الطيوب : متابعة وتصوير / مهنّد سليمان
أقام مجمع اللغة العربية بطرابلس صباح يوم السبت 24 من الشهر الجاري ضمن البرنامج العلمي والثقافي الأسبوعي للمجمع محاضرة ألقاها الأكاديمي “عمر أبو القاسم غلام” حملت عنوان (إعادة قراءة النصوص -روايات ابن حزم في رسالته طوق الحمامة وفق تبويب مبتكر لأبوابها)، وذلك بقاعة اجتماعات المجمع من تقديم الدكتور “عبد الله الزيات”، حيث لفت المحاضر أن لطوق الحمامة لابن حزم الأندلس يوجد بعض الغموض أو إشكالية ما لا يمكن تجاهلها، وقد تحدث عنها الكثير من الباحثين وكلن ليس بصورة متعمقة، وهي أن ابن حزم في معظم أبواب رسالته كان باحثا واصفا للحب من طراز رفيع فتحدث بكل جرأة وصراحة في أمور العشق والجنس وأحواله، وأوضح غلام أننا نتفاجأ في آخر الرسالة أنه ختمها بباب قبح المعصية ! يقارع فيه الهوى ويُشنع بفاحشة الزنا في أبشع صورة ولو عرضنا أبواب الحب وما كتبه ابن حزم في طوق الحمامة لقارئ لا يعرف ابن حزم ربما يشك أن من كتب في الحب مادحا واصفا هو ذاته من كتب في معصية الحب، وأكد غلام بأن هذه الإشكالية جديرة بالدراسة والبحث، وهذا ما ترتكز عليه المحاضرة وما يمكن طرحه في ضوء عدة تساؤلات فهل ما كتبه ابن حزم في باب المعصية من جنس الرواية ؟ هل وقع ابن حزم في تناقض وتضارب عندما جمع ما بين الفقه والعشق في كتاب واحد ؟ هل استطاع ابن حزم إيجاد نوع من التوازن لكل أبواب الرسالة؟
ضرورة إعادة تصنيف وبناء أبواب رسالة ابن حزم
فيما أشار غلام إلى أن رسالة طوق الحمامة ذاع صيتها في الأوساط المعرفية والثقافية بأنها رسالة ومؤلف في مجال الحب، كون أن معظم أبوابها تدور حول معاني الحب وأغراضه المتعددة والمتنوعة فابن حزم أسهب في توصيف أحوال الحب وأنواع العشق التي كانت سائدة وسائرة في محيطه المجتمعي وقتذاك، ويُبيّن غلام أنه بغض النظر عما خصصه ابن حزم فيها من أبواب كثيرة في الحب مقارنة مع ما ذكره من أبواب قليلة في مجالي الجنس والأخلاق فإن قيمتها المعرفية المهمة تكمن في فهم علاقة الحب بالجنس والأخلاق ضمن إطار معرفي متسق، وأردف بالقول : إنه بالقراءة المتأنية لكل روايات ابن حزم في رسالته يتضح من خلالها وجود قاسما مشتركا يربط بين المجالات المذكورة، ويرى غلام من وجهة نظره أن مسألة تحقيق ذلك يقتضي إعادة تصنيف وبناء لأبوابها كي يتم اختزالها من ثلاثين بابا إلى نحو إحدى عشر بابا، وما يصاحب ذلك من عملية دمع لمعظم أبوابها تحت عناوين جديدة ومبتكرة.
إعادة قراءة رسالة طوق الحمامة
كما خلص غلام بأنه في ضوء هذه القراءة المتأنية الجديدة لنصوص روايات ابن حزم تم التوصل لمجموعة من النتائج من أبرزها : إعادة قراءة لرسالة طوق الحمامة داخل قالب فكري جديد ومختلف وفق ما حملته من دلالات معرفية هامة، موضحا في آن الوقت أن هذه الدراسة تميزت بالجمع بين الأصالة والتطوير باعتبار أن هنالك جِدة في طرح أفكارها، وجودة في تصنيف أبوابها وعرض مبسط لمحتوياتها ليكون في ختامها نوع من التناغم لمجمل روايتها، وأكد غلام بأن القيمة الفكرية والجملية لواقعية روايات ابن حزم لا تقتصر على أهميتها على زمن المجتمع الأندلسي أوان ذاك الزمن بل تمتد لحاضرنا اليوم إذ أن سيرورة الطبيعة البشرية واحدة إزاء الحب والجنس والأخلاق حتى وإن اختلفت في الزمان والمكان، وتباينت ميول واتجاهات ورغائب الناس الأخلاقية.