ريم القماطي
بمجرّد أن نخترق بوّابة الطّفولة،
يشتد عودنا،
يظن البعض أننا ننمو،
ونحن نفرح بذلك، ظنًّا مِنّا أنّنا أصبحنا كبارا، وأنه من الممكن الإعتماد علينا،
فنصاب بشغف المراهقة،
وأننا أصبحنا ناضجين بطريقة متعجرفة،
لم نعد نحتاج إلى من يربت على أكتافنا لنشعر بالأمان،
أو من يُقبّلنا لنشعر بالحنان،
نصبح و بطريقة ما منفصلين عن ذواتنا، بصورة لم نعهدها،
نصبح أكثر رفضاً للقُبَل، فعقولنا بُرمِجَتْ على أن التقبيل للأطفال،
ننسلخ عن أحضان أمهاتنا رويداً رويداً،
حتى ما إن احتضنونا أصبحنا نتحايل حتى نهرب من بين أيديهم،
نريد فقط من يُضرب بيدٍ ممتلئة على أكتافنا ليقُل أحسنتم! أنتم أبطال،
أو أن يُقبّلنا على رؤوسنا،
قُبلة الفخر،
ينصهر شعور الاهتمام فينا،
وتُكبّل صدورنا بالكتمان،
تتجمّد أحضان الودّ، وتتصلّب مشاعر الإستناد،
كل ذلك، لنحضى بالثقة، بالاعتماد، بالتفاخر بنا،
فقط لكي نشعر “بالنّضج”،
تلك السنوات كَ مَنْ يحجُب عقولنا،
تمر دون انتباه منّا،
كأننا فقدنا جزءاً من الوعي لدينا،
كَأنّنا قد خُدّرنا حتى فقدنا الشّعور بمرور الأيام،
من ثم ندخل في نوبة الحِرمان،
نوبة الحقيقة الخفية،
اختفاء الأحلام الوردية،
تكشف الحياة عن وجهٍ جديد، هو ليس جديد مُطلقاً، وإنما هو غريبٌ بالنسبة إلينا،
نبدأ في البحث عن ذواتنا،
نحاول الرّجوع إلى حيثُ قررنا النّضوج،
حينها لن نجد أحضان الأمهات، ولا تقبيل الآباء،
لن نجد “حِجْراً ” نهوي برؤوسنا إليه،
لن نجد من يبتسم لنا ليقول كيف حالكم ياأبطال؟
أو أحسنتم!
ستكون إنجازاتنا أمراً بديهيا،
فنحن “كبُرنا”،
لا يليق بنا سِوا العقلانية،
حتى إنجازاتنا “تحصيل حاصل”
سنحاول أن نتحدّث مع العائلة في أمرٍ ما،
ولكن لن نستطيع،
مراهقتنا ستبقى في خِزانةٍ ذات “شِيفرة” ملغّمة،
من الخطر أن نحاول فتحها،
الكثير والكثير من الأسرار، سيكتظ بها جوفنا، حتى تختنق حناجرنا بأيّامٍ شائكة،
ولكن لن نستطيع سِوا بلعها، أو تحمّل الاختناق،
تِلك السلاسة و “العبطية” التي كنا نسترسل بها أفكارنا وأسئلتنا ومواقفنا وبلا مبالاة حينما كنا صِغارا، سيسحقها قطار العمر، فلن نستطيع أن نستخدمها،
وسنصبح أكثر إنتقاءاً لكل عبارة، بل ولكل شعورٍ أيضا …
فرض التّبعيّة من أقران تلك السّن سيكلّفنا زعزعة سنواتٍ عظيمة من حياتنا،
سنحاول بلع اللحظات الشّائكة والاستمرار ونحن نبلع الموت رويداً رويداً،
سيخترق شعور العزلة والخوف قلوبنا،
سنشعر بأننا عروش خاوية،
وكأننا في مكانٍ مُظلم، مزنجرٌ بالرّعب،
سنشعر بالوحدة،
سنكون شباباً لم تنموا طفولتهم،
بصورة ما سينتكس فينا الشعور بفقدان الاحتواء!