الطيوب : متابعة وتصوير / مهنّد سليمان
أقامت الجمعية الليبية للآداب والفنون محاضرة للدكتور الباحث “محمود الديك” بعنوان (التجارب الليبية في الدساتير والانتخابات…دراسة تاريخية)، وذلك ضمن نشاطها الأسبوعي بقاعة عبد المنعم بن ناجي في دار حسن الفقيه حسن باستضافة من جهاز إدارة المدينة القديمة طرابلس مساء يوم الثلاثاء 18 من الشهر الجاري بحضور لفيف من المثقفين والكتاب والمهتمين، قدم وأدار المحاضرة الكاتب “مفتاح قناو“، وتطرق الدكتور الديك عبر سرد تاريخي لأبعاد ما سماها بالانسداد السياسي وأزمته الراهنة مشيرا إلى أن القارئ للتاريخ الليبي المعاصر يظهر لنا في هذه المرحلة عدة مبادرات مضيئة ومثيرة في فترة ما لكن هذه المبادرات غالبا ما تتعرض لجملة من الانتكاسات والاضطرابات، ويرى الدكتور الديك أنه لزاما على الجميع طرح ومناقشة الأسباب هل هي نتيجة ظروف موضوعية أو منهجية فكرية أم أن البيئة ذاتها طاردة لهذه الأفكار، وأضاف الدكتور الديك بأن الشعوب في العادة تتعلم من تجاربها وتراكماتها وخبرتها الطويلة لكن نحن في ليبيا كل صفحة تتغير فكل جيل له سمات وله الكثير من الأشياء.
لماذا لم يستفيد الليبيون من تجاربهم ؟
وأوضح الدكتور الديك أن الحديث عن هذا الموضوع يقودنا لمُسّلّمة مؤادها أن الشعوب دائما مرتبطة بالاستقرار فإذا كانت الشعوب مستقرة فهي تحقق وتنتج المعرفة، وتابع الديك ولكن أي نوع من الاستقرار هل نعني الاستقرار السياسي أم الاستقرار في المطلق سياسيا واقتصاديا واجتماعيا والتعليمي والغدائي، وبالتالي في ظل هذا الاستقرار المجتمع يستبشر خيرا في الكثير من الأمور لاسيما فيما يتعلق بالسلطة والحكم، وتساءل الدكتور الديك حول عدم استفادة الليبيون من تجاربهم في الدساتير والانتخابات ؟ مؤكدا أننا من الصعب فهم ما يجري اليوم واستشراف المستقبل إذا لم نعد إلى الماضي سواء كان القريب أو البعيد، ويعتقد الدكتور الديك بأن التاريخ عبارة عن حلقات متناغمة ومتناسقة ومتلاحقة مع بعضها البعض، مبيّنا أن تاريخ ليبيا الحديث وفق اتفاق الباحثون يبدأ مع السيطرة العثمانية والوجود العثماني 1551م وقبلها كانت ليبيا ممثلة في برقة وطرابلس وفزان تتبع كولاية للدولة الأموية والعباسية، وأوضح بالقول : لكن التغير الجغرافي والجوسياسي مع الدولة العثمانية عكس تغييرا على الوضع تماما لتصبح هنالك حدود شرقية وغربية وجنوبية وإن كانت التسمية آنذاك هي طرابلس الغرب تمييزا عن طرابلس الشام، وحسب تقدير الدكتور الديك أن الجغرافيا السياسية بدأت تتلمّس واقعها منذ ذاك الوقت بشكل أو بآخر.
العلاقات الليبية مع الغرب
كما استعرض الدكتور الديك ملامح وسمات العهد العثماني الأول حيث أشار إلى أن هذا العصر برزت فيها الفوضى والانقسامات والانكشارية، والدولة العثمانية في إسطنبول ليست منشغلة بما يحدث في طرابلس أبدا نظرا لانشغالها بالفتوحات وصراعها مع الشرق والغرب ما جعل ليبيا وقتذاك مهملة بالنسبة للحكام في الآستانة، وأردف قائلا : استمر هذا الوضع لما يربو عن القرن من الزمان ثم جاءت الأسرة القرمانلية 1711م ذات الأصول التركية بيد أنها تطبّعت وانطبعت واصطبغت بالمحلية الليبية حتى صاروا ليبيين، وتناول الدكتور الديك باختصار المعالم الرئيسة للدولة القرمانلية موضحا أن ليبيا في تلكم المرحلة كان لها دور خارجي أكثر من الدور المحلي منذ تولي المؤسس “أحمد القرمانلي” الحكم وأبناؤه وأحفاده اللذين تعاقبوا على الحكم كلهم كانوا دائما مهتمين بالبحر لذا ارتبطت إيالة طرابلس بشبكة عنقودية مع دول اسكندنافيا والولايات المتحدة الأمريكية، ودول القارة الأوروبية فضلا عن دول عربية محدد مع وتونس والمغرب إنما العلاقات مع دول المشرق لم تكن مباشرة وقوية، وأوضح الدكتور الديك بأن النشاط البحري والقرصنة البحرية في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط هو الذي ساهم في ارتباط إيالة طرابلس الغرب بعلاقات قوية مع الغرب.
التجارب الدستورية
بينما أضاف الدكتور الديك بأنه في ظل العلاقات الدبلوماسية بين طرابلس الغرب ودول الغرب برزت مجموعة من الشخصيات الوطنية الليبية لتشكل مفارقة عجيبة في ذاك العهد ومنهم : محمد الدغيّس، وعبد الرحمن آغا، ومصطفى الخوجة، هؤلاء كان لهم دور كبير جدا في ربط العلاقات الطرابلسية مع الدول الغربية وكانوا سفراء غير مقيمين في تلكم الدول، وأشار الدكتور الديك أن هذه المساحة الزمنية أتاحت لأولئك الشخصيات التعرف على ملامح الحضارة الأوربية خاصة المعمارية والفنية وأيضا الثقافية والعلمية، ولعل أبرزهم حسونة الدغيّس الذي ذهب في مهمة إلى لندن والتقي بالفيلسوف جيرمي بنتام وحدث نوع من التلاقي بين الرجلين حتى خلصوا باجتماعاتهم مع بعض لوضع دستور لولاية طرابلس، وقد تبناه الدغيّس وحاول أن يقنع به يوسف القرمانلي ولكنه كان أبعد من أن يطبق هذا الدستور، وحسب المصادر كان مشروع الدغيّس الديموقراطي مغاربي طمح الدغيّس لتعميمه على دول شمال إفريقيا، وعرّج الدكتور الديك على التجربة الدستورية الثانية قائلا : أنها كانت محدودة زمنيا ومكانيا في إسطبنول إبّان حكم السلطان العثماني عبد الحميد فأسس ما سُمي بدستور 1876م وهذا الدستور لم يعمّر طويلا، وأشار الدكتور الديك إلى محاولة عثمانية أخرى لوضع دستور عام 1908، وواصل الدكتور الديك استطراده حول التجارب الدستورية الليبية مع تأسيس المملكة الليبية وحظر العمل الحزبي وصولا لما بعد سبتمبر 1969 وما ترتب عليه من تغييرات أجهضت جميع الارهاصات والمحاولات السابقة.