من أعمال الفنان محمد الشريف.
المقالة

حلاوة العيش

من أعمال الفنان محمد الشريف.

وأنا أنتقل عبر القنوات الفضائية بواسطة الريموت كنترول توقفت عند احدى القنوات الليبية ،وجدتها تبث برنامجا ثقافيا، فامتلأ قلبي بالحبور ، وحمدت الله أن القنوات الفضائية الليبية مازال عندها بال واسع للثقافة بعد أن احتلها المحللون السياسيون خلال السنوات الماضية وهيمنوا عليها تماما ، كان عنوان الحلقة : مفهوم السعادة في الحياة ، فازددت حبورا وفرحا وبهجة ، وقلت لنفسي : هل مازل هناك من يتكلم عن السعادة في هذا الظرف الشديد كما يقول أيمن الاعترفي أغنيته الشهيرة 
وطنا ياوطنا ؟ 

كان الضيف وهو شاعر ( أو شاعر بأنه كذلك ) يشرح للمشاهد الليبي كيف يكون المرء سعيدا قائلا : لاداعي لأن ننزعج إن لم يكن لدينا خبز في البيت ، لاداعي أن نتضايق إذا جاءنا ضيف ولم يكن لدينا في الثلاحة عصير أو مشروبات نقدمها له ، بامكانك عزيزي المشاهد أن تملأ كوبا بالماء وتعصر فيه حبة ليمون قارس وشوية سكر وتقدمه لضيفك يحتسيه ، وتحتسي أنت كاسا مماثلا ، وتعيشان أوقاتا طيبة في سعادة وانتشاء . قاطعه المذيع : الحقيقة أن السعادة من حولنا لكننا لانراها ، وراح المذيع يفيض في شرح هذه المقولة الفكرية الثورية الخالدة التي قالها منذ قليل منتزعا الكلام من الضيف الذي تحول في لحظة إلى مذيع ، فيما تحول المذيع إلى ضيف الحلقة ، وهو أمر سحري لايمكن أن يحدث بالنسبة لقنوات العالم أجمع ، لكنه يعتبر أمرا عادية بالنسبة للقنوات الليبية لأن المذيعين الليبيين تعودوا منذ زمن طويل على جمهرة المواقع ، إنه أمر عادي للغاية يحدث في ارقى القنوات الليبية ، الغريب هو أن تجد الشاعر قد كتب في ذلك اليوم على صفحته على الفيس بوك خبرا يقول : سوف يُجري معي الليلة على قناة كذا المذيع فلان الفلاني لقاءا تلفزيا فكونوا في الموعد ، بينما الصحيح هو أن يقول : سوف أجري الليلة لقاءا مع المذيع فلان فكونوا في الموعد .

ولأنني اعتدت على مثل هذه اللقاءات التي ينقلب فيها الضيف إلى مذيع والمذيع إلى ضيف ، لم استغرب الأمر، ولكني وأنا أحتسي السعادة المندلقة من الشاشة بفضل كلام المذيع وضيفه صاحب اقتراح الليموناضة ، انتبهت إلى فجأة إلى الضيف الذي كان مذيعا في بداية الحلقة وهو يقول : إن لكل مرحلة عمرية حلاوتها ، للطفولة حلاوتها ،وللكهولة كذلك ، وللشباب حلاوته وللشيخوخة حلاوة وعلينا أن نعيش هذه الحلاوة التي تغمرنا من كل جانب دون أن ندري ، ودون أن نعي ذلك ، لأننا في أغلب الأحيان لاننتبه لحلاوة العيش ، ومن فرط الكلام الحلو وجدتني انتقل ببصري إلى الشريط الإخباري الذي كان يجري تحت قدمي المذيع وضيفه على ذات الشاشة ، كان الشريط يزف للمواطنين أخبارا سعيدة عن إغلاق آبار نفطية من قبل قبيلة ابصر منو في منطقة ابصر شنو ، وأخبارا عن اشتباكات مسلحة بين كتيبة ابصر منو وكتيبة ابصر منو، وخبرا انقطاعات في التيار الكهربائي بسبب سرقة كوابل كهربائية من قبل ليبيين حلوين ، وأخبارا عن انقطاع المياه عن مدينة أبصر شنو لأن قبيلة ابصر منو الحلوة أغلقت الخزانات التي تزود تلك المدينة بالمياه إلى حين توظيف ابنائها الحلوين في الدولة ، وخبرا عن إضراب العاملين في مستشفى ابصر شنو عن العمل لأن مسلحين حلوين اقتحموا المستشفى وضربوا الاطباء والممرضات وقتلوا المرضى ، وخبرا عن ناطق عسكري باسم أبصر شنو ينهي بيانه الحربي بعبارة : إما أن ننتصر أو نموت أو نفنى جميعا ، فتكتشف أنه تمت إضافة حلوة للمقولة الشهيرة ” إما ان ننتصر أو نموت ” وهي : ” أن نفنى جميعا ” ..فتصفق منتشيا وتصيح : حلو .

ويتضاعف احساسك بالسعادة ، وأنت تقرأ هذه الأخبارالحلوة وتتابع برامج ثقافية حلوة تجعلك تتجرع السعادة وأنت جالس في مقعدك دون خسائر مادية تذكر ودون حتى أن تترك بيتك ، تندلق عليك السعادة اندلاقا من تلك الشاشات الليبية الحلوة ، فتنهض من مكانك وقد ثملت من فرط السعادة حتى انك تسير مترنحا صوب المطبخ ، وهناك تتوج سعادتك بكأس ليموناضة تعدها بنفس الطريقة التي اكتشفها لأول مرة في التاريخ الشاعر الذي تحول إلى مذيع قبل قليل في البرنامج الثقافي ، تحتسي كاسك متلذذا ، متخيلا السعادة التي سوف ينتشي بها ضيفك حين تُعد له كاسا مشابها وكأسا آخر لك تحتسيانهما معا في الصالون .

ومن وفرط السعادة ، من فرط الحلاوة ، سوف يهجرك، النوم ، وتظل تتقلب في فراشك طويلا .

مقالات ذات علاقة

أيُّ إصلاحٍ يعنون؟!

علي عبدالله

هل انهزم صاحب الكيان؟

يونس شعبان الفنادي

العقد الفرداني

المشرف العام

اترك تعليق