طيوب عربية

نحن لا نتفق إلا على الاختلاف بيننا

من أعمال التشكيلي "اسكندر السوكني"
من أعمال التشكيلي “اسكندر السوكني”

ومرة سمعت زعيما عربيا يندد بالاستعمار قال: من خلق المغرب والجزائر وليبيا.. من خلق تلك الأوطان الوهمية؟؛ قلت في نفسي: لماذا نعيش في أوطان متعددة بينما لغتنا واحدة؟ لماذا نعيش في أكثر من وطن لا يدل على وطن واحد؟

فكرة الأوطان فكرة إمبريالية، هم نهبوا ثرواتنا، هم يعيشون في وطن واحد يربطهم مصير واحد، هم لا يملكون لغة واحدة، هم لا يملكون ما نملك من عناصر الوحدة، ومن عناصر القوة، هم رغم اختلافهم وتنوعهم اختاروا نفس المصير، بينما نحن رغم وحدة المصير لم نختر نفس المصير، ألم يتفقوا على عملة واحدة؟ الم يتفقوا على نهب ثرواتنا؟ نحن على نقيضهم لا نتفق إلا على الاختلاف بيننا؟ كم اختلفنا ولم نتصالح؟ كم افترقنا على الاختلاف؟

هم فرضوا علينا أن نعيش في عدة أوطان، في عدة أحلام لا يمكن ان تتحقق، ليس من حقك أن تحلم بوطن واحد، أو بامتلاك كتاب واحدة، او مدرسة واحدة، هم أصدروا الأمر باعتقالنا، هم اعتقلوا افكارنا، هم نفذوا حكم الإعدام في زعمائنا، هم نفذوا الامر في جناح الظلام حتى لا نشاهدهم، قال احدهم واثقا من نفسه: لا يجب ان تعيش هذه الأمة على أرض واحدة، هذا خطر على أمننا واستقرارنا، يجب ان ندفعهم الى معارك لا تنتهي، قلت على غضب: انتم زورتم وثائق الارض، انتم دخلتم ارضنا بجوازات سفر مزيفة، هم لا يمكن ان يكونوا فاتحين، هم غزاة طامعين، هم من صنعوا فوق الارض تلك الحدود الوهمية؛ هم من خلقوا الفتنة بيننا، هم يعرفون ان الدماء على الارض سوف تسيل انهارا، هم من دفعوا الاخوة الى الحرب، هم من باع لنا السلاح، هم من زرعوا في اذهاننا فكرة السيادة على الارض، هم من فرضوا علينا الانتقال بين تلك الأوطان بواسطة جوازات سفر، كيف انتقل وسط ارضي وسط لغتي وسط ديني بواسطة جواز وهمي؟ كل جوازات السفر مزيفة، الارض واحدة، اللغة واحدة، الدين واحد، اذن لماذا تطلب مني حتى ادخل الى ارضي الاستظهار بالتاشيرة؟ حتى الأنهار المتدفقة لها مجرى واحد، حتى شعار المسلمين واحد “لا اله الا الله محمد رسول الله” اذن لماذا لا نعيش في وطن واحد؛ اذن لماذا لا نستعيد سيادتنا على ارضنا؟ لماذا لا نستعيد سيادتنا على انهارنا، لماذا لا نستعيد حقنا المغتصب، عوض العبور من وطن الى وطن اخر علينا العبور من أرض الى أرض، نحن أهل الارض، نعيش على نفس الارض، نعيش على نفس الاحلام، لماذا نهبتم منا احلامنا في العيش على نفس الارض؟، انتم سرقتم كل شيء، لم تتركوا لنا شيئا، حتى منسوب الأنهار  من الماء اخذتموه، حتى منسوب القلوب من الحب العذري اخذتموه، تلك النخلة شاهدة على اننا نعيش في أرض واحدة، حتى فصيلة التمر واحدة، حتى فصيلة الدم واحدة، حتى فصيلة الحب واحدة، انتم غيرتم كل شيء، لكن النخلة رفضت ان تتغير، رفضت ان تتخلى عن لونها وشكلها، رفضت ان تتخلى عن حبها لذلك الرجل البدوي الذي ولدته الصحراء، لفت انتباهي قطيع من الاغنام يسير وسط ذعر شديد، يبدو أن القطعان لم تجد المرعى، لم تجد الحنان، لم تجد اجدادها، رحلوا من أرض الى أرض، لم يكن جدي يعترف بأن الارض لها حدود، لم يعترف يوما الا بحقه في الحياة.

حتى الاغنام لا تعترف بالحدود، ترعى بكل حرية، هي تعرف ان الارض ارضنا، كم مرة تجاهلتهم؟ كم مرة رفضت اوامرهم، هي تعرف حقها التاريخي في ذلك المرعى؟ انتم انتزعتم حقها في ان ترعى على الارض بطمأنينة، انتم من نهاها عن العشب، من نهاها عن الماء، حتى الماء، حتى الحب، منعوا عليها الهواء، منعوا عليها المطر، حتى الاغنام منعوا عليها السفر، طلبوا منها الاستظهار بجوازات السفر حتى تعبر من مرعى الى مرعى، وحين رفضت قراراتهم هددوها بالذئب، هددوها بقطع الماء، نعم هددوها بشن الحرب نعم كم شنوا علينا من حرب وسط حرب دون استصدار قرار اممي يسمح بذلك، رفضت القطعان ان تعطي  الولاء والطاعة، تمردت، تنمرت، استعدت للدفاع عن ارضها، لم تفهم الاغنام لماذا طردت من أرضها؟ لم تفهم من غزا ارضها؟، من طردها شرقا واخذها غربا؟ هي تصر على البقاء، هي تصر على الحب الازلي، لم تتخل مثل الراعي عن مبادئها؟ هي صاحبة مبدا، هي لا تعترف بالأوطان، قاومت الغزو على ارضها، رفضت التطبيع مع العدو، استعملت كل ما تملك من أسلحة حتى تدافع عن البشر والشجر والحجر.

مقالات ذات علاقة

استيقظي

المشرف العام

فضاءات تصدر “الجهة السابعة” لكميل أبو حنيش

المشرف العام

اختيار

هاني بدر فرغلي (مصر)

اترك تعليق