الجمعة, 14 مارس 2025
طيوب عربية

الاسترخاء الروحي … ضرورة نفسية

د.نبيل جلهوم

من أعمال التشكيلي الكويتي محمود أشكناني


ما أحوجنا وما أحوجَك وما أحوج الجميع إلى مرحلة بها شيء ما من السُّكون والخلوة، مرحلة تأخذك إلى رحلة هدوء، ومحاولة استرخاء، وصَفاء ذِهني ونفسيٍّ وروحي.. مرحلة قد تمرُّ بها أحيانًا لا يكون قصدك منها أن تعبِّر عن كرهك لأحد أو تنوي منها أن تتوقَّف عن مساعدتك لأحد أو ترغب في الابتعاد عن أحد أو أن تتعامَل بتجاهل مثلما يتعامَل معك أحد.

ليس ذلك كله ولا غيره، وإنَّما هي رحلة في حقيقتها تمثِّل ضرورة في محطة حياتنا، ضرورة نفسية.. ورحلة إنسانية.. وراحة روحيَّة.

■ متطلبات الاسترخاء الروحي:

1.  المحاسبة:

وأنت في محطة الاسترخاء الروحي حاول أن تعيد حساباتك مع نفسك أولاً، فهي الأهم وهي التي تتطلَّب أن تكون معها أشد حسابًا، حاسِبها بدقَّة قبل أن تحاسبك هي.

نعم، حاسِبها هي، حاسِبها هي قبل أن تعيد حساباتك مع من كسروك وأغضبوك، وقصَّروا في حقوقك ثمَّ على الأرفف وضعوك.

حاسِبها هي قبل أن تعيد حساباتك مع مَن بأبخس ثمنٍ قد باعوك.

حاسبها هي قبل أن تعيد حساباتك مع مَنْ حرموك رغم فرط وكثرة ما منحتَهم.

نعم، حاسب نفسك بشدة فقد تكون أخطأتَ وظلمتَ نفسك حين عرفتَ البعض وظننتَ أنَّ معرفتك بهم هي جنَّة ونعيم لن تنتهي ثمَّ فوجئت بأنَّهم ليسوا سوى جنَّة مؤقَّتة، ليست كما فهمتَ سابقًا أنها أبديَّة.

2. بركات في محطة الاسترخاء:

أ. حين تسترخي ستجد أنك ربما تكون قد أخطأتَ وظلمتَ نفسك حين أفرطت ولم تعتدل في حبِّك وفي هيامك في مَظهر البعض ثم فوجئتَ بأنهم لم يصونوا حبَّك وصِدقك وموقفك، ولم يحافظوا على شخصك.

ب. ربما تكون قد أخطأتَ وظلمتَ نفسك حين تأثَّرتَ ببلاء أحدهم في جسَده حتى انتقل بلاؤه إلى جسدك ثمَّ فوجئتَ به وكأنَّ شيئًا لم يكن؛ بل يبدو أمامك غير عابئ بك ولا مهتم حتى حين غيابك أو مرَضك أو في مناسبات أو غيرها.

 ج. ربما تكون قد أخطأتَ وظلمتَ نفسك حين احترق قلبُك من شدَّة البكاء حين تألَّم غيرك ثمَّ فوجئتَ به يبيعك بثمنٍ بَخس ويستغني عنك بغيرك.

د. ربما تكون قد أخطأتَ وظلمتَ نفسك حين فرَّطتَ وبالَغتَ في منح البعض قدرًا كبيرًا فوق الحدِّ، ثمَّ فوجئتَ به يكافئك بتجاهل ونسيان وكِبْر وخُيلاء وتقليل من شأنك وقَدرك، ويظنُّ أنَّ الكون سيتوقَّف إذا بعدتَ عنه، بل ليس في الكون مثيل مثله أو بديل عنه، في وقت قد يكون هو في أمسِّ الحاجة بل وأحوج ما يكون إليك، بل إلى ظِلِّك قبل جسدك.

ه. ربما تكون قد أخطأتَ وظلمتَ نفسك حين مِتَّ من أجل أن يَحيا غيرك ثمَّ فوجئتَ بإماتته لك من أجل إحياء غيرك.

 و. ربما تكون قد أخطأتَ وظلمتَ نفسك حين أفرطتَ في اهتمامك وانشغالك بالبعض بما لم يَفعل مثله غيرك، ثمَّ فوجئتَ بهم لم يبادلوك ولم يَنشغلوا حتى بالاتصال والرِّسالة والسؤال عنك.

ع. ربما تكون قد أخطأتَ وظلمتَ نفسك حين بنيتَ أبراجًا من الأحلام، ما جنيتَ من ورائها سوى خيبة الأمل وأوجاعًا وآلامًا قد يطول بها معك الأمد.

غ. ربما تكون قد أخطأتَ وظلمتَ نفسك حين أقنعتَ نفسك أنَّ أحلامك على أيدي البعض قد تحقَّقَت، ولم تعد بحاجة لأي شيء ثم فوجئتَ بأحلامك وقد حوَّلوها بأيديهم إلى سرابٍ يجري أمامك، وأنتَ مِن خلفه مجرد متعطِّش يَلهث تقول: لعلَّ اليوم، لعلَّ في الغد، وصرت تتعلَّق بلعلَّ ولعلَّ تكون قد، حتى استمرَّت حياتك تسير تحت مظلَّة خيبة لعلَّ ولعلَّ ولعلَّ.

ق. ربما تكون قد أخطأتَ وظلمتَ نفسك حين قَصَرْتَ معرفتك على البعض وتصورتَ أنَّك قد صرتَ وأصبحتَ بعد معرفتك بهم مِن سكَّان السماء ولم تَعد من سُكَّان الأرض؛ لما يَحملون من أوصاف جميلة لا وَصف لها ولا حدَّ ثمَّ ما أن مرَّت الأيام حتى هبطوا بك من سكن السَّماء إلى قاحلة الأرض، بعدما تلاشَت شيئًا فشيئًا أوصافُهم التي عرفتَهم بها بداية يوم أن عرفتهم.

قد تكون، وقد تكون، وقد تكون.. ثمَّ وحين تفيق وتستيقظ ستبدأ رحلتك الواجبة، رحلة استرخاء الروح.

رحلة استرخاء الروح:

 إنَّها بمثابة رحلة حياة بعد موت.

رحلة طويلة من الهدوء تَبدأ تخترقك تتسلَّل إليك، إلى داخلك تعانِقك وتعانقها.

تريد أن تعيد لك نفسَك من جديد وتسترضيها بعد أن قصَّرْتَ في حقِّها وظلمتَها من أجل أن تُسعد غيرها، هؤلاء الذين لم يراعوا شيئًا من حقوقها.

وبعدما كنتَ قد فقدتَ نفسك أو كدتَ أن تفقدها تبدأ الرحلة من جديد، رحلة واجبة وضرورة مُلحَّة.

ولا أنسى صديقي أن أهديك عنوانًا لها: عانِقْ نفسَك من جديد، وأعد حساباتك.

قال ابن قدامة في مختصر منهاج القاصدين: “واعلم أنَّ أعدى عدوٍّ لك نفسك التي بين جَنبيك، وقد خُلقَت أمَّارة بالسوء، ميَّالة إلى الشرِّ، وقد أُمرتَ بتقويمها وتَزكيتها وفطامها من مواردها، وأن تقودَها بسلاسل القَهر إلى عبادة ربِّها، فإن أهملتَها جمحَت وشردَت ولم تَظفر بها بعد ذلك، وإن لزمتَها بالتوبيخ، رجونا أن تصير مطمئنَّة، فلا تغفلنَّ عن تذكيرها”.

مقالات ذات علاقة

جديد أدونيس ” أوسمانتوس “

مهند سليمان

رأس غيمة جذر ترابي

المشرف العام

كوابيس منفى

المشرف العام

اترك تعليق