جاري رائد طيار عمودي أحمد الجرنازي أخبرني يوماً عما جرى بينه وبين مدربه البولندي حينما كانا معاً في طائرتهما يحومان فوق بحر شاسع من الرمال الليبية، صديقي أحمد حاول أن يُفهم مدربه بأننا ناس طيبين يمكننا امتشاق السماء والصعاب مثل باقي البشر، غير أن سبب تخلفنا هو هذه الصحراء، ماذا كان رد مدربه؟ كان رداً بسيطاً مختصراً اعتمد أساساً على سبابته، أجابه: الصحراء ليست هنا، وأشار بسبابته إلى نافذة طائرتهما أسفل رجليه، ثم أكمل: بل هنا! وأشار إلى رأسه!
الفكرة هي أن الإنسان يجب أن يكون قائد الأرض ومدير مواردها لا أن تتحكم هي فيه! فكيف نعاني من شُح في الطاقة الكهربية وأرضنا تضربها الطاقة الشمسية صباح مساء مجاناً لساعات متواصلة يومياً؟ العجيب أن أكثر بقعتين على الكرة الأرضية استقبالاً للطاقة الشمسية يومياً واحدة في وسط الجزائر، وواحدة وسطنا بين الكفرة وفزان! أليس من السخرية أن يكون لدى ولاية الثلج الأمريكية (ألاسكا) شركات عديدة تستثمر الطاقة الشمسية وتبيعها في الداخل والخارج، بينما نعاني نحن من أزمات كهربية خانقة؟ كيف أنشأنا قسم لهندسة الطاقة النووية بجامعة طرابلس (وأنا أحد خريجيه!) قبل أن نُنشئ قسماً لهندسة الطاقة الشمسية؟
يمكن أن نكون تلافينا هذا الخطأ بإنشاء مركز لدراسات وأبحاث الصحراء في عاصمة صحرائنا التاريخية مدينة مرزق، ومركزاً آخر لبحوث الطاقة الشمسية في تاجورا شرق طرابلس، غير أن هذيْن المركزيْن يعانيان كغيرهما من إهمال كبير يمنعهما من أن يقدما حلولاً لمآسي تنميتنا الوطنية، أتذكر إحدى خبيراته أخبرتني في مؤتمر علمي أن صناعة الخلايا التي تحول الأشعة الشمسية مباشرة إلى كهرباء بحاجة إلى بلورات سيليكون عالية النقاوة باهظة الكلفة، غير أنها متوفرة نقية جاهزة للتصنيع في رمال صحرائنا الليبية! يعني غير أُغرف وارفع!
بل يمكن استثمار ضربات الشمس بدون هذه الخلايا! إذ يمكن للمرايا العادية إنتاج طاقة كهربية هائلة يمكن تصديرها إلى أوروبا عبر كابل يُمد في قاع المتوسط مثلما هو كابل الاتصالات الهاتفية الممتد بيننا الآن.
على أي حال سبقتنا المملكة المغربية في هذا! فرغم أن صحراءنا أكبر بكثير من صحرائها، افتتح مليكها في 4 فبراير2016 محطة جديدة لتوليد الكهرباء بالطاقة الشمسية «نور1» ضمن مشروع «نور- ورزازات» الذي يُعد الآن أكبر محطة لإنتاج الطاقة الشمسية في العالم! وبعد الانتهاء من محطاته الأخرى مع سنة 2020 (نور2، و3، و4) يمكن لهذا المشروع أن يغطي 42% (أي النصف تقريباً) من احتياجات المغرب من الكهرباء! حيث تَجْمع هذه المحطة أشعة الشمس بواسطة مرايا لتسخين أنابيب تجري فيها ماء لتحويلها إلى بخار يُوَجَّه إلى مراوح مولدات كهربية مثل تلك التي تولد الكهرباء في محطات الكهرباء الأخرى فيتولد الكهرباء بدورانها.
أخبرني صديق عزيز يقيم منذ عقود في أوروبا أنه كان هناك بالفعل مشروع دولي طموح تقدم به الاتحاد الأوروبي إلى ليبيا لإنتاج الطاقة الشمسية من صحرائنا وتصديرها إليه قبل هذا المشروع المغربي، سيقومون هم بإنشائه ومد كابله عبر المتوسط، مقابل مشاركتنا لطاقته المنتجة وبعض التسهيلات الخاصة لهم، كان يمكن لليبيا أن تتحول إلى مصدر الطاقة الأول لأوروبا، غير أنه على ما يبدو ذهب إلى المغرب حينما لم يجد وطنيين ليبين يحبون ليبيا.. لا نفطها!
الآن تَصَور محطة ضخمة تُنشأ في مكان نائي من صحرائنا الجرداء بين الكفرة وفزان، قوامها آلاف الخلايا والمرايا الشمسية، أي سقف هائل لأكثر بقاع الدنيا استقبالاً لأشعة الشمس، سيوفر هذا السقف الطاقة الشمسية النظيفة بأقل التكاليف، خصوصاً لأهلنا في الكفرة وفزان الذين هم أكثر من يعاني من شظف العيْش، كما سيوفر ظِل أسفله ما تَوفَّر قبل ذلك في تاريخنا، يمكن أن يتحول إلى مستوطنة بشرية زراعية تعيش على هذه الكهرباء النظيفة شبه المجانية.
في هكذا زمان ستصبح ضربة الشمس نعمة! و«عزوزة القايلة» ضيفاً عزيزاً مُرحب به!
_____________
نشر بموقع المستقل