكثيرة وقطع الخرز الصفراء التي تحيط بفستانها تعكس شعاع الشمس على وجهها وكأن الشمس تشرق منها وشعرها يتمايل معها في رقصة مجنونة تمنيت أن أشاركها جنونها، رفعت رأسي إلى الاعلى لأرى الأحدب (كوازيمود) ينظر بشغف إلى حبيبته بعينه الوحيدة ثم يلتفت خلفة ليقرع ذلك الجرس العملاق الذي أفقده سمعه….
عندها سمعت صوت ينادي باسمي ليعيدني من العصور الوسطى وقصة الأحدب إلى الشعور بالعطش والجوع فقد كان الجو حاراً في هذا الوقت من الشهر وكان الزحام شديد أمام كاتدرائية نوتردام العريقة، شققت طريقي وخرجت من هناك ولكن عاقني نزول سرب من الحمام من أبراج الكنيسة ورغم أنه لم يكن معي حبوب لأطعمها إلا إن بعض الحمامات حطت على كتفي وكأنها أرادت أن نأخذ معاً صورة مع تلك الأطياف التي رافقتني وأثثت مخيلتي..
عندما سمعت بحريقها شعرت بحنين لتلك الرواية التي قراءتها وأنا مراهقة عشت تفاصيلها وغموضها، عرفت فيها أن التضحية رسائل حب كتبت بصمت وأن الروح قد تحمل كل الجمال رغم الألم وتشوه الجسد.
من ذاكرة الفيس 2019