سرد

رواية الحـرز (40)

يشرع موقع بلد الطيوب في نشر رواية (الحرز) للقاص والروائي “إبراهيم عبدالجليل الإمام“، على أجزاء بشكل أسبوعي!! قراءة ممتعة للجميع…

جامع مدينة غدامس القديمة (الصورة: عن الشبكة)

40

بصق الغريب ارضا.. داس على بصاقه.. لاحظ استنكار جل الكهول من فعلته… لكنه قال:
– تعلمون أن هذه الأرض قسمة بيننا وبينهم.. لنا أعاليها ولهم أسافلها.
اهتزت عدة رؤوس موافقة.. قال كبير مشائخ الأعيان:
– نسميهم بلساننا ” آيت أدا ” وهم يصفوننا بعكس ذلك “آيت أنج” اي أهل العالية .
واصل القادم الغريب:
انقسموا كما انقسمنا.. بعضهم سكن الصحراء.. بعضهم سكن البحار.. آخرين نزلوا السهول.. بينما صعد غيرهم الجبال. .
اعترض كهل في أقصى توفرضا:
– لم تأتي بجديد.. هذا يعلمه حتى صبياننا.
 بصق من جديد.. ردم بصاقه بقدمه.. واصل قائلا:

– سعت كل أمة على السيطرة على أرض غيرها كما تفعل أمم الأنس.. لهذا قامت بين ممالكهم حروب طاحنة .
قاطعه الكهل مجددا:

 – هذا ما يحدث أيضا بين أمم الإنس.. الحروب لا تتوقف.. كل يرى نفسه الأحق والأجدر بالسيطرة .
 – لكنكم استثناء.. لم تخوضوا حربا مع جيرانكم.. لم تتحالفوا مع أحدٍ ضد أحد.. لهذا يحترمكم الجميع ويحرصون على تحييدكم عن صراعاتهم المقيتة.

 – إنه خيار الأسلاف.

.. – فعلوا خيرا لهم وها أنتم الآن تجنون ثمرة فعلهم.. لو دخلتم في تلك الصراعات لما كان لكم ذكر إلى يومكم هذا.. ربما صارت بلادكم خرابا يبابا تسكنها أمة الخفاء بأعاليها وأسافلها .
صاح كهل بصوت به بحة:
– دعك من هذا الآن.. حدثنا عن القافلة.. من قائدها؟.. لم نرسل قافلة إلى كانو منذ أعوام.. الحروب هناك لا تنتهي..

 بصق من جديد.. توجه ليجلس في مكان يواجه أكبر الكهول سنا:
– لم تكن قادمة من كانو.. أنا الذي قدمت من كانو.. كنت أبحث عن رفقة للوصول إلى واحتكم.. فاستأجرت هذه القافلة.. كانت وجهتها إلى القيروان شمالا ..
قال الكهل ذو البحة:
 – ولم غير وجهته؟
 – ليوصلني إلى هنا ثم يعود أدراجه.. كنت بحاجة لرفقة.. لكنه…..
 – كيف اقنعته؟
– المال يا سيدي كفيل بذلك.

تدخل كبير الأعيان:

– ها أنت بيننا.. دفعت مالا كثيرا للوصول.. فقدنا شبانا من أبنائنا بسبب رغبتك الغريبة.. لم كل هذا؟

بصق القادم الغريب تحت قدميه.. قال:

– ظننت أني أخبرتكم أن حرباً ضروساً قد تندلع في أي وقت بين أمم الخفاء.. أنا هنا لأمنع وقوعها .
خيم الصمت من جديد.. جال القادم الغريب ببصره في الأعيان.. قطعه قائلا:

 – لا أستطيع الإفصاح عن كل ما لدي سوى لشيخ الواحة.. فليعذرني الأعيان.
سرت همهمة ساخطة.. قطعها الشيخ قائلا:

 – لك ذلك.. هيا بنا إلى داري أولا.
 – كلا.. لنذهب إلى المسجد.

 – حسنا… لك ذلك.

سار كبير الأعيان أمامه.. لحق به القادم الغريب.

سرى همس بين باقي الاعيان.. قال صاحب البحة:
– لابد أن هناك أمر جلل.
رد أحدهم:
– اختفاء قافلة لاشك أمر عظيم.
أما الثالث فقال:

– لم اصدق كلمة مما قاله القادم الغريب.. إنهم يتحججون بمثل هذه الحجج لأغراض اخرى.

ساأه صاحب البحة في حدة:

– أغراض؟… مثل ماذا؟.. هل تشكك في وجود القافلة؟.. ابن أخي أحد المفقودين الذين خرجوا للاستطلاع ولم يعودوا.. دعك من التشكيك وفكر بحكمة كما عهدنا بك.

 دافع عن نفسه:
– ما يثير شكوكي يا حاج هو قصته عن الأمم السبعة والحرب الوشيكة على الاندلاع.

– أما أنا فأرى أن وراء الغريب سر خطير يتعلق بالواحة.. لا تنسوا الأعرج واختفاؤه.. ولا تنسوا العجوز الشمطاء التي غادرت فجأة..
عم صمت بين الأعيان.. يبدو ان كلام ذو البحة أقنعهم.
قال احدهم:
– شيء ما يثير ريبتي في الغريب يجعلني اصدقه.
قال الجالس بجواره:
– نعم بصاقه المتكرر.. ليست تلك من شيم الكرام.. لابد أن اصله وضيع.

– ليس هذا ما عنيت.
– ماذا عنيت اذا؟
– عيناه… عيناه لم ترمشا ولا رمشة واحدة.. هل يعني لكم ذلك شيء؟
عم الصمت من جديد.. طال كثيرا..

أضاف:

– كما أنه لا أثر لخطواته على الأرض.. هل نعرفون ما معنى ذلك؟

عاد الصمت مجددا… همهمات مكتومة سرت بين الشيوخ..قال اكبر الحاضرين:
– هل تعني أنه من أمة الخفاء جاءنا متنكرا؟
اومأ برأسه إيجابا… سرت الهمهمات من جديد.. قال:
 – لكنه طلب الذهاب الى المسجد.
– هذا لا ينفي ذاك.. سنرى من شيخ الأعيان ما يكون من أمره.

مقالات ذات علاقة

جزء من رواية إريروس

فتحي محمد مسعود

إِنَّهُ العيدُ .. !

جمعة الفاخري

جزء من رواية لن ترضى عنك روما

فتحي محمد مسعود

اترك تعليق