محمود الغتمي
ولد فضيلة الشيخ العلّامة مفتاح الغنيمي في أول رجب 1284هـ، الموافق 28 أكتوبر 1867م في قرية الغنائمية جنوب منطقة القره بوللي شرقي طرابلس، تعلّم القرآن الكريم على يد والده الذي كان مُعلّم قرآن، ثم توجه إلى بلدة تاجوراء؛ حيث أتم حفظ كتاب الله في زاوية الولي الصالح سيدي الطشاني، وانتقل إلى زاوية سيدي عبدالسلام الأسمر في زليتن لتلقي العلم مدة خمس سنوات، وبعدها جاء إلى طرابلس والتحق بكلية أحمد باشا، ثم زاوية ميزران مدة تسع سنوات، وفي سنة 1908 سافر إلى القاهرة وانهمك في الدراسة بالجامع الأزهر عشر سنوات، وعاد إلى بلاده سنة 1918م أثناء الاحتلال الإيطالي، واشتغل في التدريس والوعظ والإرشاد، وكان صاحب أسلوب مميز اشتهر به، وعندما تألفت الجمهورية الطرابلسية في نوفمبر 1918م، عيِّن قاضياً بترهونة، وبعد احتلال الإيطاليين بلدة ترهونة سنة 1923م تولّى الفتوى إلى سنة 1930م، عندما عاد إلى طرابلس واستقر بها، وعاهد نفسه ألّا يَعمل مع حكومة الاحتلال الإيطالي مطلقاً، وأخذ في التدريس والوعظ والإرشاد إلى أن كف بصره في سنة 1947م، عندها لزم بيته، وكان -رحمه الله- وطنياً بامتياز، وعندما كان في أواخر أيامه صدر قرار الأمم المتحدة في يوم 21 نوفمبر 1949م القاضي باستقلال ليبيا، قال كلمةً جميلة فرحاً واستبشاراً بالقرار؛ حيث قال “أحمد الله؛ حيث وُلدتُ في عهد الحرية، وسأموت في عهد الحرية والاستقلال”، وقد صدق في حدسه، وفاضت روحه إلى بارئها بعدها بتسعةِ أيامٍ فقط الموافق 30 نوفمبر 1949م عن خمسة وثمانين عاماً، وشيّعت جنازته من بيته بشارع النخلة بمنطقة الظهرة بطرابلس، رحمه الله.
مصير مكتبته:
كان الشيخ مفتاح شغوفاً بجمع الكتب، وقد عمل قبل سفره إلى الجامع الأزهر سنة 1908م على تكوين مكتبةٍ خاصة بلغ عدد مجلداتها نحو خمسة الأف، كانت في جامع خليل باشا (جامع دورار) بمنطقة الظهرة بالقرب من سكن الشيخ، حيث كان يُلقي دروسه، وبينما كان الشيخ مفتاح في الغربة بالجامع الأزهر يتلقّى العلم، حدثت نكبة الاحتلال الإيطالي في شهر أكتوبر 1911م، ولمّا احتلت القوات الإيطالية منطقة الظهرة حيث يقع جامع خليل باشا (جامع دورار)، أقدمت على إحراق المكتبة بأكملها التي قضى الشيخ في جمعها نحو عشرين سنة من عمره، وعندما علم بذلك الخبر حزن لأجلها حزناً عظيماً، وبقي يتحدّث عن هذه النكبة الثقافية باقي حياته، رحم الله الشيخ مفتاح، وأقول إن مثل هذه النكبات الثقافية المؤسفة، تكررت مع العديد من المشائخ، والعلماء، والباحثين، وهي مما أسهم في ضياع جزء كبير من موروثنا العلمي.
المصدر: صحيفة طرابلس الغرب، عدد 08 ديسمبر 1949م.