الطيوب | حاوره: رامز النويصري
في حواره مع الطيوب، حول الومضة الشعرية، يقول الدكتور محمد صابر عبيد: هي ليست شكلاً شعريّاً مستقلّاً؛ بل تكوين شعريّ خاصّ يمكن أن تكون فيه قصيدة كاملة. واللعب اللغويّ هو جوهر بناء الومضة الشعريّة ومركز تكوينها.
*
لأن الشعر من فنون الحياة التي عرفها الإنسان منذ بداية وجوده على الأرض، فمن الطبيعي لهذا الفن أن يواكب التغيرات الاجتماعية والثقافية التي يتدرج فيها الإنسان، ومن الطبيعي أن يكون هذا الفن قادراً على تلبية احتياجات التعبير والتغيرات الفكرية التي يمر بها المجتمع، وبشكل خاص المبدع!
قبل أيام صدر كتاب (الومضة الشعرية – سحر التشكيل.. بلاغة الجوهر)، عن دائرة الثقافة – الشارقة، للناقد العراقي محمد صابر عبيد، ضمن سلسلة دراسات نقدية.
الدكتور محمد صابر عبيد (1955م)، هو أكاديمي وناقد وشاعر وكاتب، وهو أستاذ النقد الأدبي الحديث، والمناهج النقدية الحديثة والنقد التطبيقي. لديه مجموعة من الكتب في مجال النقد والكتابة الإبداعية.
الطيوب، التقت الناقد محمد صابر عبيد، في حوار قصير على هامش صدور كتابه آنف الذكر، للتعرف عن قرب عن الومضة الشعرية، هذا الشكل الشعري الذي انتشر بشكل كبير على منصات التواصل.
بداية؛ كيف يمكننا تعريف الومضة الشعرية؟
الومضة الشعرية هي لقطة مركّزة تحتشد فيها عناصر التشكيل الشعريّة الأساسيّة بكثافة هائلة، وتحتشد بطاقة تعبيريّة تمثّل بؤرة إشعاع شعريّ مثيرة ومحمّلة بقدرة الإدهاش والتحفيز والإمتاع، بحيث يجد المتلقّي فيها مؤونة شعريّة عالية وغزيرة تناظر اصطلاحاً ما كان النقّاد العرب القدامى يصفونه بـ”بيت القصيدة”، وهي لحظة شعريّة تكشف عن إمكانيّة الشاعر في إلهاب رغبة التلقّي للوقوف والتلبّث أمامها بإعجاب استثنائيّ، يدفعه إلى محاولة اكتشاف الخزين الشعريّ العميق الحاضر فيها لغةً وصورةً وإيقاعاً ورؤيةً وتشكيلاً.
هل يمكننا القول إنّها شكل شعريّ مستقلّ؟
هي ليست شكلاً شعريّاً مستقلّاً؛ بل تكوين شعريّ خاصّ يمكن أن تكون فيه قصيدة كاملة؛ ويمكن أن تكون فيه بقعة أرجوانيّة فريدة داخل قصيدة، يرى الشاعر فيها حاجة لتوفير ضغط تشكيليّ وتعبيريّ وتصويريّ كبير لبلوغ أعلى درجة استجابة حيويّة للتجربة، وتقوم على فعاليّة اللغة الشعريّة بالدرجة الأساس في قدرة الشاعر على وعي أسرار اللغة ووعي الاستخدام الفريد لها، لأنّ اللعب اللغويّ هو جوهر بناء الومضة الشعريّة ومركز تكوينها في إطار يجمع بين الفهم والإحساس والإشراق، داخل لحظة فريدة ترتوي فيها الحالة الشعريّة من فعاليّة التعبير عن التجربة وتمثيل رؤيتها ورؤياها معاً.
سؤالنا هنا: ما هي أهم مميزات الومضة الشعرية فنياً؟
لكلّ ومضة شعريّة مميّزاتها ولا توجد ومضة شعريّة تشبه أختها أبداً؛ لأنّها ستكون تقليداً لها على نحو أو آخر، ولا يمكننا الحديث عن مميّزات فنّية عامّة إلّا في ضوء تناول نصّ ومضيّ معيّن لقراءته والكشف عن خصائصه الفنيّة، فهي ليست نموذجاً كي يتسنّى لنا رصد المميزات والخصائص والسمات الفنيّة في تناول شبكة من النصوص تمثّل النموذج، وعلى هذا النحو فإنّ الومضة الشعريّة إذا كانت قصيدة مستقلّة بذاتها لها مميّزات معيّنة، وإذا كانت لقطة داخل قصيدة ستكون لها مميّزات فنيّة مختلفة؛ بوصفها بقعة شعريّة أرجوانيّة من بنيان فنيّ عام للقصيدة، بمعنى أنّ الحديث في هذا المقام لا بدّ أن يكون إجرائيّاً لا نظريّاً.
بالعودة لكتابك عن الومضة الشعرية، ما هي المواضيع التي ناقشها؟
تناول كتابي “الومضة الشعريّة” الموضوعات التالية:
المقدّمة: ((ما أكثرَ الشعر… ما أقلَّ الشعر))
مفهوم الومضة الشعريّة
الفضاء الشعريّ معياراً اصطلاحيّاً
الومضة الشعريّة مصطلحاً نقديّاً
منهجيّة القراءة بين التنظير والإجراء
فلسفةُ المختارات
هُويّة المختارات وتطوّرها
منهجيّة المختارات
شعريّة “كتاب الحدوس” وتجربة المختارات
القصيدةُ الومضةُ
الومضةُ الشعريّةُ العنقوديةُ
التشظّي الشعريُّ الومضيُّ
الإشراقةُ الشعريّةُ الومضيّةُ
دراميّة الإشراق الشعريّ المكانيّ
البُقَعُ الشعريّةُ الومضيّةُ
شعريّة الومضة العنوانيّة
الخاتمة: (المسكوت عنه الومضيّ)
ثمة من يربط بين انتشار الومضة الشعرية والنشر عبر منصّات التواصل، فهل تؤيد هذا الرأي؟
لا علاقة للومضة الشعريّة بمنصّات التواصل، لكن يمكن القول إنّ هذه المنصّات بما تفرضه من اختزال كتابي تشجّع على اختصار المقول، لأنّ المنصّات في الوقت نفسه تحرّض على الكتابة السريعة ذات الاستجابة المباشرة، ممّا لا يتّفق وفلسفة الومضة الشعريّة في قيامها على بناء شعريّة رصين وكثيف للغاية.
هل تؤيّد إصدار مجموعات شعرية تعتمد على الومضة الشعرية؟
الأمر يعود إلى طبيعة التجربة التي يرغب الشاعر في تمثيلها شعريّاً، ولا تخضع لرغبة قَبْليّة في هذا السياق، وإذا ما توفّرت هذه التجربة لدى شاعر معيّن بحيث تشكّل لديه كمّ من قصائد الومضة ذات حساسيّة شعريّة خاصّة؛ فبوسعه طبعاً إصدارها في مجموعة شعريّة خاصّة، ولا صلة لتأييدي من عدمه بهذا الأمر الذي يجب أن ينهض على وعي تشكيليّ نوعيّ يقرّر الشاعر فضاء الإصدار الخاصّ به وشكله ومناسبته.
ما تعليقك على من يقول إنّ الومضة الشعرية نصّ قراءة وليس نصّ منبر؟
الشعر كلّه نصّ قراءة وليس نصّ منبر، أنا ضدّ المنبر بالكامل، وقد كتبتُ عن هذا كثيراً في كتبي ومقالاتي، الشعر حالة فنيّة وجماليّة راقية منفصلة عن أيّ وسيلة خارجيّة للتوصيل والأداء، هو فرصة استثنائيّة للّقاء بين النصّ والقارئ على نحو شديد الخصوصيّة، وليس حالة غنائيّة تطريبيّة تضطرّ الشاعر للصعود إلى منبر بهدف استدعاء جمهور المناسبة للتصفيق، فما بالك بالومضة الشعريّة التي تحتاج إلى مزيد من التأمّل والمعاينة الجماليّة كي ينجح القارئ في استلهام الروح الشعريّة الكامنة فيها.
كيف تقيّم تجربة الومضة الشعرية عربياً؟ وهل تنشط في مناطق عن غيرها؟
لا يوجد شاعر حقيقيّ وأصيل في العالم لا يحتوي شعره على كثير من حالات “الومضة الشعريّة”، ولا صلة للمكان أو الزمان أو المناطقية بذلك، وهي ليست تجربة منفصلة عن التجربة الشعريّة عموماً، بوصفها جزءاً أصيلاً من تجربة الحداثة الشعريّة التي تتجّه إلى تنقية الشعر من شوائب اللغة وزياداتها وبدانتها، فالشعر في أصل انبثاقه ومضة شعريّة تتشكّل تشكّلات مختلفة استجابة لطبيعة التجربة وعنفوانها وجوهرها.
في ختام لقائنا: ما هي مشاريعكم المقبلة؟
مشاريعي تمتدّ على مساحة روحي وجسديّ وفضائي وتاريخي وكياني الذاتيّ والموضوعيّ ولا تتوقّف أبداً، طالما أجد نفسي قادراً على اللعب فثمة مشاريع قادمة ومقبلة كما يقبل الحبيب نحو حبيبه، أنا شاعر في جوهري العميق، وناقد على السطح الأدبيّ كما يعرفني من يتابعني، وبين الشعر والنقد أنتزع ما يحلو لي من ثمار أخرى أجدها ناضجة أمامي ويحلو لي قطفها، لذا أينما ولّيتُ وجهي سألمح مشروعاً إبداعيّاً يلوّح لي ويدعوني إليه بمحبّة وشوق، وسرعان ما أستجيب له وأُقبل عليه بروح العاشق وحساسيّة العارف وأفق الرائيّ وأدوات المهندس، ومن ثمّ أمارس لعبتي كما أشتهي بلا حواجز ولا مصدّات ولا تلكؤ ولا كسل ولا إهمال ولا تقصير، فكلّ وقتي وما أملك رهناً وسنداً لمشاريعي القادمات.