الكتابة الإبداعية لا علاقة لها بالأحلام أو الأمنيات، وإنما تتوقَّف على الجهد والمثابرة لإنجاز عمل روائي جيِّد يصنَّف على أنَّه إضافة نوعية للرواية الليبية، وليس مجرد تسجيل رقم جديد في سلسلة الأعمال المطبوعة.
هكذا عرَّف ذات يوم الروائي الراحل خليفة حسين مصطفى، الكتابة الإبداعية، مع أنَّ صفة «الصخب» عادة ما ترتبط بالأدباء والكتَّـاب، وهم يروِّجون لأعمالهم، أو يزاحمون من أجل نشرها، أو لتكون تلك المؤلفات حاضرة وضاحة وإنْ كانت فوق أرفف الكتب، لكنه كان عكس كل هذا فقد كان يكره الضجيج والضوضاء، حتى إنَّه اختار أنْ يكون اسم أول عمل أدبي له « صخب الموت»، عاش زاهدًا متقشفًا، رغم حضوره القوي في المشهد الأدبي الليبي بمؤلفاته من قصص ورواية.
والمتتبع للحركة الأدبية الليبية الحديثة، منذ بدايتها الفعلية على يد وهبي البوري والجيل الذي لحق به أمثال المقهور والتليسي والمصراتي والقويري والفقيه والشويهدي، ورائدات من النساء مثل لطفية القبائلي وفوزية شلابي ونادرة العويتي وغيرهن، ظهرت أسماء أخرى لكنها سرعان ما اختفت لأنَّها لم تستطع أنْ تقف بندية مع كل الأسماء الموجودة .
إلا أنَّ خليفة حسين مصطفى، الشاب الضئيل الحجم والخجول المظهر، حاد الردود، الفتى الذي جاء من أسرة ارتبطت بالثقافة والفن والمسرح، فهو أخو كل من الصحفي محمود النطاح والتشكيلي عبد السلام النطاح.
سيرة ذاتية
وُلد خليفة مصطفى وعاش في مدينة طرابلس، الشارع الغربي. عمل في بداية حياته مدرسًا للمرحلة الثانوية، بجانب عمله الصحفي الذي تفرَّغ له في ما بعد، سافر إلى لندن للدراسة وعاد بحصيلة لغوية مكَّنته من قراءة كثير من الأدب الإنجليزي والغربي عمومًا بلغته الأصلية، ما يعطي للقراءة ميزة الوقوف على المعنى والمضمون، كما عمل صحفيًّا بصحيفة الأسبوع الثقافي في طرابلس، وكان ينشر تباعا سلسله مقالات نقدية حول الأديب الراحل خليفة التكبالى.
عمل أيضًا مراسلاً لجريدة «الجهاد» في لندن، كما ترأس القسم الثقافي في جريدة «الشمس»، بجانب كتابة القصة القصيرة والرواية، له كتابات وقصصٌ للأطفال، وقد شغل منصب رئيس تحرير مجلة «الأمل» للأطفال، ومدير تحرير مجلة «سنابل» وهو عضو برابطة الأدباء والكُـتَّاب، كما كُلِّف برئاسة تحرير مجلة «الأسبوع الثقافي».
إلا أنَّ قرار إلغاء رابطة الأدباء والكُـتَّاب التي كانت تصدر عنها المجلة جاء متزامنًا مع قرار تكليفه، فتوقَّفت المجلة قبل أنْ يصدر منها أي عدد يحمل اسمه كرئيس تحرير لها.
وشارك في كثير من لجان التقييم في المسابقات الأدبية الشبابية والعامة.
«صخب الموت» أول أعماله الأدبية، أما مجموعته القصصية «حكايات الشارع الغربي» فكانت ولازالت أدق ما كُتب ولخص فيها حياة العائلة الليبية التي تقيم في طرابلس، وتشترك في بيت واحد مع أكثر من عائلة أخرى، وكيف هو التواد والتراحم بين الأسر.
تأتي بعدها «جرح الوردة»، ثم «ليالي نجمة»، التي جاءت في 950 صفحة، التي إتفق الكثير من النقاد على وَجَوب توفير كامل الإمكانات لتحويلها إلى مسلسل اجتماعي وسياسي، يرصد الوضع الذي عايشه الناس في بلادنا خلال فترات الاحتلال الإيطالي وما بعدها.
وتقدِّم «ليالي نجمة» تأريخًا اجتماعيًّا شبه دقيق لفترة من الحياة، شهدت تقلبات مهمة كان لا بد من رصدها وتوثيقها، وكان التناول لدى هذا الروائي بلغة سهلة ممتعة، بسيطة ودقيقة في جملها ومعانيها، شاملة كثيرًا من الصور والتحوُّلات.
وبعدها استمر عطاؤه، فكانت «متاهة الجسد»، و«الولي الأخير» والتي تعد آخر رواياته.
شارك خليفة بفاعلية في الندوات والملتقيات والمؤتمرات الثقافية، وساهم بفعالية في الصحافة الثقافية، فأشرف على كثير من الملاحق الثقافية والصفحات الأدبية والبرامج الإذاعية، وكان له دورٌ مهمٌّ في اكتشاف المواهب الأدبية وتشجيعها.
من أعماله الأدبية
ومن أعماله الأدبية «صخب الموتى»، التي صدرت العام 1975 و«توقيعات على اللحم» العام 1975 و«المطر وخيول الطين» العام 1981 و« ذاكرة الكلمات» العام 1981 و«خريطة الأحلام السعيدة» العام 1982 و«حكايات الشارع الغربي» العام 1982 و«عين الشمس» العام 1983 و «جرح الوردة » العام 1984 و«زمن القصة» العام 1984 و«آراء في كتابات جديدة» العام 1984 .
و«القضية» العام 1985 و«من حكايات الجنون العادي» 1985 و«عرس الخريف» و«آخر طريق» العام 1986، ومسرحية «خطط صاحب المقهى» و«عشر قصص تاريخية للأطفال» العام 1987 و«سلسلة قصص الأطفال» العام 1990.
ذاكرة الذكريات
كَتَبَ عن تجربته الأدبية كثيرٌ من الأسماء المعروفة في ليبيا منهم الكاتب والصحفي والتشكيلي رضوان أبو شويشة والكاتب أمين مازن والروائي محمد الأصفر والكاتب أحمد إبراهيم الفقيه، والكاتب والمسرحي سعيد المزوغي، الذي كتب في مقدِّمة حوار أجراه معه: «يجوز لي اعتبار الكاتب خليفة حسين مصطفى واحدًا من تلك الأسماء التي قدَّمت نفسها للقارئ العربي في حضرة إنتاج روائي قصصي متفرد وله خصوصيته.
ولذلك فلا عجب إذا لوحظ أنَّ هذا الاسم يحظى بكثير من الجدل، ذلك أنَّه ينجز مشروعه الروائي ويقول بلغة واضحة ما يريد قوله، وهذا ما دفعنا للجلوس معه في حوار قصير، لكنه حوار يعنى بالوقوف على فهم ما لم يقله بعد، وترصّد ما يمكن أن يكون، ففتح السجال طويلاً حول الرواية الليبية والمناخ الثقافي والأصوات القادمة من رهط قادم يعلن حضوره بشيء من الثقة، ودون استعجال نراه في أسماء جديدة صارت تطرح حضورها».
أما الدكتور محمد محمد المفتي، فكتب عن رواية «ليالي نجمة»، دراسة تحليلية نُشرت في جريدة «أويا» العام 2008، أهم ما جاء فيها:
«لقد اقتطع لنا خليفة شريحة ضيقة مكانيًّا وزمنيًّا واجتماعيًّا. فهو لا يغادر المدينة القديمة في طرابلس حتى إلى امتداداتها القريبة مثل ميزران والظهرة، أو الواحات/ الأحياء القريبة مثل العمروص وقرقارش أو سوق الجمعة، ناهيك عن دواخل طرابلس مثل تاجوراء وغريان والزاوية. وأحداث الرواية كلها تقع خلال فترة أواخر الأربعينات إلى العام 1952».
وفاته
توفي خليفة حسين مصطفى صباح الجمعة 22 نوفمبر 2008 عن عمر يناهز 63 عامًا بعد رحلة معاناة مع مرض السرطان.
_______________
نشر بموقع بوابة الوسط