د. فتح الله محمد اليمني
تمهيد: العنوان كما يبدو- للوهلة الاولى- مثير للجدل ولكنه ليس كذلك , فالشاعران هما المبروك الزول الحاسي الذي تنبأ بخروج الشعب ضد الطاغية عام 1977م أي قبل ثورة فبراير بأربع وثلاثين عاما, والآخر هو سيف النصر عبدالجليل الذي وثق وأرخ لثورة 17 فبراير بقصيدته الرائعة حشاهم من قولة جرذان, أما الشاعرة فهي الدكتورة منى علي الساحلي التي ردت ردا شافيا وافيا على الشاعر المرتزق الموريتاني, سيدي محمد ولد ابه, الذي رثى ومجد الطاغية, أما الشهمان- من الشهامه والنخوة العربية- فهما الشاعران العمانيان, أبو عمرو الكندي وأبو هلال مصطفى بن هلال الكندي اللذان ردا على المرتزق الموريتاني وقصيداتاهما موجودتان على النت ولن يعرضا في هذا المقال.
قال الشاعر ادونيس في تعريفه للشعر: “لا السياسة، ولا التجارة تعبّران عن هويّة شعب، الذي يعبّر تعبيرا حقيقيا عن هويّة شعب هو الخلق والإبداع، والقصيدة هي أسمى وسائل التعبير في مختلف الميادين، وهي أعلى مراتب الإبداع. هناك أناس يكتفون بالنظر الى العالم، وهناك أناس آخرون وهم الشعراء يذهبون الى أبعد من ذلك، أنهم يحاولون الدخول في عقول القرّاء، ويعملون على تحويل العالم الى مكان أكثر أمنا وشاعرية. أن الشعر يتخطّى الكلمات ، وهو ضرب من ضروب الوجود، ان دور الشاعر هو الكفاح الدائم ودعم الثورات الحقيقية”. فعلا اوافق تماما على كل ما ذكره الشاعر ادونيس وينطبق كلامه على الشعراء الاربعه لالتزامهم الاخلاقي بالثورات الحقيقيه, إلا انه لاينطبق على الشاعر المرتزق.
قبل 34 عاما من قيام ثورة 17 فبراير, أي في عام 1977, تنبأ الشاعر الملهم والمناضل الصلب المبروك الزول الحاسي, رحمه الله واسكنه فسيح جنانه, عندما كان يقبع بسجن الحصان الاسود- سيئ الصيت- انبلاج ثورة الشعب الليبي ضد الطاغية وانطلاقتها من برقة بالذات بقصيدة رائعة توقع فيها نهاية الطاغية إلا انه وافته المنيه بعد مرض عضال- من تأثير حياة السجون السياسية- قبل ان يحضر المرحوم النهاية المأساوية للطاغية وانتصار الثورة ؛ قال فيها:
يا عون من جاه النبا من شرقه ********** وقالوا على الملعون ناضت برقــه
يا عون من جاه النبا بالنوضة ********** نوضة الوطن اللي شبيه الروضه
وبــــات النعيل مكفي حوضــــه ********** بعــد يوم بانت فيه شـــمســه زرقــه
ذهــــب على الصوايب صرته منقوضه ******* يفرفش براســـه صايرتله غرقـــه
يا عون من جاه النبا من شرقه ********** وقالوا على الملعون ناضت برقــه
يا عون من جاه النبا من غادي ********** يهدوا ضنا برقه خيوط سدادي
ويصير يوم في المنعول يوم عنادي********** نين يوهق اللي خايف ويابس عرقه
نهار غيض من يومه نهار طرادي ********** انكان صار من داروا عزاه وفراقه
ياعون من جاه النبا من شرقه ********** وقالوا على الملعون ناضت برقه
يا عون من جاه النبا ميازي ********** من برقة البيضاء شرقها بنغازي
وبرقة الحمراء خطها متوازي ********** والمرج على البيضاء رفق في الطرقه
يوروا انجوم القايله للنازي ********** يوم الملاقه ضرب مو بالدرقه
منعول بيه صفاه يعازي ********** ميت بصفره كبدته منحرقه
ياعون من جاه النبا من شرقه ********** وقالوا على الملعون ناضت برقه
يا عون من جاه النبا في ساعة ********** في برقه يقولوا صايره بوزاعه
ودرنه وطبرق نارهن ولاعه ********** دارن نهار زاد دخنه برقه
الا عاد بنغازي اصحاب شجاعه ********** اجواد يفزعوا هلها في اوان الشرقه
يخلو نهاره ليل لون قناعه ********** نين من سواده نجمته منزرقه
ياعون من جاه النبا من شرقه ********** وقالوا على الملعون ناضت برقه
وهذا الشاعر المخضرم سيف النصر عبد الجليل الذي من حسن حظه اكرمه الله بمعايشة ثورة 17 فبراير, وحينما بدأت الثورة صب الطاغية جم غضبه وحنقه ضد الثوار الذين خرجوا عليه وبصدور عارية وطالبوه بالرحيل بعد ان يئسوا من دجله واكاذيبه, بخطابه التعيس, خطاب الدار دار والزنقه زنقة, واصفا اياهم تارة بتعاطي حبوب الهلوسة وتارة اخرى بالجرذان, فأبت قريحة الشاعر الا ان ترد على اقاويل الطاغية بقصيدة رائعة عنوانها ” حشاهم من قولة جردان” فند فيها اكاذيب الطاغية واعطي فيها الوصف الحقيقي للثورة والثوار, ووثق فيها –بإقتدار- ثورة 17 فبراير بكل دقة وامانه, بعين الشاعر وبعين المؤرخ, وتنبأ فيها بإنهيار عرش الظلم والطغيان وانتصار الشعب وقد تحقق حلم الشاعر- ورأه رأي العين- يتحقق رويدا رويدا حتى نهاية الطاغية يوم 20 اكتوبر عام 2011م عندما كان وحيدا ذليلا بين يدي الثوار- لا حول له ولا قوه- كما كان يفعل بضحاياه من ابناء الشعب الليبي المقهور طيلة فترة حكمه البغيض.
حشاهم من قولة جردان
حشاهم من قولة جردان وهم فرسان أسيود تقاحر في الميدان
حشاهم من قولة سكار وهم جسار بعزم اتقوا طلق النار
تواغي ماليهم الاصرار على الزنان ايهدوا بالصدر العريان
دراه الكبود وكبت امرار وغل زمان القهر وجبروت الطغيان
عطالهم طاقة الإنفجار ارفع الأذان فاضت نخوتهم غدران
بدات الحكاية والمشوار بنشر إعلان لتنضيم مسيرة شبان
البغي استبطش بيهم دار قفط الأركان تغشم ضربه في المليان
ضبح بو تربل جوه انصار شغل ميدان علا التكبيرة نفرت جان
بلطم القمقم بعد اخدار شرك الأكفان طلق عرباده نابه بان
بدت بسم الله تكت نار هوت الأوثان دكاك المعبد على الكهان
سطع بونجمة فوق اشهار زهي الألوان إدريس ومانه مالاجنان
اسخانت عالعاتي الجبار وعالخيان وعالعسافة والسجان
صلابة ليبيين أحرار وربك عان نصرهم واداعن سيسان
الباطل طاح سريع انهار هبي دخان زهق للبخسة للعوان
بهدي المهدي والمختار ابعث إنسان عزيز امحصن بالإيمان
انتفضت برقة لهبت ثار فجر بركان جبلها يهدر والبطنان
رفض ساحلها ذل العار وجن بلدان الحمراء والبيضاء قران
ثراها عاجج عب اعصار سحن وديان توارع بغياض وبغبان
ارسن في الميناء صار نهار ثناهم بان عرب بنغازي في اعيان
ضناهم رقاية الأسوار عطوا الأثمان بدفن أربعمية جثمان
على الغربية طق احصار أبت تليان ستالينجرادت هالزمان
صمدة رجالة رغم افجار قوى العدوان ونقص العدة والدويان
اسقو المرتزقة كاس امرار شدو بألحان المجد ولذات النكران
رموز الفدوى والإيثار لكل زمان مثار الفخرة والعرفان
هيهات الذلة مالبرار اشدد دوعان صدق في الهدة والدعكان
عرقهم ودماهم سقطار عشق الأجنان بنول شهادة من المنان
سعد فردوس ابطهر اخيار لهم تزيان حواري عين كما المرجان
اسمك عالصدق لدى الغفار إخوة احبان على الأرائك في اطمئنان
هنيئا للشهداء الأبرار رضاءالرحمن وجنات خلود وغفران
انهض يا شعبي يا نغار انفض الأدران اثبت للكل انك هلمان
وانك عملاق قوي وجبار وانك رجحان الكفة لا مال الميزان
وانك هو الراشد ذو الأبصار وأنك ضمان النهضة وجهادك برهان
أسحي النحرافة في تيار ادرب الأفتان اقدع شيطانك مالفتان
ألجم أحقادك صون الجار انشر الأمان أوفر عافيتك للبنيان
حافظ عاللحمة والإستقرار اقتل ***** الحقد ونزعات الشيطان
حرص من النكسة والاستهتار اصلب الامحان إن جنك يلقنك دوزان
أشبح قدامك باستمرار اقرأ القرآن ابني المستقبل بالإنسان
حشاهم من قولة جردان وهم فرسان أسيود تقاحر في الميدان حشاهم
الشاعرة- بنت الوطن- الدكتوره منى علي الساحلي هي الشاعرة الليبية التي تصدت للمرتزق الموريتاني الذي رثى ومجد الطاغية بنفس القافية التي اختارها لصياغة قصيدته الفجة ذات الكلمات مدفوعة الاجر من قوت الليبيين والمغموسه في دماءهم. واحتراما للدماء التي اريقت والارواح التي ازهقت والاطراف التي بترت والاعراض التي انتهكت لن انقل الا البيت الاول من قصيدة المرتزق ضاربا عرض الحائط بالامانه العلمية التي قد تقتضي عكس ذلك. وهذا البيت الاول منها:
أيعقل أن تموت هي السيوفُ….؟ **************** وهل تقوى على السيف الحتوف؟
رد الشاعرة منى الساحلي على هيئة اجابات على تسأولاته البائسة وكأنها صفعات متتالية على وجه الشاعر المرتزق البارد بالكلمات المعبرة والموزونه تتجلى فيها مقدرة الشاعرة واتقانها لفنون وتقنيات صنعة الشعر, فجازاها الله, عن كل الليبيين الشرفاء, خير الجزاء.
نعم اودت بسيدك الحتوف ********** وزلزل ركنه الخاوي الضعيف
وأظلمت الفجاج بناظريه ********** وأنتن منه- قبل الموت- جيف!
يجرجر في توسله ذليلا ********** ويشمخ فوق رمته الوقوف!
فما آنت لسقطته البرايا ********** ولا هبت لنصرته الالوف!
ولا بكت المنابر حين ولى ********** لا ناب الشموس له الكسوف
وحل الخزي أوجه ناصريه ********** وبعد الكبر, جذعت الانوف
وذي الملق اللئيم يذوب رعبا ************* له في كل آونة وجيف
توارى عن عيون القوم ذلا ********** فنم العار والبال الكسيف
أتى امر الاله, فأدركوه ********** ولكن… بعدما انهارت سقوف
بقدرته جرى في اللوح حكم ********** وأيدينا البراعة والحروف
ببنغازي علا بالعز صوت ********** فثارت نصرة مدن وريف
قضاء الله انزلاه فيهم ********** قضاء لايجور ولايحيف
فتعسا للذي يأسى عليهم ********** ولا لذ الحياة لهم حليف!
ابا عمرو(1) جزاك الخير رب ******** بأهل مراحم بر عطوف
وذا خلق الكريم الحر يشجى ******** إذا جارت بإخوان صروف
ويفرح إذ يزول الهم عنهم ******** له- في نصرهم- رأي حصيف
واما العبد فهو يلوك فيه ********** فتبدوا سوأة ويفوح زيف
ألا يشجى لصرخات تعالت ********** بأطفال تمزقهم قصوف
الم ير للحرائر ثوب طهر ********** أذيل,وإنه العف الشريف
يكتمن الانين مطأطئات ********** ودون إرادة سقط النصيف
الا يبكي لآلام الثكالى ********** بحرقتها الكلوم لها نزيف
الا يجد الفجيعة في بلاد ********** يبيع ذمارها نغل قروف
إذا لم يرع آصرة وقربى ********** فأين الجار والدين الحنيف؟!
فهل من مسمع إياه قولا ************ وسمع الجور موقور جنوف
بغير الله ما انتصرت سيوف ********** ولا حلت على الباغي الحتوف
إذا ضاقت لمصرعه بلاد ********** عليك, وكشفت عنك السجوف
فمثلك مثل عبد السوء يعوي ********** وقد ضربت لسادته الدفوف
الا يبكيك- حين يباح- عرض ********** وتبكيك الدراهم والرغيف؟!
وحسب البغي ذلا حين ولى ********** ينوح عليه مرتزق وصيف!
فقيدك لم يكن سيفا فينعى ********** ولا هو سيد شهم عطوف!
ولا فقدت به إلا الرزايا ********** لها من يوم مصرعه خسوف
واما الشمس فهي تميس جذلى ******** يبارك عرسنا منها رفيق
ورقت انفس النسمات تحيي ********** ربيعاً قبل ما عرفت قطوف
بعدل قد قضى مولاك فيه ********** قضاءً ما تغيره الظروف!
(1) هو أبو عمرو الكندي الشاعر العماني الذي ردّ على الشاعر- المرتزق- الموريتاني بقصيدة جميلة.
في الحقيقة امامنا خمس شعراء؛ اربع منهم ابوا الا ان يختاروا طواعية نصرة الشعب وان يكونوا في صف المظلومين والمقموعين والمقهورين بينما اختار المرتزق الموريتاني, الطاغوت وأبى الا أن يكون إلى جانب الطاغية, وكل واحد من الشعراء عبر عن حقيقته ونفسيته واصالته وبالليبي عن بيتيته.
الملاحظ ان الشاعرين الليبيين المبروك وسيف النصر نظما قصيدتيهما باللهجة العامية او اللغة الدارجة والغرض من ذلك مخاطبة كل الليبيين لتوصيل المعنى؛ ولأن الشعر الشعبي محبب لدى كل الليبيين بإختلاف مستوياتهم العلمية والثقافية والفكرية؛ ولكن الشاعرة منى اختارت اللغة الفصحى وذلك لانها ارادت ان تدافع عن الثورة وعن ليبيا أمام العرب أجمعين بلغة عربية بليغة وسهله وفي نفس الوقت ليفهمها مثقفو العالم العربي وكذلك هي درس ورساله للشعراء العرب الذين قد يغريهم اليورو والدولار من عطاءات الطغاة ويصبحون عبيدا يطبلون لهم ويدافعون عنهم بطريقة سمجة وغير اخلاقية لتزيين شرور أعمالهم وتلميع صورهم البائسة الصدئة امام شعوبهم وينطبق عليهم قوله تعالى في الشعراء غير المستثنيين كما في الآية الاخيرة التي لا تنطبق عليهم, “وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ ؛ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ ؛ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ ؛ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱنتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ وَسَيَعْلَمْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ”.