استطلاع / مهنّد شريفة
لا تكاد الحركة الثقافية في ليبيا تستقيم حتى يبرز من يُعكّر صفو سريانها ويُلبد مُناخها بالأدران واقحام أسلوب الركض إلى الوراء، ففي عالم صارت فيه أجهزة الرقابة وأدواتها جزء من ماضٍ بعيد، ما نزال نقرأ في الأخبار في بلادنا أو في غيرها من البلاد العربية عن مصادرة شحنات الكتب ومنع بعض الأعمال الروائية من التداول، وكل ذلك يتم تحت ذرائع واهية وحُجج باهظة السخف، ثم يتساءل البعض بغباء كيف يتقدم العالم بينما نحن نتخلّف ؟! رياح التغيير التي هبّت على بلادنا والمنطقة العربية خلال السنوات العشر الأخيرة لم تفت في عضد تلكم الأدمغة المتكلسة قيد أنملة بل ربما زادتها رهقا ! ومن حين إلى آخر لا نلبث أن نصطدم بهذي الأدمغة التي تُصرّ رغم سماوات عصر اليوم المفتوحة على أن تمارس دورًا رقابيًا بلى واضمحل زمنه، فبدءًا من مصادرة كتاب (نوافذ على شمس مغلقة) عام 2017م وما تبعه من لغط وتشهير واهدار دم كتّابه مرورًا لما تعرّضت له مؤسسات فنية وفكرية مثل مؤسسة ورق للفنون في طرابلس من تضييق وتحريض وأخيرًا تجمع تاناروت للإبداع في بنغازي الذي تحول في الأيام الأخيرة لعلكة تتسلى بها الأفواه المفضوضة، ما أُضطر القائمين عليه للإذعان للأمر الواقع وتجميد أنشطته حتى إشعار آخر، بعدما مُورست عليه هجمة شرسة من قبل المؤسسة الدينية.
وفي ضوء هذا القلق إرتأينا أن نتوجه عبر هذا الإستطلاع بمجموعة من التساؤلات الملحّة حول هذا الموضوع لنخبة من الكتّاب والأدباء والمهتمين، فهل لازال للرقابة دور مجدي رغم بلوغ ثورة الاتصالات والمعلومات أفقًا لا حدود له ؟ لماذا لا يوجد موقف نخبوي صارم إزاء الانتهاكات التي تتعرّض لها الحركات الثقافية ؟ ما هو السبيل للحد من الوصاية الأخلاقية والدينية في الشأن الإبداعي ؟
أمينة هدريز : ناقدة وباحثة أدبية (أؤكد على غياب الحريات فما نراه مجرد شعارات رنانة)
لا غرابة مما تعانيه الثقافة من تضييق وفرض الرقابة على عملية الإبداع والمبدعين، فالوضع ما يزال كما هو عليه منذ عقود، فمصادرة المطبوعات ومقص الرقيب ممارسات متجذرة في الوعي الجمعي لمن يمتلك السلطة، لأن التركيبة العقلية والفكرية مبنية على الإقصاء والمنع مهما تغيرت الشعارات والوجوه والايديولوجيات ( دينية ، وغير دينية) فمن يمتلك زمام الأمور يسلط سيفه على رقاب المبدعين وإبداعهم، ومما يزيد الأمر سوء ضعف المؤسسة الثقافية وتهالكها، رغم المحاولات الأخيرة المتخبطة لبناء كيانها المستقل الذي يدين بولائه للثقافة المستنيرة والفكر الحر، ولكن هذا لا يعد غريبا في مجتمع بني على سياسة الإقصاء والتهميش والانشداد إلى الخلف.
أؤكد على غياب الحريات فما نراه مجرد شعارات رنانة زاد من عدم مصداقتها غياب النخبة الواعية في حالات كثيرة أو اقصاء دورها الفعال المؤثر في الجماهير.
الدور الفعال الذي يقوم به الشباب في هذه الظروف الصعبة للنهوض بالثقافة والإبداع في محاولة الخروج به إلى آفاق أرحب وأوسع في ظل الثورة المعلوماتية مازلت أمامه عقبات كثيرة وحقيقية. جهود الشباب لإرساء فكر مستنير وإبداع حر طريقه صعب ومحفوف بالمخاطر ذلك أن القاعدة الشعبية العريضة متصحرة فكريا وتوعويا، إلى جانب غياب قانون يحمي من تسلط وتجبر المتنفذين، هذه الجهود أمامها مفازات من الفوضى والتشتت لغياب أي دور حقيقي للمثقف وللنخب أيضا. نأمل بعد استقرار الأوضاع التي تعيشها البلاد على جميع المستويات أن تتاح الفرص الحقيقية للشباب في النهوض بهذه المؤسسة الحيوية ويكون لهم دورا أكبر في توعية المجتمع من خلال تقبل الأخر بكل اختلافاته.
محمد بوعجيلة : كاتب وشاعر(الجمهور يصدق خرافات الأخبار التي تقول أن تاناروت دعوة لعبدة شياطين)
في زمن مجانية المعلومة، واتاحة الكتب الإلكترونية عبر عدة مواقع شهيرة وكثيرة لا حصر لها فإن ماقامت به بعض الأجهزة ” وهو ليس اختصاص أصيل لها ” يعد مجرد شطحة توضح وتبين مدى الفقر المعلوماتي التي تعيشه المؤسسات في ليبيا، بينما كان الناس يقرأون ألف ليلة وليلة وكانت أغلب البيوت تحتوي هذا الكتاب وما يحتويه من قصص وحكايات وتفاصيل لم يتجرأ أحد من هذه المؤسسات في فترة ما لمنع هذا الكتاب ” وأنا لست مع منعه طبعا” ولكن للتوضيح أن أغلب الأجهزة تنجرف خلف العناوين المغرية التي لا علاقة لها بالمحتوى ( كحبيبي داعشي وفي قلبي أنثى عبرية ) وأخيرًا كتاب مرقس الإنجيلي للكاتب الراحل ذؤود حلاق،
بالإضافة إلى أن أغلب الناس الذين عارضوا كتاب شمس على نوافذ مغلقة، عارضوه بحجة أنه يخدش الحياء العام، رغم ان على مر التاريخ لا يوجد كتاب يخدش الحياء العام مهما كان محتواه، فالقارئ يشارك نفسه الكتاب وربما الأصدقاء، وهذه قصة أو رواية حدثت وتحدث في اليوم عشرات المرات، فما الذي يرعبهم كون كاشان جسدت جزء من الحقيقة التي نعيشها،
,والكل يأخذ وضع الحياد، تجد أغلب من يأخذ موقف حقيقي ويقدم نفسه أمام هذه الآلة الكبيرة المسماه أجهزة رقابية أناس عاديون محبون للقراءة والفن والثقافة، بينما ” النخبة ” يستندون غالبة على علاقاتهم الوطيدة وخوفهم الكبير من خسارة الجمهور، كون أغلب الجمهور يصدق خرافات الأخبار التي تقول ان تاناروت دعوة لعبدة شياطين، وان شمس على نوافذ مغلقة عهر وسخافة، رغم ان الكتاب يحتوي على مجموعة نصوص لكتاب مختلفين ولكل كاتب نص مختلف عن الآخر تماما، أيضا منظمة أركنو تقدم نشاط مشابه لتاناروت لكن الشارع ينظر للأمور بعين أجهزة الرقابة،
بينما النخبة لم يكلفوا حتى أنفسهم عناء شرح وتوضيح أن الأمر مدبر فعلا، وان عناوين الكتب لا علاقة لها بالمحتوى، حتى وإن كانت لها علاقة بالمحتوى، ما الذي يرعبهم في قراءة كتاب ونقاشه أو متابعة فيلم سينيمائي والحديث حوله، على الأقل تبادل المعلومات والملاحظات والانتقادات بدلا من الرصاص، توضيح وشرح ذلك للجمهور المتابعين على الأقل كونهم مصدر ثقة لهم، ولهم تأثير كبير عليهم، لكن الخوف من خسارة الجمهور هو هاجس دائم للنخبة والمثقفين
أما عن السبيل للحد من الوصاية فأنا لا أملك اجابة حقيقية لهذا السؤال الكبير، سؤال يبحث عن سند حقيقي من الدولة والشارع، من المثقفين والكتاب والأكاديميين والسياسيين، لدينا هيئة ثقافة هنا وهناك، ولكن كون هذه المؤسسات أغلبها لا تتبع الوزارة، فهي بمثابة حجرة عثر لهم، حتى القنوات الإعلامية التي تتبع الحكومة أو تتبع لأشخاص بعينهم تحرض ضد هذه المؤسسات بشكل أو بآخر،
فالحد من الوصاية يأتي عبر النخبة بكتابة مقالاتهم وردودهم، عبر الإعلاميين في برامجهم وحلقاتهم الاستثنائية وهي بمثابة واجب اخلاقي وانساني قبل أن يكون وطني، عبر المجلات والصحف التي تنشر شهريا ورقيا وإلكترونيا، يكون رد موحد في فترة زمنية موحدة، ولكن نرجع للسؤال الثاني، وهو غياب الموقف النخبوي، كان فرصة لمثل هذه الأجهزة بالظهور ومحاولة طمس هذه المؤسسات أو انهاء وجودها بالكامل.
ليلى المُغربي : كاتبة ومصوّرة صحفية (مصادرة الحريات في الكتابة أو القراءة، غير مجدية فعلياً بوجود التقنيات الحديثة)
لا يخفى على أحد ما عانته ليبيا أثناء حكم القذافي، من محاربة للثقافة والمثقفين عمومًا، من اعتقال وحبس للأدباء وحتى الإعدامات العلنية، وتحجيم وتقييد لحرية التعبير والإبداع، والسيطرة على منفذ واحد تحت ما يسمى هيئة الثقافة ودار نشر للمطبوعات، وإدارة كبرى للرقابة على المطبوعات والتي جعلت معاناة الأدباء والشعراء والفنانين تتفاقم، وواجهوا الكثير من المصاعب، وأحجم الكثير منهم عن الكتابة، أو منعت أعمالهم من الطباعة و النشر والتوزيع في ليبيا.
بالمقابل عمل النظام السابق على قولبة وتنميط الفكر الانساني للمواطن الليبي، بنشر الفكر الواحد التابع للشعارات والهتافات التي تمجد النظام وترفض وتلفظ كل ما هو مخالف له، ومع مرور الوقت اعتاد العقل الجمعي للمجتمع على رفض الإختلاف أو الشذوذ عنه، وكل من يتمرد على الأعراف والتقاليد التي سادت ذلك الحين يعتبر شاذا عن القطيع، ويلاحق بتشويه السمعة أو التكفير وغيرها من التهم التي طالت العديد من الأدباء وجعلتهم يتخذون خيار الاغتراب عن الوطن كوسيلة للنجاة بحياتهم وإبداعهم وحقهم في التفكير والتعبير.
الشيء من مأتاه لا يستغرب، فهل نستغرب اليوم محاربة الثقافة والمثقفين ومحاولة السيطرة عليها من أطراف وأحزاب دينية؟ وأيضا مجتمعية؟
العقل الجمعي الذي اعتاد الفكر الواحد ويرفض الأختلاف ، لا يمكنه بين ليلة وضحاها أن يتغير.
ويجب ألا ننكر أن الحركة الأدبية والساحة الثقافية عموما شهدت نشاطاً كبيراً بعد الثورة الليبية، فقد شعر الأدباء بحرية أكبر للتعبير والانطلاق وتحقيق الكثير من نشر المعرفة والثقافة، انطلاقاً من أن الثقافة رافداً أساسياً لبناء الدولة المدنية، ودعماً لسير العملية الديمقراطية وغيره مما افتقدناه سابقاً.. وقد بدا هذا واضحاً بالانتاج الأدبي الغزير من قبل الأدباء المعروفين، وكذلك الشبان والشابات الموهوبين، وقد شاركت سابقاً في أكبر حدث ثقافي شهدته ليبيا وفي طرابلس عام 2013 في مهرجان الكتب المستعملة الذي نظمته حركة تنوير وكنت المدير التنفيذي وقتها، إلا أن نشاط الحركة توقف بعد تهديدات تلقيناها ومقتل زميلتنا في الحركة انتصار الحصائري فبراير 2015، وخبى الحراك الثقافي منذ حرب المطار في طرابلس وكذلك في بنغازي بعد إنطلاق الحرب بعملية الكرامة.
عاد النشاط الثقافي تدريجيا منتصف 2016 وحصلت انتعاشة حقيقية عبر عدة منظمات ثقافية في طرابلس تحديداً، متأثراُ بالاتفاق السياسي الذي بدا للوهلة الأولى مبشراً بالاستقرار، وللأسف عدنا لنقطة الصفر بعد عدة حملات لمصادة الكتب في مدينة المرج ثم الحملة الشنيعة التي شنت على كتاب شمس على نوافذ مغلقة، والتي كنت أنا أحد ضحاياها.. ولازلت حتى اليوم عازفة عن كتابة كل ما جرى خلال تلك الفترة العصيبة، لأن الأمر متعلق بموقف العديد من المحسوبين من النخب الثقافية ، وبمراجعة بسيطة للمواقف المتباينة حول كتاب شمس على نوافذ مغلقة، نستطيع أن نعرف سبب غياب الموقف الموحد الصارم إزاء الانتهاكات التي تتعرض لها الحركة الثقافية عموماُ، وما تواجهه اليوم تاناروت هو نتاج غياب الوعي لأهمية الثقافة والتنوع الفكري والذي بدوره قد يسحب البساط من الأطراف المتشددة فكرياً، ويجوز القول أن هذه المصادرة للحريات في الكتابة أو القراءة، غير مجدية فعلياً بوجود التقنيات الحديثة التي توفر كل مصادر المعرفة بكبسة زر، لكنها أيضاُ تبقى مؤثرة نسبياً طالما أن هناك أفراداُ من المجتمع لازالوا يرون في الثقافة تمردا على العادات والتقاليد وشذوذا عن المجتمع الذي ألفوه.
لا شك في أن غياب الثقافة بمعناها الواسع، وضعف دور المؤسسات الثقافية، أوجدا فراغاً هائلاً على الساحة الاجتماعية في ليبيا، فضلاً عن أن غياب التوازن بين الأفكار أوقف وصولنا إلى حالة ثقافية إنسانية تؤمن بالاختلاف والتعايش، وترفض الانغلاق، وكراهية الآخر ورفضه.
أي حلول تطرح اليوم في ليبيا لمعالجة هذه المعضلة، لن تكون مجدية طالما أن الفوضى والحرب والصراع السياسي على السلطة يسيطرون على المشهد.
مفتاح العلواني : شاعر وكاتب (الكثيرين مشبعون بالأفكار التكفيرية)
مكتبات بغداد والمغول.. كتب اليهود وباباوات المسيحية.. محاكم التفتيش الغربية.. مجلدات الصين.. مكتبات كمبوديا.. هولوكوست الكتب النازي.. وغيرها.
كل هذه العناوين تمنحك ولو صورة عامة عن كل المحاولات التاريخية لمصادرة الفكر والكتاب والمكتبة والثقافة.. تنبئك عن مدى التطرف الذي لم يتوقف منذ قرون تجاه كل ما يتعلق بالثقافة من مكتبات ودور ثقافة ومصادرة الورق.. ومهاجمة الأفكار وتقليص دور البحث العلمي.. ومحاولة التطرف الديني السماح لنفسه بالوصاية على كل هذا وعلى القائمين عليه حرقاً وتنكيلاً.
ففي عام ١٥١٥ مثلاً وأثناء محاكم التفتيش.. صدر القرار البابوي بحرق كل الكتب المترجمة من اليونانية والعربية للاتينية.. والكتب التي تتحدث عن العقائد.. والتي تشوه أشخاصاً ذوي قيمة.
ونحن هنا لسنا ببعيد عن كل هذا.. حيث تقوم السلطات بإغلاق دور الثقافة ومحاولة الطعن في عقائد المؤلفين جزافاً.. ومصادرة الكتب بناء على عناوينها دون الخوض فيما تتحدث.. لأسباب ربما ليست حقيقية سوى في أذهان من يقومون بذلك.. إباحية كانت أو دينية أو سياسية.
وهناك كثير من الأسباب وراء كل هذا.. لا يمكن حصرها.. منها انفتاح البلاد فجأة على ثقافات الغير بعدما استمر انغلاقهم عنها عقوداً.. قلة برامج التوعية الفكرية وفتح المجال للحوارات والمناظرات البعيدة عن التكفير والتنكيل.. ومنها أن الشعب ليس بشعب قارئ بدرجة واضحة.. أو أن الكثيرين منهم مشبعون بأفكار خاطئة تكفيرية وغيرها دون أن يأتي ما يصححها.. كذلك عدم وجود جهة أمنية مختصة في مثل هذه الأمور كي لا يترك الأمر جزافاً لكل من هب القبض على من يشاء وإغلاق ما يشاء دون رقابة عليا وراء كل هذه الأفعال السلطوية المباحة بشكل كبير.. وغيرها من الأسباب كتتبع الأخبار الكاذبة المبررة لمصادرة الكتب وإغلاق الأماكن الثقافية دون التأكد من صحة هذه المبررات.. سيما وأن أماكن مثل الفيس بوك وتويتر وغيرها.. صالحة تماماً لنشر الأخبار الزائفة دفاعاً عن أفعال خاطئة.
ولعل الكثير من الأمثلة حدثت وتحدث كل يوم في هذه البلاد ولا تخفى أحد.. منها قيام الكثيرين بتكفير المشاركين في كتاب “شمس على نوافذ مغلقة” بشكل جزافي وخطير ينبئ عن تطرف ديني أخطر مزروع في عقول العوام من الناس.
كل هذه الأمور وغيرها.. يجب على الجهات المسؤولة تصحيح مسارها بما يتوافق مع تأسيس دولة تقوم على حرية الفكر والثقافة والكتابة.. سيما وأن التاريخ مليء بالكتب التي كانت تحتوي على أفكار دينية وسياسية وجنسية والتي كتبها حتى فقهاء كبار منها:
_ رشف الزلال من السحر.. للسيوطي.. والذي أرخ فيه الحياة الجنسية للعرب منذ قرون.
_ تحفة العروس ومتعة النفوس.. للتيجاني أحد أئمة المالكية.. والذي تحدث فيه عن معاشرة النساء ووصف أعضائهن.
وغيرها أيضاً.. لذلك يجب على الدولة والجهات المسؤولة أن تتفطن لمثل هذه مصادرات خارجة عن القانون.. مبنية على أفكار وأمزجة خاصة متطرفة.. وجعل الأمر خاضعا للتنظيم مسنداً لذوي الاختصاص كي لا تنتهك الحقوق وتستباح الدماء في كل مرة لأجل كتاب أو أغنية أو مكان ثقافي.
فيروز العوكلي : شاعرة وكاتبة (الجماعات الدينية تخترق المؤسسات الحكومية والعسكرية وتسد الطريق في وجه كل من بيده طريقا للحل)
لقد هُمش الكتاب ودور القراءة بقصد وعن غير قصد منذ زمن طويل, آخر عام أذكر فيه مكتبة في المدرسة كنت بعمر العاشرة, لقد اختفت فكرة المكتبة والقراءة من المدارس وهي المنصة الأفضل – إن لم تكن الوحيدة – التي يمكن توجيه الأجيال وحثهم على القراءة من خلالها, وإذا نحن اليوم بحاجة للتغيير ولأجيال لا تدين الكتب وتدافع عنها وتقف وقفة جادة إزاء حق القراءة وعدم مصادرتها فنحن بحاجة لجيل قارئ, وليس لطبقة نخبوية وحسب. فراغ المدارس من الكتب وفعل القراءة يعني فراغ العقول وجاهزيتها لاستقبال أي بديل, وقد كان دائما البديل الديني المتطرف حاضرا.
إنني أتحدث من قلب الحدث ومن قلب الاختلاط بشكل مباشر بشريحة واسعة من المجتمع, صغارا وكبارا, حال لسانهم يقول ما يفسد أولادنا وبناتنا لا نريده, القرآن أفضل الكتب وقضاء الوقت في حفظه أهم من بقية الترهات, أكاد لا أسمع أحدا يستنكر منع الاختلاط في المدارس والكافيهات والمطاعم والجامعات بل يرونه طريقا لإصلاح البنات والأولاد ومنع الرذيلة. هذه الشريحة الواسعة من المجتمع تنجر بسهولة خلف الحملات المضللة والقذف والتهديد الذي يطال كتابا ما فقط بسبب عنوانه أو غلافه أو حدثا ثقافيا ما لمجرد وجود غير محجبات به أو فتاة تعزف على آلة موسيقية هم من نراهم على مواقع التواصل الاجتماعي يؤججون الحملات التي تسن سكاكينها الجماعات الدينية المتطرفة والتي لا يخفى على أحد تاريخها المدجج بحروب على كل ما من شأنه أن يخرج العقل من الطمأنينة المضرة التي يقبع فيها.
لا أرى حقيقة حلا قريبا طالما الجماعات الدينية تخترق المؤسسات الحكومية والعسكرية وتسد الطريق في وجه كل من بيده طريقا للحل. نحن أمام شعب مسلح وجماعات دينية مسلحة لا تتوانى في استباحة دم من لا يتبع خطاها. أن تقف اليوم في صف تاناروت يعني أن تقف في صف الحريات والعلم والفلسفة والموسيقى وتقبل الآخر وهو ما ترفضه الجماعات الدينية المتطرفة والتي ربما كان من الممكن مقاومتها وعدم الإغلاق لو لم يكن السلاح هو الحاضر الأقوى في كل النزاعات والصراعات في ليبيا اليوم.