حامد الصالحين الغيثي
امام مبنى ادارة الملحقيات وشؤون الموفدين، بعد أن خرجت من المبنى، كنت قد أتممت بعض الإجراءات لغرض الدراسة خارج البلاد، وبعد أن وعدني الموظف بالاتصال بي في وقت لاحق لاستلام الإجراء المتبقي، فقد كان يلزمه الكثير من الوقت نظراً للموافقة الأمنية وغيرها.
في طريقي إلي سيارتي، ألتقيت مصادفة بصديق قديم لي، أو بالأحرى زميلي أيام الدراسة، قد فرقتنا ظروف الحياة
كما تعلمون أن “رُب صدفةٍ خير من ألف ميعاد”
عند مصافحتي له، ورغم هشاشة ورخو مصافحته لي إلا انني قلت له :-
– ايامك يا طيب؛ وين ما عاد نشوفو فيك
فأجابني :-
– ضغط عمل والله وسفريات ولقاءات واجتماعات في الوزارة.
وعند سؤالي له عن حالته اجابني :-
– لوز وتفاح …… ؟؟؟!!!
لم أفهم وقتها ما الذي يقصده، سوى أنني ألتزمت الصمت حتي ركب ذلك الصديق سيارته الفارهة، وغادرني دون ان يودعني.
وفي طريقي الي البيت، كنت أفكر بذلك الإتصال:
– هل حقاً سيتصل ذلك الموظف؟..
– هل ستطول مدة الموافقة الأمنية تلك..؟
– ثم ما الذي كان يقصده ذلك الصديق القديم في جوابه لي “لوز وتفاح” عند سؤالي له عن حالته
عندها مررت من امام بائع خضار وفاكهة، ولمحت عيناي صندوق تفاح علي منصة العرض، تذكرت ذلك الصديق، وتوقفت فجأة؛ فإذا بزمار سيارة خلفي عنان صوته قد ضرب مسامعي
عند نزولي من السيارة، وحطت رجلي علي الأرض، قد مرت بجانبي السيارة التي اطلقت عنان زمارها، ثم توقفت لحظة ليصرخ سائقها في وجهي قائلاً:-
– مبارك عليك الطريق.
ليرحل بعدها وأنا أحكحك مؤخرة رأسي لإحساسي بذنب توقفي فجأة، واتجهت الي البائع
_ السلام عليكم
_ وعليكم السلام يا باشا، اتفضل أي خدمه
سألته :-
_ بكم كيلو التفاح ؟
فاجابني :-
_ اتفضل يا باشا… ده انت عايز كم كيلو ؟..
الكيلو ب 15 جنيه
ولهروبي من البائع الذي يراني بوزن الكيلو الواحد من التفاح فأنا لا أملك ثمن النصف الكيلو حتى، فقلت له :-
_ زعما التفاح اللبناني هضا !؟
لأجد اجابته لي كما كنت متوقعاً:
_ ايوه يا باشا التفاح اللبناني السِمح (بكسره لحرف السين)
ليجد الرد مني قائلاً له :
_ لالا.. انا نبي تفاح مزارع الوسيطه، التفاح الوردي “السِمح” هضا علي قولك وانت ما عندك.
غادرت البائع، وذهبت وأنا استمع أغنية للفنان سعد محمود كانت كلماتها للشاعر الغنائي عبدالله فؤاد معيوف
زعلان زعلان
زعلان وحال وعدوك
زعلان زعلان
يا قلبي تاخذ سوك
وأنا أردد كلمات الأغنية، كانت قد ذكرتني بحقبة مريرة منذ سنة تقريباً قد مضت. وفي طريقي توقفت امام محل عطارة، أتجهت للبائع وبعد تحية الإسلام قلت له :
_ عطيني بـ 5 دينار قهوة
ثم سألته :
_بكم كيلو اللوز عندك؟…
_ الكيلو ب 65 دينار
عندها تذكرت السيارة الفارهة لذلك الزميل القديم، وتذكرت مصافحته الرخوة لي، وكنت قد تناسيت بأن ذلك الصديق يشغل منصب رفيع في وزارة الأفاريات البرانيه (وزارة الخارجية) وتذكرت أيضاً بأن له أبن عمه نائباً في مجلس النواب. عندها عرفت معنى وقصده في قوله لي “لوز وتفاح”.
لأحكحك أنفي بأصبعيَّ الوسطةُ والسبابه، وأستنشقت عندها رائحة عطر باريسي لذلك الصديق القديم كانت قد ألتصقت بيدي؛ إلا ان رائحة القهوة قد طغت علي رائحة العطر الباريسي
اعطيت البائع حقه وغادرته….
أيقنت عندها برأسي المائلة هذه وأنا جالسٌ علي كرسي سيارتي، وبشعر رأسي المنكوش، وشعر لحيتي المتقطعة، قول ذلك الصديق القديم “لوز وتفاح” انه كان يقصد
حالته في منتهى الرفاهية
أما أنا واللهم لا حسد لا أملك أبن عمٍ عضواً في مجلس النواب.
وصلت لمنزلنا، فتحت باب سيارتي ووضعت رجلي علي الأرض، فإذا بهاتفي يبدأ بالرنين
أجبت علي الهاتف، لأجد المتصل ذلك الموظف الذي قد كان وعدني بالإتصال ليخبرني قائلاً:
_ “يجب عليك ان تختار بلداً ثانٍ غير البلد الذي كنت قد اخترت، ولتخاطب جامعة من احدى جامعاتها لتأتي بعدها إلينا معك موافقة من الجامعة في ذاك البلد، لأن البلد الذي اخترته قد اغلقت سفارتنا بها أبوابها، نظراً لأمور سياسية، وتم مقاطعتها في جميع المجالات.”
أغلقت الهاتف، وأخذت نفساً عميقاً من ثم قلت:
_ حقاً “لوز وتفاح”
دخلت المنزل لأجد أمي تنتظرني كعادتها في جلسة رائعة ان أعد لها فنجان القهوة …! لكن؛ للأسف كنت قد نسيت جرامات القهوة في محل العطارة.