أهدي هذه المقالة أو الحكاية لشريكة الحلم
أو الرؤيا الشاعره الصديقة تهاني فرحات دربي.
فاطمة الورفلي
هذه قصة حقيقية… فذات عرس وبهجة في تفاصيل بنغازية، أخذت الفتيات يسابقن العروس في زينتهن، عمتى مبروكة، هي الجزء المفضل بطقوسها ووصاياها المحببة، سألنها: «بالله عليك، شن انديروا بيش نتجوزو في جرتها»، قالت لهن وهي تروض «اللوبان» اليابس في فمها بنتف الشمع: «حظكن زين، الليلة ليلة أربعاء، كل وحدة منكن تاخذ أربعين حبة عدس ومفتاح حجرة.. وتضعه تحت مخدتها، وتقول ’يالرابحا يالمستربحة ياسيدي التهامي وريني فارس أحلامي‘ وتلزم الصمت للصباح»… ممكن من كثرة ضجيجهن تخلصت منهن العجوز بهذه التعويذة.
في الصباح متحلقات على سفرة الإفطار أخذن يقصصن رؤاهن… إحداهن رأت نفسها تبحث عن حذاء في شوارع الكيش، والأخرى قالت أنها كانت في «لمّة للعيله.. مافيش براني».
أما تلك المتوجسة دائماً، والتى بطبعها المغامر فقط قبلت أن تفعلها، عندما حان دورها، وتوجهت الأنظار ‘ليها، صمتت ولم تجب، فما رأته من دمار ورعب ألجم لسانها، ولأنها كانت على أعتاب الذهاب في بعثة دراسية للخارج أمسكت عن سرد الحلم، وفسرت رؤياها في الحمام عله يفسخ.
قالت لهن باقتضاب وهي تفتعل ضحكة أنها لم تر شيئاً أبداً، وتلك الرؤيا حملتها معها سراً حتى لا يقلق عليها أحد.
مرت ثلاث سنين كيفما اتفق، لم يحدث شيء مدمّر كالذي رأته واضحاً في الرؤيا.
ذات ليلة نامت ببيت صديقة عمرها التي لم ترها طيلة هذه السنين، ومن مجمل أحاديث كثيرة وذكريات بدأت تسرد لها تلك الرؤيا المخيفة التي أرقتها لتصعق الصديقات اللائي أخذن يكملنها مع بعضهن شطراً بشطر، ويكتشفن أنهن تشاركن هذا الحلم الرهيب مع بعض الفروقات، لون السيارة مثلاً أو تفاصيل صغيرة، فهل يمكن ذلك؟!
في الحلم كانت إحداهن في سيارة حمراء فارهة، والأخرى سوداء فارهة أيضاً، وكان هناك أطفال كثيرون يحرسهم جنود مرتدين ملابس عسكرية مهترئة وبائدة، وكل البيوت مدمرة، وكانت هناك آلة ضخمه تشبه البلدوزر تهدم البيوت تباعاً، وكانت السيارة واقفة في الوسط… وسط هذا المشهد المدمّر وعالقة هناك، ﻷن لا طريق أمامها، سوى الأحجار والصخور الناتجة عن دمار البنيان.
علمن أن الحلم لم يكن يخص إحداهن فقط.. بل يخص أمةً ووطناً!
تفسر الحلم الرهيب في 2011، وذاك البلدوزر الذي أمعن في التدمير رأينه رؤية العين، في حرب لم ترحم أحداً، عاشتها مدينتنا، ولا زلنا نعيشها، والعسكر… حالهم وقدرهم كان قاسياً معهم، فقد كانوا يجرون ويذبحون كالشياه، فقط لأنهم يلبسون البزة العسكرية.
كرهت عيد الأضحى الذي كان رمزاً للفرح واللمة، فقد تشابه الذبح علينا! وأصبح عندي عقدة اتجاه شعائر الذبح أعانيها وحدي.
مع فارق أن الذبيح العسكري ينطق بالشهادة ويتحدث لذابحه ذو الرائحة النتنة واللحية الشعثاء قائلاً: «اتق الله يا رجل أنا مسلم كيفي كيفك.. كيف تذبحني؟».. هذا الشهيد يتقرب به القاتل لإلهه الداعر الشبق الذي يعشق دم العسكر الطاهر!
ونحن عيدنا هو من شعائر ديننا الحنيف.
والأطفال الذين بلا أهل كانوا يلاحقوننا بعيونهم الحائرة الحزينة.. هم أيتام هذا الوطن الجريح.
تحققت النبؤة للأسف بعد عشر سنوات من ذاك الهول الذي عشنه الصديقتان في حلم يشبه الكابوس. لم يستيقظن منه حتى هذه اللحظة… فقط أضيف أن الأمل كبير أيضاً رغم كل هذه السوداوية، لأنهن رأين رجلاً أسمر يخرج من بين الناس ويجلس وراء مقود السيارة، يُدير المفتاح ويخرج بها من اللاواقع واللامكان إلى طريق جديدة تلمع.
توضيح: شريكات هذه التعويذة أو اللعبة، إحداهن تزوجت رجلاً من الكيش وتسكن هناك، والأخرى تزوجت ابن عمتها.
___________
نشر بموقع المستقل