المقالة

السير الذاتية وأهميتها في كتابة التاريخ

لا يختلف عاقلان حول الأهمية التي تحظى بها كتب السير الذاتية والمذكرات الشخصية سواء التي يكتبها سياسيون محترفون أو شخصيات أدبية مرموقة أو إعلامية أو رياضية أو غيرهم، من مختلف التخصصات المهنية الحياتية المختلفة على وجه العموم.
وباختصار، نأمل ألا يكون مُخلاً، يمكن القول إن القليل من هذه الكتب والمذكرات يحظى بأهمية ملحوظة، بل وقد يكون ممتعاً ومشوقاً، وإن العديد منها ممل ولا يتعدى أن يكون مضيعة للوقت والمال.

الفرق يتوقف على العديد من العناصر ليس أهمها – في رأيي الشخصي – مكانة صاحبها وما تقلده من مناصب أو ما قدّمه من أعمال أو خوارق وما جمع من أموال وممتلكات أو عدد السنين التي قضاها في المنافي أو السجون أو ما ألف من كتب، بل في درجة اقترابه من الأمانة الموضوعية والصدق، لكي تنال شهادته مصداقيتها تاريخياً، وفي قدرته على تجنب الوقوع في مطب تضخيم الذات من خلال طمس حقائق وإخفاء حوادث وتجاهل لاعبين آخرين أو التقليل من شأنهم وشأن أدوارهم.

كنتُ وما زلتُ من الحريصين على اقتناء كتب السير الذاتية والمذكرات التي يكتبها أدباء وصحافيون مرموقون، وأذكر أنني حين بدأت دراستي الجامعية متخصصاً في علم السياسة والعلاقات الدولية انتقل اهتمامي لاقتناء السير الذاتية والمذكرات الشخصية لرجال السياسة. وأعترف أني مدين للعديد من تلك الكتب التي قرأتها في تمكّني من الإحاطة بكثير من القضايا الأدبية والثقافية والسياسية التي كانت محط اهتمامي. وكنتُ، من حين لآخر، لدى تجوالي بالمكتبات العربية في لندن، أعثر على كتب كتبها سياسيون عرب، فأسارع باقتنائها وقراءتها. وسعدتُ جداً حين بعث لي صديق بكتابين نشرهما اثنان ممن تولوا رئاسة الحكومة في العهد الملكي بليبيا في فترتين زمنيتين متقاربتين، وهما على التوالي مصطفى بن حليم ومحمد عثمان الصيد.

عقب قيام انتفاضة فبراير (شباط) وسقوط نظام القذافي في عام 2011، دُعيتُ للمشاركة في معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 2012 ضمن قائمة ضمت العديد من الكتّاب الليبيين، وشُرفت بأنني كنت واحداً من أربعة سجناء رأي سابقين ضمتهم ندوة تحدثوا فيها عن تجاربهم السجنية، تلاها حوار مفتوح مع الجمهور. وأذكر أنني خلال إحدى المداخلات تعرضت لأهمية توثيق تجربة السجن، مرحّباً بقيام بعض من سجناء الرأي الليبيين بتوثيق تجاربهم السجنية ونشرها، كاشفين بذلك اللثام عن الكثير من الخفايا والأسرار، سواء المتعلقة بالنشاط السياسي الحزبي في ليبيا والذي كان محظوراً بقانون، أو بما كان يدور في تلك السجون من تعذيب وقمع للروح الإنسانية المقاومة للعسف، معتبراً أن صدور تلك الكتب يمثل نقلة نوعية في وعي سجناء الرأي الليبيين في عهد القذافي، مقارنة بزملائهم الذين تعرضوا لمحنة السجن في العهد الملكي السابق، ولم يبادروا إلى توثيقها بالنشر.

وبالطبع، فإنني كسجين رأي سابق، كان، وما زال، يهمني الاطلاع على ما كتبه وما سيكتبه لاحقاً سجناء رأي آخرون حول تجاربهم السجنية، وترتب على ذلك أنني قرأت تقريباً كل ما وقعت عليه يداي، سواء أكان منشوراً في كتب، أو على صفحات شبكة المعلومات الدولية. ونظراً لأنني لم أتمكن حتى يومنا هذا من توثيق ونشر تجربتي الشخصية في السجن لسببين؛ أولهما لأن الوهن أعترى ذاكرتي، وثانيهما لأن تذكر تلك السنوات المُرة حالياً ثم تجشم عناء توثيقها ونشرها أمر لا طاقة لي به نفسياً، ويسبب لي الكثير جداً من الألم، لذلك فإنني ممتن جداً لكل أولئك الذين تحملوا عبء تذكر سنوات جمرهم في سجون بلادهم وتسجيلها لتكون جزءاً مهماً من مدونة تاريخ التطور السياسي لبلادنا وتوثيقاً لنضال الشعب الليبي في سبيل نيل حريته وتأسيس دولة القانون والمساواة والعيش بكرامة، في وطن يتسع لجميع أبنائه باختلافاتهم وبهم رؤوف حنون.

____________________

نشر بصحيفة الشرق الأوسط.

مقالات ذات علاقة

بين نساء الصعيد وطرابلس

المشرف العام

فقدان

يوسف الشريف

لماذا منع هذا الكتاب من النشر

سعيد العريبي

اترك تعليق