النقد

حواء القمودي.. طفلة بقلب وطن.. تكتب شعرا

الشاعرة حواء القمودي
الشاعرة حواء القمودي


1

من نظريات علم الاجتماع  ودراساته ما يقول بضرورة بعدك عن الكائن إذا أردت أن تراه وبتفاصيله لأن قربك منه يجعلك جزءا من ملامحه وهذا  ما يواجهني وأنا بصدد الاقتراب من ” بنت السانية “حواء القمودي، وقد سبق وأن كتبت عن ديوانها ما اعتقدت أنه  من حقيقتها إلا أن الترحيب بما كتبت كان مؤجلا ،وها أنا أكتب عنها وعن ديوانها الثالث وأنا وجل لسببين الأول خوفي من دموعها والثاني أن لي علاقة بشعرها منذ أن نشرت أوائل قصائدها ثم رافقتها حريصا على الطفلة التي لم تكبر في العمر عاما وتمارس لعبة القصيدة على هواها، أقول على هواها.. هوى حقيقتها وليس على هوى شروط البلاغة اللغوية والشعرية، هي تكتب كطفلة تحضن القصيدة بشغف طفولي، مفرداتها في كل ما كتبت أنت لا تحتاج لأن تسأل نفسك عن معناها ومرماها، في معجم لأنها مما أهملته المعاجم لكنها في المعنى الدقيق للحقيقة الشعرية، وكما يقول الجرجاني ” الأول في القلب الأول في الكلام ” إذن أين تكمن روعة قصيدتها ؟ هنا تبدأ الحيرة، لن أقول أنها من الوضوح إلى حد الغموض، لا تعطيك فرصة للسؤال هي تغمرك بكلها، هنا نتكلم عن سحر اللغة، أو اسمحو لي أن أقول من سحر الطفولة لا أكثر ولا أقل، هي ترى العالم والحياة بعين طفلة وقلب طفلة لذلك هي كثيرة البكاء وكثيرة الحلم، تحلم كثيرا  وتشتاق أن ترى كل  الكئنات في سلام ومحبة، وهكذا هي منذ أن صرخت أنا هنا، سحر اللغة جاء من سحر الطفولة الكامن في حناياها منذ مولدها، بهذا المعنى هي لا تعرف ما نعتبره شيخوخة الزمن، وهي أيضا خائفة على الحلم والوردة والقصيدة، هي خائفة من رصاصة تنشب أظفارها في ابتسامة عاشقين.

أتذكر طفلة كانت
عيناها الدهشة
شعرها القمح
ضحكتها
ضحكتها الصهيل

2

هذه ليس الصرخة الأولى لحواء القمودي، كانت قد بدأت صرختها منذ زمن بعيد لكن دون أن تجد لصرختها صدى، لأن الصرخة كانت للأنا جسدا وروحا، نموذج كانت متمردة وعشوائية، وكانت فاقدة لأداة استفهامها الواقعية لذلك لم يتوقف صراخها، خاصة وأنها أذابت عشقها الأكبر للأم الكبيرة ليبيا، ولعلي أقول أن هذا العشق يكاد يلامس حد الهيام، يعذبها أصغر جرح يمس شعرة من روح الأم الكبيرة، فهي في المدرسة غاضبة لأنهم قاموا بإلغاء حصة المكتبة والمكتبة نفسها وجعلوها فضاء للهدرزة، وهي تبكي من فرط حزنها على طفل قتلته قنبلة، تقول إنهم يلعبون بحياة الناس، هي هكذا خلقت بقلب لا يعرف إلا أن يحب ودموعها ليست إلا دموع المحبة، وهي طفلة تبكي على لعبتها المكسورة، وهي العاشقة الأبدية لحبيب لن يأتي، تتحدث إليه كأنه ملئ المدى، وهي بنت السانية وما تعني وبنت المدينة وما تعني ثم يتلاشى في قلبها كل الوجود وتبقى ليبيا ملئ  كل خلية من قلبها  وكل كيانها حد الفيضان، وهي تكتفي بتذكيرنا في ديوانها الأخير:

لأن طرابلس بنت البحر
عصية هي
كما لو كان الماء
ما خلق
إلا ليغسل قدميها
والزرقة لم تخلق
إلا لتزين سماءها

هكذا، ويبقى سؤال، هل ستتوقف حواء عن الصراخ؟ في يقيني أنها لن تتوقف لأن الشر يتربص بالذين تحبهم دون توقف وهي لأنها عاجزة عن رده فليس لها إلا أن ترفع في وجهه صرخة لعلها تشق باب العرش كما قالت أمي ذات يوم بعيد.

مقالات ذات علاقة

مداخلة قصيرة حول الغزالة

يونس شعبان الفنادي

مذاق حنظلة – قراءة في المجموعةالقصصية للقاص والكاتب عبدالرحيم علي بوحفحوف

نورا إبراهيم

فاجعة ما بعد الحلم الواعد .. قراءة أولى في رواية الكلب الذهبي

رضا بن موسى

اترك تعليق