طيوب النص

لست بطلاً

عندما كنت صغيرا في السادسة كانوا زملاء مدرسة أولاد بن يعقوب ( غريان ) يطلقون علي أسم النعجة , لأنني لم أكن أتعارك أو اصطاد المشاكل كما كان يفعل أبن خالتى ميلاد .. وعندما أنتقلنا الى فشلوم ومنها الى سوق الجمعة ( السنة الثانية أبتدائي ) تعلمت فضيلة الصمت .. تجنبت المعارك الصبيانية الا ما أضطررت اليه من أشتباكات واجبة .. خضت ثلاثة معارك وحالفنى الحظ ( هو الحظ وحده ولا ريب ) مع زملاء الفصل أو المدرسة .. أو زحام السوق الكبيرة يوم الجمعة .. كان نصر الدين وغنيوه وسالم صوادق وعبد النبي وعريبي ومحمد رجب الى جانبي دائما مثلما كنت الى جانبهم .. أعترف بأنني كنت ومازلت أكره الاشتباك بالأيدي .. كنت أعتقد بأنني سأموت لو صفعنى أحدهم على وجهي أو ركلني .. وأعترف بأنني لست جبانا على الأطلاق .. خضت معاركي الصغيرة دفاعا عن أصدقاء تورطوا في مشكلة مع آخرين ..

لست بطلا .. بأية حال
كانت غرفتي ملاذا لأحلامي .. كتبت بخط الصديق ( عاشور نوير ) جدرانها وسقفها .. بمقولات لجيفارا وكونفوشيوس والغفاري وجوركي ونجيب محفوظ وأمل دنقل ونجيب سرور وفيروز وغاندي ..الخ الخ .. وكنت عاشقا للحياة والحب والموسيقا .. كان عبد الحليم حافظ صديقي ومحمد قنديل وبليغ حمدي وفيروز وصباح ومحمد عبد المطلب وعبد الوهاب .. كنت مسحورا بالفن .. وببنات الجيران .. وبالأذآن .

لست بطلا ولم أكن اتوخى ذلك على الأطلاق
اللهم الا في أحلام يقظتي .. كنت اتسلق نخلة البيت ( حوش المتشون في سوق الجمعة ) ومنها الى السطح حيث امتطي جريدة من النخلة الروؤم وأمتشق سيفا من خشب واعلن الحرب على أعداء لا أعرفهم .. وكانت والدتي ( رعاها الله وحفظها من كل سؤ ) تضحك وهي تشاهد أبنها البكر يصول ويجول وتطلب منى التوقف عن سفك الدماء والنزول للأرض لتناول الغذاء ..

لست بطلا على الأطلاق ..
لم أمتلك يوما القدرة على رؤية الدماء .. كنت أتجنب صبيحة يوم عيد الأضحى, حتى لا أتورط في مشاهدة صديقي الجديد يذبح .. هكذا
لم أكن أرغب يوما أن أصير بطلا ..
ولذلك صرت مجاملا
لم أكذب ولم أسرق ولم أخن صديقا أو غيره
لم أتلصص على جار أو غيره
لم أشهد زورا
لم اشهر أو اجرح صديقا أو غيره
لم اكن سوى محمود الذي يحب الجميع

لكنني أعترف بأنني كنت مجاملا الى حد بعيد, في المدرسة , وفى النادي ( الترسانة ) وفى العمل ( وكالة الأنباء ) وفى الصحبة التي مازال عطرها يستبد بأي مكان الجأ اليه ..
أعترف بأنني كنت مقصرا في حق أسرتي وأهلى .. نعم أعترف , وأدرك أن لا أحد سوف يسامحنى على اهمالى لهم .. .. كان أصدقائي هم أهلى ..
أعجبني تعليق أحد الأصدقاء على قدرة العزيز ( منصور ابوشناف ) على المجاملة حيث قال أن منصور دخل السجن ( 13 عاما ) مسايرة لصديق .. كنت سأفعل ذلك لو كنت مكانه ..
كونوا أبطالا أذا شئتم .. لكن لا تدعوا أحدا يلطمكم على وجوههكم .

مقالات ذات علاقة

طوق يغالب الزمن

سعاد الجروشي

بعيداً عن السياسة

مقبولة ارقيق

دمعة الطير

منى الدوكالي

تعليق واحد

الفنان التشكيلي علي المنتصر 17 فبراير, 2016 at 20:14

تحية طيبة لإنسان كنت اعرفه ولا اعرفه …

فقد التقيت الأستاذ محمود البوسيفي من قبل ، لكني لم اجتهد في الغوص داخل بحر يعج بكل أصناف الجمال والإنسانية لهذا الرجل …
قد يكون الفن وجنونه العاقل قد استحود مني على كل العقل والفؤاد …
فهاجسي الكبير بالفن وتطوير عمل فني صادق يحمل رؤية إنسانية ترصد اهتزازات هذا الزمن المرهق بالأزمات المتصاعدة ، جعل مني فنان خارج ساحة العلاقات الاجتماعية بكل صورها …
وها انا اجدد تلك المعرفة به عبر ماكتب من حروف ترسم صور من حياته لونها بطلا يمتطي الحياة وبيده قوس قزح .

رد

اترك تعليق