طيوب المراجعات

رواية زنزانــة لـ”حمد هلال”

رغدة السعداوي

رواية الزنزانة

جميل أن يُهدى إليك كتاب، فالذي أهداك كتاب لم يُهديك مجرد وُريقات فحسب، بل أهداك عالماً كبيراً، جميل وجديد بأسره، ومفتاح مُغاير يفتح لك باباً للسعادة وللتزوّد ببعضٍ من المعرفة، لإحكام العقل وجعله ينبض بالحياة من جديد بعد أن بار لمُدّة.

ولكن الأجمل من كل هذا، أن يُهدي إليك الكاتب كِتاب من كِتابته ونسجه لحروفه وكلماته وأن يُكتب لك الإهداء بخط عشوائي يحمل الكثير من المعَان الجميلة.

وقد أُهدِيت إِلَي رواية “زنزانة” من كاتبها أ.حمد هلال وكُتب إلَي إهداء، ولطالما كان الإهداء في كل ما قرأت من كتب وكل الكتب التي سأقرأ أجمل جزء في الكتاب، ولا أمانع في قرآئته عشرات المرات كل يوم وبتكراره لأنه دائماً ما يأسرني. وقد قرأت ما كُتب لي بكل فخر وسعادة مستفتحةً به بداية رحلة شيقة جديدة ومميزة مع كتاب مميز وجديد.

رغم إيماني وإعتقادي التام أن هذه الرواية لن يستشعر لذتها إلا من كان له النصيب في قرآتها ولكنني سأحاول بشيء من الإيجاز أن أكتب هذه المراجعة البسيطة علّها تكون كَردِ للجميل وتعبيراً عن الشكر للكاتب المُبدع أ.حمد هلال.

بدأ أ. حمد روايته بإهداء دافء جميل ثم أتبعه بمقدمة مليئة بمعانٍ قيّمة حيث قال: “اتّبع خطواتك الواثقة..لا تنظر إلى البعيد على أنه صعب المنال…” ثم ختمها بقوله “… وعندما تصل إلى هدفك المنشود ستقول بأن الطريق كانت أيسر مما اعتقدت“.

وقد كان للمقدمة دور كبير في دفعي نحو الولوج في عوالم هذه الرواية، والتي قسّم الكاتب أجزاءها ببراعة إلى أبواب زنزانات ومع كل باب وكل زنزانة درس جديد مُستفاد.

تنوعت الدروس المستفادة بشكل آسر مُبسّط ولكنه يحمل معانٍ عميقة جداً تستحق التأمل والتفكر في تفاصيلها، وكان أيضاً لسرده المميز وتسلسل أحداث وتفاصيل الرواية بشكل جميل دور في جعل هذه المعانِ تُظهِر قيمهَا السويّة.

اختار أ.حمد “مثقال” ليكون بطلاً لروايته فأنا أَجزُم هنا بأنه لم يقع الإختيار على هذا الاسم عبثاً فقد كان مثقالاً اسماً على مُسمّى، فهو كما يُعرف من موازين الذهب، وقد كان “مثقال”حقاً شخصاً عادلاً راجح العقل، حكيماً.

واختار البقاء في السجن طوعاً لعشرة أيام على أن يُنعّم بالحرية التي لن تخلوا من ظنون الناس السيئة جداً، تلك الفترة التي ربما نراها ليست بالطويلة، لكنها كانت نقطة تحوّل في مثقال بشكل عظيم، حيث إن هذه المحنة بقدرة القادر تحوّلت إلى منحة تُعين “مثقال” على المضي قدما في حياته بكل قوة وثقة لحياته القادمة.

تناولت الرواية العديد من القيم السَّمحة التي من شأنها أن تُعلي مِقدار الفرد وأن تسمو بأخلاق المجتمع والجماعة، كالعدل والصدق والشجاعة والنُّبل، والكرم والمبادرة والتريث، والصبر، والأمل.

وفي كل زنزانة يدخلها مثقال ينتصر في المبارزات الفكرية التي تحدث بين جدرانها مع من يلتقيه فيها، ويخرج بدرس مُستفاد يُهيّئه في غوض غمار المبارزة القادمة في الزنزانة التالية، فقد كان فطناً، نبيهاً ويمتاز بذكاء عالٍ.

فالقدر قد اختاره للسجن بعناية، والسجن قد صار لمثقال غاية.. ليس لأنه قد أذنب، ولكن الله أحياناً يضعنا في إختبارات نعجز عن إدراك نفعها في البداية ولكن الوقت وكالعادة مروراً به واستسلاماً له يُظهر لنا الخفايا العظيمة خلف البلاء.

وفي النهاية سأذكر لكم أحد الإقتباسات العظيمة التي اقتبستها من بين تلك الكلمات المُحاكة ببراعة حيث كُتِب: “فأنا أحيا برغباتي ولا أترك نفسي إلا لما ينفعني منها، أما إذا كان خارج هذا المكان شجر أو صحراء قاحلة، فهذا الشأن شأن عقلك وتصورك أنت وعلى أي حال ترغب أو تُحب أن ترى هذا المكان فستراه كما تُحبّه وترغب به“.

ومن هنا لا يسعني سوى أن أقول بأن الرواية قد نالت إستحساني كثيراً فقد أحببت ما بها من تفاصيل وعمق رغم بساطة ما تحتويه، لكنها تستحق التأمل وإسقاط ما بها من قِيم على حيواتنا و واقعنا الذي نعيشة، وإعادة النظر في العديد من جوانب الحياة التي أصبح من الصعب السيطرة على مجرياتها كما سابقاً.

وكل هذا في صفحات بسيطة لا تتجاوز 136 صفحة….


نشر في السقيفة الليبية

مقالات ذات علاقة

كتاب جديد: فتنة الأدب وغواية النقد للكاتب حسن المغربي

المشرف العام

رواية “حرباء في حديقتي”… عن الحياة في بنـغازي إبان السبـعينيات

المشرف العام

الأدب النسائي الليبي بين رهن الذات والمجتمع المحافظ

خلود الفلاح

اترك تعليق