• لا أحد يختلف معي في أن صورة الأدب الشعبي تعبر عن مشاعر وأحاسيس ووجدان الشعب ، وتعكس ما يمثل تفكيره واتجاهاته الحضارية .. فلو قرأناه من الداخل وفهمنا ثمراته بحرية ذهنية ولم نقيده بمفاهيم قاصرة لوجدنا فيه ما يُبهت عقولنا ويأسر قلوبنا ..
• المشكلة أن تراثنا يفتقر إلى التدوين .. ربما لعدم فهمنا له .. وربما لصعوبة كتابته بلهجتنا العامية .. ورب ثالثة لقصور الوصول إلى المصادر الأصلية للتراث .. فيما يظل الأدب الشعبي – شئنا أم أبينا – المخزون الذي زود ثقافتنا بأشكال لم تكن تخالف أشكال الأدب الحق بمختلف فروعه من شعر وغناء وزجل .. ولا أجد حرجاً إذا ما قلت :إن أدبنا الشعبي سبق الأدب العالمي بخطوات واسعة في مجال القصة القصيرة وبعض ألوانه الحديثة .. بل وبمراحل متقدمة جداً !! ومن لا يوافقني على ذلك عليه أن يفسر معنى الحكاية في المجرودة .. والحدوثة في الطبيلة .. والقصة القصيرة المختزلة بألفاظ منتقاة وكلمات محدودة فيما يعرف اليوم بالقصة الومضة في ” غناوة العلم ” ..
• على ذكر “غناوة العلم” .. مخزوننا التراثي يسجل غناوة علم لخصت موقفاً تاريخياً وأشارت برمزية مغرقة ولغة غاية في الاختزال والاختصار لا يفهمها غير أولئك الذين غاصوا في مدلولات الأدب الشعبي فأنقذت الشعب الليبي من مؤامرة يحيكها العدو الإيطالي لسكان منطقة “مراوة ” بعد أن تم الاتفاق بين المجاهدين والإيطاليين بما يعرف بهدنة ” دور الدقيق ” لإيقاف نزيف الحرب وإحلال السلام ريثما يعيد الجند المستعمر تنظيم صفوفه في حين كان الفاشستيون ينتظرون بزوغ الفجر للانقضاض على كل رجال المقاومة خلال تلك المنطقة وفي غفلة منهم .. ولما كان الجيش الإيطالي يضم بين فصائله بعضاً من الليبيين المجندين قهرا وجوعاً ولظروف مختلفة .. علم احدهم بطريقة أو بأخرى بالمكيدة وأطلع على خيوط المؤامرة لإبادة القادرين على حمل السلاح .. فما كان منه إلا أن شدا بغناوة تصحبها نبرة حزينة وحذرة قائلا: (الجار ما يخون جاره وأحنا جارنا خاينينه)
• موهماً الإيطاليين بمقدار البهجة احتفالاً بعقد الهدنة ، لكنه في ذات الوقت منبهاً المجاهدين إلى خطورة الوضع من خيانة وسوء نية ونقض للعهد من الجانب الإيطالي .. فقد كانت المنطقة مسرحاً لعمليات حربية أزعجت المستعمر .. ولهذا أقام الطليان حامية ” مراوة ” نظراً لأهمية موقعها الذي جعلها من المراكز المهمة التي نشطت حولها حركة الكفاح المقدس ، فقام المجاهدون بشن عدة هجمات على مواقع الأعداء وقطع خطوط مواصلاته وإمداداته .. وغدت المناطق المجاورة أماكن لتجمع المجاهدين وقواعد ينطلقون منها ، فأزعجت العمليات المتوالية جنرالات روما العظماء ..
• غناوة علم رواها لي أحد شياب قريتي المليئة بالحكايات الفاخرة ..
• ” غناوة علم ” من ست كلمات أوقدت النار تحت أقدام الإيطاليين وأسهمت في حماية أرواح العزل من السحق والإبادة ولم تستطع قوة إيطاليا العملاقة آنذاك أن تتغلب على الموقف حتى باستخدام الطيران ..
• “غناوة علم” كان لها التأثير القوي لمجابهة الطغاة .. يا لها من غناوة مقاتلة !!
• (الجار ما يخون جاره واحنا جارنا خاينينه ).
المنشور السابق
المنشور التالي
- تعليقات
- تعليقات فيسبوك