بقلم: منى عساف*
بدعوة من جمعية التضامن الخيرية ومكتبة عبد الله بن عباس وضمن برنامجها للنشاطات الثقافية التي تعزز من وعي الطلبة وارتباطهم بوطنهم وتراثهم وتاريخهم، استضافت المكتبة يوم الخميس 6/12/2018 الكاتب والإعلامي زياد جيوسي لتقديم محاضرة حول ذاكرة المكان، وبحضور طلاب من المدرسة الإسلامية ومدير المدرسة الأستاذ طلب ذوقان وعدد من المدرسين، وقد حضر المحاضرة الدكتور علاء مقبول رئيس جمعية التضامن الخيرية إضافة للسيدة ختام الجوهري رئيسة المكتبة والسيدة سعاد حجاوي عضو الهيئة الإدارية للجمعية والأستاذ علاء فضة مدير المكتبة، والناشطة جهاد قمحية والتي سبق أن رافقت الأستاذ زياد في جولات في نابلس لتوثيقها بقلمه وعدسته وقد تولت التصوير للمحاضرة بعدسة الكاتب بابداع واحتراف، وبحضور عدد كبير من الضيوف الذين حضروا ومنهم الأستاذ سامح سمحة والسيدة عبير الشكعة مديرة المكتبة السابقة والسيدة دعاء عاشور تفاحة من مؤسسة الشهيد ظافر المصري، والذين حرصوا رغم سوء الأحوال الجوية أن لا يغيبوا عن المحاضرة.
رغم المنخفض الجوي العميق الذي وصل لمنطقة شمال الضفة ليلة الخميس وكثافة الأمطار وتكوّن السيول، حرص الأستاذ زياد رغم أنه حضر من قريته جيوس البعيدة عن نابلس أن لا يتأخر أو يستنكف عن الحضور، فقد كان شعاره دوما: “شعب بلا ذاكرة، شعب يسهل شطبه، وشعبنا عصيٌّ على الشطب، وفلسطين الكنعانية يجب أن تبقى حاضرةً تاريخاً وجغرافيةً في عقول وقلوب شعبها بدون استثناء، وإن التراث مهم وأساس من باب أنه تاريخي توثيقي، وليس تقديسياً”، وبعد أن رحب به وقدمه للحضور الأستاذ علاء فضة مدير المكتبة، تحدث عن أهمية التراث وضرورة المحافظة عليه لأنه هوية لشعب عريق، فحضارة فلسطين بدأت منذ أن ضرب كنعان الأول، أول ضربة معول وبنا مدينة أريحا قبل عشرة آلاف وخمسمائة عام، والممالك الكنعانية كان لها دور كبير في تاريخ المنطقة، وعلى جدران معبد الكرنك في مصر توثيق للعلاقة التجارية بين الفراعنة وبين فلسطين.
اختار الكاتب أنموذجين للحديث عنهما: بلدة كفر زيباد وهي من بلدات طولكرم وقصر النابلسي في عسكر البلد في نابلس، وفي حديثه عن البلدة التراثية في نابلس قال وهو يشرح ما يقوله على الصور التي يقوم بعرضها على الشاشة: “البلدة التراثية تضم ما يزيد عن 60 بيتا كانت مأهولة فيما مضى ولم يعد مأهولاً ومستخدماً منها إلا القليل، ومعظم البيوت كانت متصلة ببعضها على نظام الأحواش، والبعض منها مستقلّ عما حوله، ومعظم بيوت كَفر زيباد القديمة كانت مبنية على نظام العقود المتصالبة التي تعلوها قباب تمنع تجمع المياه على الأسطح، ولفت نظري أن معظم البيوت كانت من طابق واحد، وهذا يدلل على التقاليد وطبيعة القرية التقليدية، ولم نجد بيوت من أكثر من طابق إلا أربعة بني فوقهما ما نسميه (العِلّيّة) وهو طابق ثاني له استقلاليته وفي الغالب كان يستخدم لاستقبال الضيوف، وهي علّيّات آل السالم وعلّيّة رشيد غنايم وعلّيّة أم عباس وعلّيّة العبد الداود، وقد لاحظت أن علّيّة آل السالم وعلّيّات أخرى بنيت فوق المبنى الأصلي في فترة لاحقة عن البناء السفلي الذي بني على نظام العقود المتصالبة، فحجارتها تختلف عن المبنى تحتها وسقف العلّيّة مستوٍ وليس محدّب مبني على نظام السقف بالدوامر المعدنية”.
وتحدث عن الفرن وهو الوحيد المبني على نظام العقود نصف البرميلية وعن تفاصيل البيوت التراثية المستديمة من الداخل، كما تحدث عن المسجد القديم وقال: “المسجد القديم في البلدة والذي خضع لترميمات خارجية خرّبت المشهد الجمالي له، مبني على نظام العقود المتصالبة وأعمدة تقوم عليها العقود، وجدران سميكة تكاد تصل إلى مترين، وتاريخ هذا المسجد غير محدد بدقة وهناك روايتين عن تاريخه، فبعض المصادر تقول انه من المساجد القديمة التي عرفت باسم المساجد العمرية وجرى تحويله إلى كنيسة في عهد الاحتلال الصليبي، ومن ثم تمت إعادته إلى مسجد بعد طرد الصليبيين من فلسطين، ورواية تقول أنه بني أصلا على بقايا كنيسة بيزنطية وأصبح من المساجد العمرية وهذا ما أرجحه”.
وحول قصر النابلسي وصف كل أنحاء القصر بالكامل مع الصور لكل زواياه وهو قصر تراثي مهمل وقال ضمن حديثه: “القصر الذي لعب الإهمال والزمن أثره عليه إضافة للعوامل الجوية، وكان وصولنا من المدخل الخلفي حيث واجهنا العلّيّة أمامنا والتي يصعد إليها درج حجري من الحديقة الخلفية المهملة، ونزلنا يمينا على بقايا درج دمر وتحول لكومات من الأتربة التي دفنت أجزاء من المدخل الخلفي، حيث دخلنا من هناك إلى ردهة واسعة في الدور الثالث من البناء المكون من 3 أدوار إضافة للعلّيّة، ومن خلال هذه الردهة الواسعة كانت هناك مجموعة من الغرف على الجانبين، والبيت بأكمله مبنيّ على نظام العقود المتصالبة بإتقان رهيب، والحجر الخارجي للبناء من الحجر السلطاني الصلب والمتميز، وكل غرفة إضافة للنوافذ الخارجية القوسيّة والطوليّة والمزوّدة بأشباك الحماية الحلبية، يوجد بها في الجدران السميكة فجوات للاستخدام اليومي تحتوي على عدة رفوف خشبية أو لحفظ المواد، إضافة لما كنا نسميه “المصفت” ويوضع به الفراش والألحفة والوسائد بعد الاستخدام، وأبوابها أيضا ذات أقواس من الأعلى والأبواب من الخشب المتين.
عبر بوابة خشبية كانت تغلق من الداخل بالعوارض المعدنية نزلنا باتجاه الطابق الأسفل، وفي نهاية الدرج الأول كانت هناك مساحة أخرى مبنيّة ومستقلة، وفوقها قسم مواجه لمبنى العلّيّة، وهذه المساحة أمامها قطعة من الأرض التي كانت مزروعة ومطلة على السهل، وهي ملتصقة بالبناء مع القصر بشكل جانبي لاستغلال المساحة وزيادة حجم ومساحة البناء، وأيضا هذا الملحق مبني على نظام العقود المتصالبة، الطابق الذي تحته وهو الطابق الأساس حيث يصعد إليه من الشارع السفلي درج حجري مرتفع، وهو فعليا قاعدة القصر ومبني على نظام العقود المتصالبة الضخمة وقد تعرض إلى تخريب كبير، وحسبما أفادني السيد نياز فهناك من يظنون أن الذهب مدفون فيه فخربوه بحثا عن أوهام، حتى أن وزارة السياحة والآثار وبناء على معلومات غير دقيقة قامت بالنبش والحفر وتركت الأتربة مكومة دون إعادة أو صيانة، ولم يدرك أحد أن الذهب الفعلي في ترميم هذا القصر وجعله قبلة للزوار والسائحين.
وهذا الطابق يظهر أنه كان مستخدما كمكان استقبال للضيوف والزوار ويستدل على ذلك من مساحاته الواسعة، وأيضا نوافذه الكبيرة إضافة لوجود موقد تدفئة بالجدار، وبعدها تجولنا في الطابق الذي تحته ويظهر أنه كان مستخدما مخازن للتخزين، ومن الحديقة كانت هناك عدة غرف وكأنها تسوية ربما كانت تستخدم أثناء الجلوس في البستان أو لحفظ المنتجات وأدوات الزراعة”.
وبعد نهاية المحاضرة الموثقة بالصور فتح باب النقاش مع الحضور وكان نقاشا ايجابيا، وقال أحد الطلبة أنه يعرف كل أماكن نابلس القديمة التراثية ولكنه لأول مرة يعرف عن قصر النابلسي، وأكد أنه سيعمل على زيارته والتعرف عليه، وقد أشاد الحضور بمداخلاتهم بالمحاضرة وكم المعلومات التي استفادوها، وتقدم الأستاذ زياد بكلمة ختامية أكد فيها على دور التراث المهم باعتباره أحد حوافز التغيير والمقاومة وشكر الجمعية والمكتبة والمدرسة والقائمين على هذه الجهود على حسن الاستقبال والتنظيم، وألقى الأستاذ علاء فضة مدير المكتبة كلمة شكر فيها الكاتب على زيارته رغم سوء الأحوال الجوية وعلى المحاضرة القيمة التي قدمها، ثم تحدث الدكتور علاء مقبول رئيس جمعية التضامن الخيرية وشكر الأستاذ زياد جيوسي وقال أنه سعيد بالتعرف إليه والاستماع لهذه المحاضرة والمعلومات الثرية، وقدم باسم الجمعية درع من خشب الزيتون تكريما لجهود الكاتب من أجل التراث والوطن ودعم المسيرة التعليمية.
وبعدها أصرت السيدة سعاد حجاوي عضو الهيئة الإدارية للجمعية على دعوة الكاتب والضيوف لتناول الكنافة النابلسية الشهيرة وحلويات أخرى في ضاحية رفيديا قائلة: من يزر نابلس بدون أن يأكل من كنافتها وكأنه لم يزرها.
* اعلامية من فلسطين