محمد بالطيب
“عشر سنوات في طرابلس” كتاب ضخم في أكثر من 600 صفحة ترجمه عالم الاجتماع العراقي عبد الجليل الطاهر، عن مذكرات لقريبة السفير البريطاني في ليبيا في العهد القرماني وتدعى “الآنسة توللي” .
ويتضمن الكتاب “المذكرات الأصلية والقصص النادرة عن الباشا الوالي القرماني في طرابلس وأفراد عائلته وبعض الوجهاء والأشراف ووصفا للعادات والأخلاق والتقاليد المحليّة للعرب والبربر والأتراك” (ص 5) .
وعاشت “الآنسة توللي” في ليبيا من العام 1783 الى العام 1793 وهو العقد الذي قدمت فيه صحبة أخيها القنصل ريتشارد توللي الذي اصطحبها معه بهدف تدوين كل “ما تلحظه عيناها وتسمع أذنها من أحداث ووقائع”، حيث علّق الدكتور عبد الجليل الظاهر في مقدّمة ترجمته للكتاب بأنّه يعتبر “دراسة أنثروبولوجية-إجتماعية أفادت كثيرا في الإطار التاريخي”.
ويعتبر الكتاب في تنوّعه وبساطة أسلوبه واحد من أهم الوثائق الأنثروبولوجية عن ليبيا في تلك الفترة، حيث روت السيدة البريطانية تفاصيل رحلتها بداية من وصولها عبر ميناء طرابس إلى كل المشاهد والتفاصيل والأحداث التي عايشتها خلال حياتها في ليبيا. كما روت عديد القصص ورصدت العديد من المظاهر الاجتماعية والحياتية في المجتمع الليبي في ذلك الوقت. حيث يمثل الكتاب بأسلوب بسيط و”بدائي” مادة خام لاكتشاف تركيبة المجتمع في تلك الفترة وتنوعه وثرائه ونوع العلاقات الاجتماعية والسياسية والأنماط الاقتصادية القائمة وطبيعة الحياة في ليبيا في ذلك العهد.
ومترجم الكتاب هو رائد علم الإجتماع العراقي الدكتور عبد الجليل الطاهر، مؤسس علم الاجتماع بالجامعة العراقية صحبة العلم الكبير والرائد العربي في هذا المجال الدكتور علي الوردي.
ويعتبر الطاهر من رواد علم الاجتماع لا في العراق فقط بل في العالم العربي كاملا، حيث درس في السوربون وفي أمريكا منذ منتصف القرن الماضي (الدكتوراه من جامعة شيكاغو عام 1952) ليعود إلى بلاده أستاذا ومنكبا على تأسيس بية تحتية أكاديمية لعلم الاجتماع وينشر العديد من الكتب والدراسات حول المجتمع العراقي وبنيته العشائريّة.
عبد الجليل الطاهر الذي درّس كذلك في الجامعة الليبية في ستينات القرن الماضي، كتب أيضًا عن ليبيا ومجتمعها، فبخلاف ترجمته لكتاب الآنسة توللي سالف الذّكر، فقد كتب الطاهر كتابا عنوانه “المجتمع الليبي دراسة اجتماعية وأنثروبولوجية” والصادر في بيروت في العام 1969.
ويعتبر هذا الكتاب الأخير مرجعا مهما لكل الدراسات الاجتماعية والسياسية التي تناولت المجتمع الليبي خلال القرن الماضي، ويعود إليه معظم الباحثين والدراسات الأكاديميّة المختصة في هذا المجال.
_________________